رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 26 ديسمبر، 2017 0 تعليق

حائط البراق للمسلمين.. شرعا وقانونا

ما بعد إعلان القدس عاصمة لما يسمى دولة (إسرائيل)، والترتيب لنقل السفارة الأمريكية للقدس، صرح المسؤول الأمريكي: «بأن حائط المبكى يجب أن يبقى بيد إسرائيل»! ولن يكون هناك اتفاق سلام إذا ما تضمن (حائط المبكى)! وقال المسؤول، في موجز صحافي عقده يوم الجمعة 15/12/2017م: «لا نستطيع تصور أي وضع لا يكون فيه (حائط المبكى) جزءا من إسرائيل، لكن كما ذكر الرئيس (ترمب)، فإن ترسيم حدود دولة إسرائيل السيادية سيكون جزءا من الاتفاق بشأن الوضع النهائي، وتجدر الإشارة إلى أننا لا نستطيع التصور أن إسرائيل سوف توقع على اتفاقية سلام لا تشمل حائط المبكى».

 

     وحائط البراق هو الجدار الغربي للمسجد الأقصى، وأسموه زوراً وبهتاناً (حائط المبكى) الذي يبكون عنده أمجادهم المزعومة بأن الجزء المتبقي من الهيكل المزعوم الذي بناه الملك سليمان -حسب ادعاءاتهم التي رفضتها كل القرارات الدولية- كان وما زال عنوان الصراع مع اليهود الغاصبين، ومع كلّ من امتدّت يدُه إليه بشرِّ مُنذ نودي فيه بـ(حيّ على الصلاة ،حي على الفلاح).

 

مقياس التهدئة والتصعيد

     فظروفه اليومية هي مقياس التهدئة والتصعيد، والشعلة والفتيل لتصاعد الأحداث، وكثير من الأحداث الجسام على أرض فلسطين، اشتعلت شرارتها من المسجد الأقصى المبارك، بدءًا بأحداث البراق في عام 1929م، عندما حاول اليهود السيطرة على حائط البراق، ثم حرق المسجد الأقصى عام 1969م، وأحداث النَّفَق أسفل منه عام 1996م، وحتى اقتحام رئيس وزراء الكيان الصهيوني الإرهابي (أرئيل شارون) ساحات المسجد الأقصى المبارك في عام 2000م، ثمّ انتقل الحال إلى سلسلة من الاقتحامات شبه اليومية لساحات المسجد الأقصى من المغتصبين اليهود بحماية شرطة الاحتلال.

 

حائط البراق بداية الحكاية

     بعد تزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، حتى فاق عددهم مائة ألف منذ الانتداب البريطاني وحتى بداية عام 1929م، فضلا عن آلاف أخرى منهم من المتسللين (غير الشرعيين)، بتسهيلات وافرة من حكومة الانتداب، علت في تلك الفترة صيحات اليهود المطالبة بالحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق)، الذي يطلق عليه اليهود اسم (حائط المبكى).

 

 فازداد عدد اليهود الذين يتجمعون في المكان باستمرار، وأصبحت ممارساتهم أكثر جرأة لإقامة طقوسهم الخرافية، ونفخوا في أبواقهم، وأحضروا المقاعد والكراسي والموائد والمصابيح، وهكذا حوّلوا المكان إلى تجمّع دائم لهم؛ بحيث يحسبه الناظر كنيساً يهودياً!

وخشي المسلمون أن يظل اليهود على هذه الحال فيكون ما فعلوه مكتسباً لهم مع مرور الزمن؛ فغضب المسلمون، وعقدوا المؤتمرات، وشكلوا (لجنة الدفاع عن البراق الشريف)، وأعطيت قضية البراق بعداً إسلامياً، ولاسيما بعد أن انتشر خبر نوايا اليهود الحقيقية تجاه هذا الحائط، وانفضح مخططهم.

 وفي تلك الفترة أخذ اليهود يعلنون بصراحة عن (حقوق) لهم في المسجد الأقصى وحائط البراق، وشهد الموقف تصعيداً خطيراً من جانب اليهود، خصوصاً أثناء المؤتمر الصهيوني العالمي في زيورخ بسويسرا (28 يوليو – 11 أغسطس 1929م)؛ حيث كانت قضية حائط البراق هي القضية الرئيسة في المؤتمر.

