حاجة الفتاة إلى الشعور بالتقدير والاحترام
من عظيم حكمة الله -تعالى- أن خلق المرأة مفطورة على رقة المشاعر وقوتها في الوقت ذاته، قال -تعالى-: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ}( الزخرف:18)، وذلك كمالٌ فيها من حيث مناسبة هيئة خلقتها لمهمة الأمومة العظيمة، وتربية الأجيال التي كلّفها الله -تعالى- بها، وفي أثناء نموها؛ إذ تعبر من الطفولة إلى الرشد، وقد تعتري البنات موجات من التمرد والمخالفة، والنبرة الحادة في ردود الأفعال حيال الوالدين أو الإخوة الأكبر سناً.. فما تفسير ذلك؟ وكيف يمكن للوالدين توقّيه قبل أن يحدث ؟
- إنّ كثيراً من الآباء والأمهات يرون أبناءهم أطفالاً على الدوام، ولا يتفهمون مشاعر الأبناء؛ إذ يتحولون من الطفولة إلى الرشد، والفتاة في هذه المرحلة تحتاج إلى الشعور بالتقدير والاحترام ممن حولها، وتعد التعامل معها وهي طفلة تقليلاً من شأنها، ويشعرها بأن الكبار لا يشعرون بها بوصفها فتاة تسير بخطوات حثيثة نحو الرشد، بينما يمنحها أسلوب التقدير ثقةً بالنفس وشعوراً بالقبول الاجتماعي .
معاملة المراهقين والمراهقات في الإسلام
وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تربية المراهقين والمراهقات هو القدوة لكل مرب؛ فقد كان يعاملهم بوصفهم أشخاصا كبارا قادرين على تحمل المسؤوليات الكبيرة، فيمنحهم هذا التقدير نضجاً، ويرفع تقديرهم لأنفسهم أيضاً، فنراه صلى الله عليه وسلم يكلف عليّ ابن أبي طالب بالنوم في فراشه ليلة الهجرة، وعبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- مسؤولاً إعلامياً ينقل لهما أخبار مكة وهما في غار ثور، وأسماء بنت أبي بكر توصل لهما الطعام كل يوم وسط أخطار بحث قريش عنهما، وتتصدى للباحثين عنهما في مكة أيضاً، وهكذا كان معظم أبطال الهجرة في مرحلة المراهقة!
وعندما هاجر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كلفّ فتى فذًّا (زيد بن ثابت) وهو في الخامسة عشرة بتعلم السريانية حتى يقوم بترجمة كتب اليهود التي ترد عليه صلى الله عليه وسلم .
والسر في بروز هذه النماذج ونضج شخصياتهم واستوائها بهذا النظام الرائع أن شعور الفتى أو الفتاة المراهقة بالقبول لدى الآخرين ركيزة مهمة لقبولها هي للآخرين، وأخذها بتوجيهاتهم، ويأتي الوالدان والمحيط الأسري في مقدمة هؤلاء، وفي سبيل تحقيقهم لهذا المطلب لابد لهما من الفهم الجيد لطبيعة المرحلة التي تمر بها الفتاة؛ من حيث تكوينها الجسمي، وقدراتها العقلية، والتحولات الوجدانية التابعة لذلك، ومن ثمّ إشعارها بأنها مقبولة لديهم بكل ذلك.
العدل بينها وبين إخوتها من البنين
والفتاة على وجه الخصوص قد تواجه تدني الإحساس بالتقدير والاحترام عندما تنشأ داخل أسرة تعتنق الثقافة الذكورية التي تمجّد الولد الذكر على الدوام، وتمنحه الكثير من المميزات والصلاحيات وقدراً أكبر من التقدير، بخلاف الفتاة التي لا تتمتع بكل هذه المميزات، ورغم أن التربية السليمة تقتضي أن كل فرد من أفراد الأسرة يجب تفعيله وتكليفه بالمسؤوليات المناسبة له، إلا أننا نلاحظ في هذه الأسر غياب تلك العدالة، فإذا قام الولد بأحد الأعمال داخل المنزل أو قضى حاجة من حاجات الأسرة تزفه الأم بالدعوات، والثناء على رجولته وكفاءته، بينما تقوم الفتاة بكل واجباتها المنزلية، وما تكلفها به الأم من أعمال، ولا تقابل بكلمة ثناء، ولكن باعتبار أن ذلك في حقها فرض، ولا شكر على واجب!
تربية الفتاة على احترام النفس
إن احترام النفس هو حجر الزاوية في التربية الصحيحة، فإذا انضم إليه شيء من تقدير المحيطين لشخصها كانا معاً من أفضل وسائل التربية، وفي الجانب الآخر: نجد أن الإهانة والتحقير والإذلال من أهم أسباب تمرد الأبناء والبنات، وبعث روح القسوة والانتقام في نفوسهم، والإسلام في نظامه الأخلاقي يحترم الفرد، ويمنع كل ما من شأنه الحطُّ من شخصية المسلم، أو إهانتها.
