حاجة الفتاة إلى قدوة صالحة
كتبت: سحَر شُعير كاتبة وباحثة في شئون الدعوة والتربية
تعد طريقة التعلم واكتساب السلوك من خلال القدوة من أكثر طرق التعلم تأثيراً وسهولة؛ فالنفس بطبيعتها تميل للتقليد والمحاكاة، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِي اللَّهم عَنْه- قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ» - أخرجه البخاري ومسلم -
وهذا الميل يزيد لدى الفتاة في مرحلة المراهقة، التي من أهم سماتها: القابلية الشديدة للاستهواء، والتأثر بالغير سواء كان في مثل عمرها أم أكبر منها، أم شخصية خيالية أم حقيقية من التاريخ؛ لذلك كان على الوالدين أن يستغلا هذه القابلية الطبيعية للاستهواء ليجذبا منها الفتاة إلى خط الصعود إلى الفضيلة، وإلى القيم العليا والمبادىء الإنسانية الرفيعة. وهذا الاستعداد الشديد للاستهواء لم يخلقه الله عبثاً، ولا ليمثل مشكلة للإنسان، ولكن ليؤدي مهمته في البناء السليم للنفس وذلك حين يوجّه التوجيه الصالح على هدي المنهج الربّاني، بينما يمثل خطراً عظيماً مدمراً حين يوجّه توجيهاً سيئاً على هدْي المناهج الباطلة المخالفة لهدْي رب العالمين. (حنان الطوري:دور الوالدين في تنشئة الفتاة،ج1،ص:86)
وبالنظر إلى واقع فتياتنا المعاصر وما يحيط بهنّ من كثرة الفتن والأهواء، يؤكد أن بناتنا بحاجة ماسة للقدوة الحسنة المسلمة، وهي وإن كانت حاجة ماسة لكل عصر وزمان، فإن الحاجة إليها في عصرنا الحاضر أصبحت أكثر إلحاحاً؛ لما تعانيه المجتمعات المسلمة من هجمة شرسة على المرأة المسلمة، من مؤتمرات مشبوهة إلى دعاوى باطلة تحاول أن تطمس الحق وتزين الباطل لنسائنا وبناتنا، فضلا عن تغييب متعمد لظهور القدوات الصالحة وإبرازهن إعلاميا، في حين لا يخفي بروز قدوات نسائية فاسدة خلقياً وفكرياً؛ مما يشكل خطراً على الفتاة إن لم يربطها الوالدان مبكراً بالقدوات الصالحة.
تأثير القدوة
وتأثير القدوة يقع على وجهين:
- التأثير المقصود: وهذا النوع واجبٌ على الآباء والأمهات والمربين والدعاة وكل من أنزله الله -تعالى- منازل التربية وجعله رأساً يقتدى به بدءاً من محيط الأسرة إلى ما هو أوسع من ذلك، وقد مدح الله -تعالى- طائفة من عباده أدركوا تلك المسؤولية وسألوه عزّ وجلّ أن يؤهلهم لها، قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} – الفرقان:74 - عن ابن عباس, في قوله: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} يقول: أئمة يُقْتَدَى بنا.
- التأثير العفوي غير المقصود: وهذا النوع من التأثير يعتمد على مدى اتصاف شخصية القدوة بصفات تدفع من يربيهم إلى تقليده، كالتفوق العلمي، والانضباط الأخلاقي، والتدين الصادق الذي لا يتناقض فيه الظاهر مع الباطن، ولا القول مع العمل، وفي هذه الحالة يصل القدوة إلى درجة التأثير في الآخرين، ويمثل النموذج الذي يسعى مَن حوله لأن يحاكيه ويكون على مثاله، ويصدق فيه قول القائل:فعل رجل في ألف رجل، خير من قول ألف رجل في رجل.
القدوة السيئة
وقد يزيد من فرصة تأثر الفتاة المسلمة بالقدوة السيئة أمران:
- ضعف البناء الإيماني والفكري لبعض فتياتنا، وعدم وعي بعض الأسر المسلمة بأهمية تكوين قاعدة ثقافية إسلامية لدى الفتاة المسلمة تمكنها من الثقة في عقيدتها ومنهجها، والوقوف في وجه التيارات المنحرفة، وعدم الاكتراث بها.
- غياب المرأة المسلمة القدوة عن ساحة الإعلام أو الظهور بصفة عامة، ويقابله تشويه متعمد لصورة المرأة المسلمة، كما يقابل ذلك كم هائل من الغثائية الأنثوية التي لا تمثل قيم ديننا الحنيف ومبادءه بصورة صحيحة.
ولذلك كله فنحن بحاجة للقدوة المسلمة في محيط فتياتنا في المنزل، والمدرسة، وحلقات تحفيظ القرآن، وأن تتصف هذه القدوة بأنها إسلامية المنهج عصرانية الحياة، قادرة على التأثير في سلوك فتياتنا وتوجهاتهن، وأهم من ذلك أن تتمكن من تحقيق الإشباع والاحتواء العاطفي للفتيات، من خلال فهم النفسيات وتقدير خصائص المراحل العمرية، والرفق واللين وأن يكون شعارها نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله -تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } آل عمران/159.
وهناك جوانب أخرى في مسألة القدوة تستدعي الاهتمام من المربي حتى يتكامل ربط الفتاة بالقدوات الصالحات، وبناء القدوة في شخصيتها الواعدة، مثل:
إبراز القدوات الصالحة
عبر التاريخ في الماضي الذي يزخر تاريخنا الإسلامي بهن، ومن النابغات في الحاضر أيضاً، ومن القريبات إن وجدن في محيط العائلة أو الوسط الاجتماعي الذي تعيش فيه الفتاة. وتأتي على قمة هذه النماذج أمهات المؤمنين، والقدوات النسائية التي ذكرها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، قال -تعالى-: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} – التحريم:11،12-، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». كل ذلك يقدمه الوالدان للفتاة مع إبراز جوانب الاقتداء واتخاذ الأسوة الحسنة في تلك الشخصيات.
إنجازات المرأة المسلمة
وذلك بنهج يظهر لفتياتنا قوة المنهج الإسلامي وعزة المرأة المسلمة داخل إطار هذا المنهج، وأنّ التزامها بشرائع الإسلام لا يعوقها أبداً عن التفوق والإنجاز المتميز الذي تفخر به أمتها، وحبذا لَفتُ نظر الفتاة إلى إنجازات الفتيات في مثل سنها، فذلك أقوى في التأثير والاقتداء ومازالت شبكة المعلومات الدولية والقنوات الفضائية الثقافية الهادفة المهتمة بالشباب تطلعنا يوميا بما يثلج الصدور من إنجازات جديدة لفتيات في عمر الزهور على المستويات العلمية (ولاسيما مجال تكنولوجيا المعلومات، والحاسبات)، والأدبية والدعوية والتثقيفية... وغير ذلك، وكثيرات منهن حققن الإنجازات وحصدن الجوائز. كما يمكن للوالدين إحضار الإنتاج العلمي والأدبي للمرأة المسلمة، وتقديمه للفتاة لإفادتها منه وحفزها به أيضاً.
ربط الشخصية القدوة بالموهبة
فالكثير من فتياتنا يتمتعن بمواهب وقدرات كبيرة على الابتكار في مجالات شتى، وهذا مجال جيد للربط بالقدوات الصالحة في مجال تفوقهن؛ فإن برعت الفتاة في الشعر فلتكن قدوتها (الخنساء) - رضي الله عنها -، وإن برعت في الخطابة فقدوتها وافدة النساء وخطيبتهن (أسماء بنت يزيد بن السكن)، وإن برعت في الخط والزخرفة الإسلامية فهناك (شَهْدَة) الكاتبة.. وهكذا.
التوعية والرقابة
فنحن الآن في زمن الإنترنت والفضاء، فإذا أهملت الفتاة وتُركت لتتشرب كل ما تشاهده أو تسمعه أو تقرؤه من غثٍ وتافه وفاسد؛ فقد تنشأ وقد تبنت نماذج سيئة تحتذيها في السلوك والمظهر خارج النطاق الذي ينبغي أن يُقتدى به، ولكن لابد من توعيتها، وتوجيهها إلى التعامل مع الإعلام عموماً بانتقائية تتناسب مع توجهها الإسلامي، وأهدافها الصالحة في الحياة. (يوسف رشاد:الأسلوب الأمثل في تربية البنات في الإسلام،ص:71).
تربية الفتاة على أن تكون قدوة لمن حولها
وذلك من خلال تنمية اعتزازها بدينها، وثقتها التامة في منهجه القويم، ومن ثمّ ثقتها واعتزازها بنفسها المسلمة التي بين جنبيها؛ فتكون لمن حولها قدوة صالحة ومنارة هدى. وحقيقٌ بنا أن نربي بناتنا على هذا الدوْر المهم لهنّ؛ فإيجاد قدوة صالحة للفتيات من بينهن أمر يستحق التخطيط له والحرص عليه، ليصبح للفتيات قدوات في مثل أعمارهن في مجال الدعوة، والالتزام بالزي الشرعي، والانضباط الخُلُقٍي، وفي التفوق العلمي والأدبي؛ فتسعى الأخريات للاحتذاء بها والسير على نهجها.
لاتوجد تعليقات