حتى لا تسود الغثائية في إعلامنا
الأحداث المتتالية في الدول العربية التي شهدت تحولات كبيرة في مشهدها السياسي أثبتت الدور المتعاظم للإعلام توجيه الرأي العام وتغيير المفاهيم.
تعلمنا في الصحافة أنْ ليس هنالك وجود لما يسمى بالإعلام المحايد، فالخبر الواحد يصاغ حسب توجه كاتبه، أو الجهة التي يتبع لها. على سبيل المثال قد تجد خبراً مفاده: «لقي ثلاثة من جنود الكيان الصهيوني مصرعهم؛ نتيجة لهجمات قام بها استشهاديون من جنود المقاومة الفلسطينية»، وقد تجد ذات الخبر، يُصاغ بطريقة أخرى: «لقي ثلاثة من الجنود الإسرائليين مصرعهم نتيجة لهجمات قام بها انتحاريون فلسطينيون».
ليس هناك إعلام محايد بالفعل، بل ليس هنالك إعلام مستقل أو حرٌّ بالمعنى المطلق، فكل إعلام لديه أهداف وخطوط حمراء لا يمكنه تجاوزها، ولديه عوامل سياسية، واقتصادية، واجتماعية، تحد من استقلاليته الكاملة، وحريته التامة.
الإعلام سلام
الإعلام بلا شك سلاح في غاية الخطورة، يمكن استخدامه في البناء أو الهدم، والإعلام الموضوعي الهادف - في رأيي - هو الذي ينطلق من منهج واضح، وفكر ثاقب، وأهداف محددة؛ فيدلو بدلوه في بناء الأمم وتطويرها، وينقل صورة موضوعية للأوضاع الراهنة، مسهماً في تقديم حلول لها؛ وفي ذات الوقت يعكس رؤى وآمالاً، لما يجب أن يكون عليه المستقبل، باختصار هو الذي يسهم في نهضة المجتمع، وليس الذي يجاري المجتمع، ويقدم كلما يطلبه، دون تمحيص وانتقاء، محاولاً إرضاء الناس، ومن أرضى الناس في سخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، كما في الحديث.
الإعلام الهدام
أما الإعلام الهدام فهو إعلام ينطلق من مصلحته الخاصة، إعلام بلا مبدأ، ولا منهج راسخ، لا يعدو أن يكون بُوقاً يجري خلف كل داعم وناعق، ودوننا تجربة بعض الأجهزة الإعلامية العربية، التي تحوَّل كثير منها في منهجه 180 درجة.
ما أردت أن ألفت إليه الانتباه هو أهمية العناية بإعلامنا وتطويره، بما يشمل ذلك من تدريب وتأهيل للإعلاميين، وتوفير لمعينات العمل، وتوجيه الإعلام نحو إصلاح المجتمع وترسيخ القيم الفاضلة، ومحاربة الفساد، والظواهر السالبة، علاوة على تقويم الإعلام، ومحاربة الاتجاهات النفعية فيه، وإبعاده عن الابتذال، والإثارة الرخيصة، ودعمه؛ بحيث لا يتعرض لضغوط من قبل الشركات المعلنة وغيرها من أصحاب الأموال.
الإعلام الهادف
ويؤسفني القول: إن واقع الإعلام في بلادنا وغيرها من البلاد العربية والإسلامية محزن، ويبعث على الاستياء، فمن النادر أن تجد إعلاماً إصلاحياً هادفاً، ينطلق من ثوابت واضحة، وقواعد راسخة، مستمدة من ديننا الحنيف؛ فالإعلام الهادف في بلادنا يتعثر في عوائق التمويل، ويصطدم بمفاهيم المانحين القاصرة على بناء المساجد، والمدارس، وحفر الآبار، والإغاثة الطبية والغذائية، تلك المفاهيم التي ما زالت حتى الآن ترى - بالرغم من دور الإعلام المتعاظم في توجيه الرأي العام العالمي- أن إنشاء صحيفة أو قناة فضائية ضرباً من الترف والرفاهية، مع أن نفع الإعلام متعدٍّ، قد يؤثر على ملايين البشر!
إعلام المصالح
وفي مقابل غياب الإعلام الهادف يسود إعلام المصالح، إعلام الغثائية والزبد الذي يذهب جُفاءً، الإعلام الذي يعمد إلى جذب الناس بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، من كذب وافتراء مبني على قلة التثبت من الخبر المأمور به في القرآن الكريم، ومن نشر للهو والمجون، وابتذال لصور النساء المتبرجات، بل والعاريات، على نحو ما نشاهد في كثير من القنوات الفضائية، والصحف، والمجلات التافهة، وصفحات الإنترنت المبتذلة، ومن إدخال الخرافات، والمخالفات العقدية، كإتاحة الفرصة للدجالين والمشعوذين، ونشر أبراج الحظ، وما شابهها، مما يقدح في عقيدة الأمة، ويهز ثوابتها.
الإعلام البديل
إننا بحاجة إلى تشجيع الإعلام الهادف بكافة الوسائل المتاحة؛ لنبني إعلاماً بديلاً لكثير من الغثاء الذي يملأ الفضائيات، والإذاعات، وصفحات الصحف، والمجلات، والإنترنت؛ بحاجة ماسة لإيجاد تجارب جديدة للإعلام المسؤول، وتدعيم التجارب القائمة من الإعلام البنَّاء؛ حتى تقوى على منافسة هذه الغثائية التي آذت أسماعنا، وأبصارنا، وأصابت قلوبنا ومشاعرنا بالغثيان.
لاتوجد تعليقات