فالاحترام والاعتبار ضروريان لإشعار الفتاة بالقبول؛ لأنها ترفض أن تكون منبوذة أو مكروهة من والديها، أو أن تعامل معاملة الأطفال؛ حيث لا يكون لها وزن أو قيمة، هذه المعاملة تجعلها تحس بالدونية والامتهان، وتؤدي إلى تكوين حاجز نفسي بينها وبين والديها؛ ولذلك لا يستطيعان التأثير فيها بحال من الأحوال.
وإذا كان انخفاض تقدير الذات كارثة، فإن ارتفاع تقدير الذات وقاية من هذه السلبيات مادام المربي محافظاً على التوازن بينهما.
مراعاة رقة مشاعرها
والفتاة خاصةً يجب أن تعامل في هذه المرحلة برقة كبيرة، وباحتراز شديد؛ حيث تكون في مرتبة بين الأخت والبنت الصغيرة؛ فمرة يعطيها الوالدان من العطف والحنان ما تحتاج إليه البنت، ومرة يعاملانها بود معاملة الصديقة والأخت، كل ذلك باحترام لشخصيتها وآرائها وأفكارها.
مظاهر الاعتراف بشخصية الفتاة
وتتوفر مظاهر الاعتراف بشخصية الفتاة عبر مواقف اليوم والليلة، بمدحها على الآراء الصائبة التي تبديها، والثناء على تحسن قدراتها، وتميزها فيما مميزة فيه بالفعل، والإصغاء إليها باهتمام إذا تحدثت، ومناقشة ما تعرضه من آراء مهما بدت لنا تافهة أو مكررة أو غريبة؛ فهذا الأسلوب يعلمها احترام الآخرين، ويوصل لها رسالة مؤكدة أنها تحظى باحترامنا أيضاً.
تحديد دور للفتاة
تحديد دور للفتاة داخل البيت، وتكليفها ببعض المسؤوليات مثل أن تضع ميزانية لنزهة الصيف، أو تعد قوائم المشتريات المنظمة، أو القيام ببعض الأعمال التي تخص إخوتها الصغار؛ مما يُشعر الفتاة بذاتيتها وكيانها البارز المستقل، وأننا نثق فيها، ولم نعد ننظر إليها بوصفها طفلة، كما تشعر أنها شريكة في البيت، وليست مضطهدة فيه؛ فيزداد انتماؤها وارتباطها بأسرتها ووالديها.
التعامل الإيجابي مع أخطائها
من أهم المواقف الفارقة في تربية الفتاة هي الكيفية التي يقابل بها الوالدان أخطاءها، ذلك أن التعامل الإيجابي مع أخطاء الفتاة من التبصير والتنبيه، ثم التدرج في العقوبة، واستخدام المناقشة والإقناع من شأنه أن يغرس في نفسها قيماً ثابتة تمنعها من الوقوع في الخطأ مرة أخرى، كما أنها لن تحب أن تخسر المكانة التي تحظى بها عند الوالدين من احترام وتقدير لشخصها برغم وقوعها في الخطأ البشري الوارد.
تشجيعها على القيام بعمل اجتماعي تطوعي
تشجيع الفتاة على القيام بعمل اجتماعي تطوّعي، سواء فردياً أم مؤسسيا لخدمة مجتمعها ودينها، ومثل هذه الأنشطة بمثابة أمصال الصحة النفسية والاستواء الخلقي والسلوكي للفتيات والشباب في مرحلة المراهقة؛ لأنها تفرغ ما لديهم من طاقة في أعمال متعدية النفع لهم ولغيرهم، مثل مساعدة المحتاجين، والسعي على اليتيم، وزيارة المرضى ومواساتهم، وتوزيع المساعدات على الفقراء في المناسبات المختلفة، كل ذلك يثبت القيم الصالحة والأخلاقيات الفاضلة، في نفوسهم بفعل الممارسة العملية لتلك القيم، كما أنها تشعرهم بقيمة ذواتهم وأن لهم دوراً إيجابياً في المجتمع الذي يعيشون فيه.
التقدير والاحترام داخل الأسرة
إنّ إشباع حاجة الفتاة إلى التقدير والاحترام داخل الأسرة يحميها من الانجذاب إلى محيط آخر يكون له التأثير الأكبر على أفكارها وسلوكها، وقد يكون هذا المحيط هو مجموعة الرفيقات، أو بعض الأقارب أو معلمة الصف، وربما غير ذلك، ونادراً ما يكون عامل الجذب الخارجي هذا صالحاً؛ لأن كل ما يجذب الفتاة إليه هو المصدر الذي يشعرها بالتقدير والقبول!
لذلك علينا أن نبذل كل ما نستطيع للحفاظ على بقاء الأسرة؛ فهي مصدر الأمان والثقة للفتاة، وإليها يرجع انتماؤها وارتباطها الأول؛ وبذلك تظل هي الموجّه الأول لأفكارها وهي مناط تقويم سلوكها إذا أخطأت.
وكل ذلك لن يكون إلا ببث الحب والاحتواء، مقروناً بالاحترام والتقدير لكيان بناتنا الحبيبات.
لاتوجد تعليقات