 

ذكرى تدمير الهيكل

     وفي يوم 14 أغسطس 1929م نظّـم اليهود مظاهـرة ضخمة في تل الربيع - تل أبيب - بمناسبة ذكرى تدمير ما أسموه (هيكل سليمان)، أتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل، شارك فيها الآلاف منهم، حتى وصلوا إلى حائط البراق، وهناك رفعوا العلم الصهيوني، وأنشدوا أناشيدهم الدينية، وأخذوا يهتفون «الحائط حائطنا، والويل لمن يدنس أماكننا المقدسة»، وشتموا الرسول[ والإسلام والمسلمين؛ مما استفز مشاعر المسلمين وهيّج عواطفهم.

      وفي اليوم التالي (12 ربيع الأول 1348 هـ) الموافق (16 أغسطس 1929م)، خرج المصلون بعد صلاة الجمعة من المسجد الأقصى في مظاهرة ضمّت الآلاف من أهالي القدس والقرى المجاورة، واتجهوا نحو حائط البراق، وحطموا منضدة لليهود كانت موضوعة فوق الرصيف، وأخرجوا الاسترحامات التي وضعها اليهود في خروق الحائط وأحرقوها.

      وفي 17 أغسطس حدث اشتباك بين مجموعة من المسلمين وأخرى من اليهود أدى إلى جرح 11 شخصاً من الجانبين، ووفاة رجل واحد من اليهود؛ فسارعت سلطات الانتداب إلى اعتقال عدد كبير من المسلمين، مع زمرة قليلة من اليهود.

    وفي يوم الجمعة 23 / 8 / 1929م تدفق أهالي القرى المجاورة إلى القدس بأعداد كبيرة، بعد أن تواترت الأخبار عن نية اليهود شن هجوم على حائط البراق واحتلاله لتثبيت حقهم في ملكيته.

     فخرجت جموع المصلين من المسجد الأقصى ليجدوا أمامهم تجمعاً يهودياً يتحداهم، ووقع الصدام بين الطرفين، وفتحت شرطة الانتداب النيران على العرب، وامتد الصدام إلى ضواحي المدينة، وسرى هذا الهياج إلى القرى المجاورة، وانتشرت أخبار الصدامات في كل فلسطين، فعمتها المظاهرات وتفجرت الثورة في أرجائها.

وفي اليوم التالي قتل في الحي اليهودي في الخليل أكثر من 60 يهودياً، وهاجم المتظاهرون في نابلس أحد مراكز الشرطة؛ فنشبت اضطرابات عنيفة بسبب إطلاق الشرطة النار على الجمهور، وامتدّت الاضطرابات إلى بيسان وحيفا ويافا، كما هاجم اليهود مقبرة للمسلمين وعبثوا في القبور، ودمر المسلمون من جهتهم ست مستعمرات يهودية تدميراً تاماً. وفي صفد شاع الخبر بأن اليهود اعتدوا على المسجد الأقصى وهدموه وأحرقوه، فثار المسلمون، وهاجموا الحارة اليهودية في صفد، ووصل عدد القتلى اليهود إلى 20 وجرح حوالي 25، وأحرق ودمر حوالي مائة بيت، ولقيت أحداث البراق صدى خارج فلسطين، فقامت المظاهرات الاحتجاجية والتضامنية في الدول العربية المجاورة، وأخذوا يتهيأون للزحف نحو فلسطين والاشتراك في واجب الجهاد.

     وأوقفت سلطات الانتداب المئات من الشباب العربي المسلم، واعتقلتهم إثر ثورة البراق، وأصدرت بحقهم أحكاماً قاسية، فصدر 25 حكماً بالإعدام، نفذ في ثلاثة من المحكومين، وهم: (فؤاد حجازي، عطا الزير، محمد جمجوم).

    وبلغ عدد من حكم عليهم من العرب ما مجموعه 792 رجلاً، وحكم على قرى عربية كثيرة بدفع الغرامات، ووضع أكثر الوجهاء تحت الإقامة الجبرية. أما الأحكام على اليهود فقد تميزت باللين؛ فقد حكم على عدد قليل منهم أحكاماً مخففة، وحكم على يهودي واحد فقط بالإعدام، وهو الشرطي (خانكيز) قاتل إمام المسجد وعائلته، ثم خفف الحكم إلى المؤبد، ثم خفف إلى 15 عاماً! ثم أفرج عنه بعد 6 سنوات!

 

تكوين لجنة التحقيق في أحداث البراق

    كونت الحكومة البريطانية لجنة تحقيق في أحداث البراق عُرفت بـ(لجنة شو)، نسبة إلى رئيسها السير (والتر شو)، أحد القضاة الإنجليز، وهي التي أوصت -فيما بعد وبناءً على نتائج التحقيق- بتعيين لجنة خاصة لتحديد حقوق كلّ من المسلمين واليهود في حائط البُراق.

     وقررت الحكومة البريطانية تأليف لجنة تحقيق لفلسطين برئاسة المستر (ولتر شو) -رئيس اللجنة القضائية في تسوية المضايق- ومعه ثلاثة أعضاء من أعضاء البرلمان الإنكليزي يُنتخبون من كل حزب من الأحزاب الثلاثة، وسيقتصر التحقيق على الحوادث الأخيرة، ولا يتناول السياسة الرئيسة».

      أمّا اختصاص اللجنة فيكون التحقيق في الأسباب المباشرة التي أدّت إلى الفتنة الأخيرة في فلسطين، والإشارة بالتدابير التي يجب اتخاذها لمنع تكرار هذا الحادث في المستقبل .

 

العرب ولجنة التحقيق البريطانية

قرر عرب فلسطين في اجتماع القدس الآتي بشأن لجنة التحقيق البريطانية:

عدم مقاطعتها الآن، غير أنه إذا بدا للمحامين الذين يدافعون عن العرب أمام اللجنة ما يقنعهم بضرورة المقاطعة، يُعرض الأمر على المؤتمر.

تبليغ اللجنة احتجاجا تحفظيًّا بأنّ العرب بقبولهم مساعدة اللجنة في مهمتها لا يعدون أنفسهم قابلين بنطاق صلاحيتها الضيّق الذي أعلنته، وأن التواصي بمنع الاضطرابات في المستقبل تُحتّم عليها أن تدرس الأسباب الحقيقية التي أدّت وتؤدّي إلى الاضطرابات في هذه البلاد.

تبليغ اللجنة أن العرب يعتقدون أن منع الاضطرابات واستمرار السلام في هذه البلاد في المستقبل لا يمكن أن يكون إلا:

 

بإلغاء وعد بلفور الذي سارت سياسة الحكومة البريطانية في تنفيذ مقتضياته، وصارت حالة البلاد بسبب هذه السياسة في حالة لا تُطاق من الشقاء والحرمان، قوميًّا وسياسيًّا واقتصادًّيا وتشريعيًّا بإنشاء حكم وطني مستقل يستند إلى دستور شعبي كافل لحقوق السكّان جميعهم.

وهذا يدلّ على أن المسلمين في فلسطين كانوا على درجةٍ كبيرة من الوعي والانتباه لخطورة الغياب عن الإجراءات القانونيّة، وكذا لأهميّة التحفّظ على ما يُمكن أن يترتّب عليه أي إخلال بحقوقهم الثابتة في تلك الإجراءات، هذا مع إيمانهم بالعلم، وبضرورة إسناد المهمّات إلى الأكفاء من العلماء والقانونيّين، كما سيأتي بيانه لاحقًا على نحو أوضح.

 

قرار عصبة الأمم بتكوين اللجنة الخاصّة بحائط البُراق:

     أصدر مجلس عصبة الأمم في مساء يوم 15 الجاري قرارًا في مسألة البُراق في القُدس، وافق فيه على اقتراح (المستر هندرسن) -وزير الشؤون الخارجية لبريطانيا في حينه- تعيين لجنة بواسطة عصبة الأمم لتسوية مسألة جدار المبكى نهائيا، ويقضي هذا القرار بأن تؤلف اللجنة من ثلاثة أعضاء من غير الرعايا البريطانيين، وأن يكون أحدهم من رجال القانون، وأسماء الأعضاء الذين تختارُهم الدّولة المنتدِبة يجب أن تعرض على مجلس العُصبة للموافقة عليها، وتنتهي مهمة هذه اللجنة متى أصدرت قرارها في صدد حقوق الفريقين ومطالبهما.

وقد وافق المجلس على هذا القرار بإجماع الآراء، ما عدا صوت ممثّل إيران الذي قال إنه لم يتسع له الوقت ليكون على بيّنة تامّة من المسألة، وقد أعرب المستر هندرسن عن شكره للمجلس. وللحديث بقية إن شاء الله

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك