رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 14 يناير، 2016 0 تعليق

جول .. يتحدث عن تركيا والمسارات الفلسطينية: (1-2) لم تكن هناك علاقة تركية إسرائيلية جيدة إلا في الفترات التي استلمت فيها المؤسسة العسكرية السلطة

بعد الحرب على غزة تدهورت العلاقة سريعاً للغاية، وبلغت نقطة الصفر حتى انتهت العلاقة الدبلوماسية بين البلدين

تركيا تقوم بإيصال المساعدات إلى قطاع غزة وإلى الضفة، وهناك تبادل تجاري بين الفلسطينيين وهذه المساعدات تمر مباشرة عبر إسرائيل

 

شهدت الفترة الماضية توتراً في العلاقة بين تركيا وإسرائيل منذ عام 2010 بعد حادثة السفينة مرمرة التي كانت قادمة إلى غزة لتقديم المساعدات الإنسانية متحدية الحصار المفروض عليها؛ حيث جوبهت بهجوم من قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ مما أدى إلى مقتل عشرة أتراك وإصابة نحو خمسين آخرين؛ مما أدى إلى تدهور في العلاقات التركية الإسرائيلية، وقبل أيام تناولت الكثير من المواقع الإخبارية خبر قرب عودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى طبيعتها بعد مفاوضات حثيثة بين الطرفين، حول هذه العلاقة وتلك المتغيرات التي دفعت كلاً من تركيا وإسرائيل لتحسين العلاقة بينهما، وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية دار هذا الحوار مع الكاتب والمحلل التركي محمد زاهد جول على هامش زيارته للكويت ضيفًا على مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية:

- ما تعليقكم على تصريح الرئيس التركي (أردوغان) حول عودة العلاقات التركية الإسرائيلية وقوله: إن الشرق الأوسط سيستفيد من تطبيع العلاقة مع إسرائيل؟ وهل يعد ذلك توجها جديدًا للسياسة التركية ولاسيما أن هذا التصريح جاء بعد إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء التركية؟

- كما تعلمون أن هناك قطيعة في العلاقات التركية الإسرائيلية منذ حادثة (مارلي مرمرا)، سفينة مارلي مرمرا الزرقاء التي كانت تريد إيصال المساعدات إلى غزة، ونتيجة لمنع هذه السفينة واقتحامها قُتل عشرة من الأتراك، وإلى الآن هذه الحادثة تحديدًا أدت إلى القطيعة التامة بين تركيا وإسرائيل؛ حيث علقت تركيا علاقاتها مع إسرائيل، وربطتها بشروط ثلاث واضحة؛ وهي: الاعتذار، ثم التعويض عن القتلى، أما الشرط الثالث وهو الأهم في قناعتي وهو رفع الحصار عن غزة فالشرط الأول قد تحقق وهو الاعتذار الذي توسط له الرئيس (باراك أوباما) وجاء الاعتذار خطيًا مكتوبا، كما جاء أيضًا شفويًا مباشرة بالصيغة التي أرادتها تركيا وليست الصيغة التي أرادتها إسرائيل.

     وإذا عدنا للذاكرة سنجد أنه كانت هناك عودة للدبلوماسية التركية والإسرائيلية عمليًا في العاصمتين، التركية والإسرائيلية، بمعنى أن هناك سفارة موجودة في الوقت الراهن لتركيا، وهناك سفير من أكثر من سنتين والعكس صحيح أيضًا، لكن العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين الدولتين حتى هذه اللحظة بقيت مجمدة، وتطبيع هذه العلاقة يحتاج إلى الشرط الأخير وهو رفع الحصار عن غزة، وما لم يتحقق ذلك الشرط فإن تركيا في قناعتي لن تعيد ولن تطبع هذه العلاقة مرة أخرى مع إسرائيل، وأما ما يخص التعويض فقد عقدت لقاءات عديدة بين القيادتين التركية والإسرائيلية على مستوى الخبراء أو التقنيين في وزارة الخارجية خلال السنتين الماضيتين للتباحث والتفاهم فيما يتعلق بالتعويض، وتم التوافق -على حسب ما يذكر في الأخبار- على مفهوم التعويض وعلى طريقة التعويض، بل إن رئيس الوزراء الحالي ووزير الخارجية سابقا (أحمد داوود أوغلو) حصل على ما يمكن تسميته باسم تفويض من الأهالي بأن ما سيؤخذ من تعويض من الدولة الإسرائيلية سيقدم وقفاً إسلامياً لأهل غزة، بمعنى أنه لن يذهب إلى أهالي الضحايا كما هو شائع، بل سيذهب مباشرة إلى إنشاء مدرسة أو مستشفى أو إنشاء مبنى يستفيد منه أهل غزة؛ مما يؤكد على مدى الوعي الموجود لدى السياسة التركية؛ كذلك لدى الشارع والشعب التركي.

     وفي قناعتي أنه حتى لو كان هناك نوع من أنواع العلاقة مع إسرائيل فإن ذلك لن يكون كما صوره الإعلام الإسرائيلي على حساب حماس أو على حساب الشعب الفلسطيني أيضًا، بل هو محاولة إرسال رسالة واضحة إلى الداخل التركي أن المواقف التركية كانت ولا تزال بجانب الشعب الفلسطيني، وإذا ما كان هناك من علاقة مع إسرائيل ستكون بمباركة فلسطينية ولاسيما من المكتب السياسي لحركة حماس، ولن يكون ذلك بمعزل عن إرادتها؛ مما يؤكد على التوازن الموجود في الخطاب السياسي التركي.

-  إذًا ما أسباب هذه التصريحات؟ وهل هذه الشروط كافية لإزالة العداء مع الدولة الصهيوينية؟

-  في قناعتي أن هذه الشروط ليست كافية بطبيعة الحال، وإذا ما استعدنا الذاكرة سريعاً عن العلاقة التركية الإسرائيلية ومنذ تأسيس هذا الكيان الصهيوني الغاصب حقيقة لا توجد هناك علاقة تركية إسرائيلية في أي وقت من الأوقات نستطيع أن نقول إنها علاقة جيدة إلا في الفترات التي استلمت فيها المؤسسة العسكرية السلطة مباشرة أو شبه مباشرة، بمعنى أن أول من اعترف بالكيان الإسرائيلي كان الانقلابيون فترة الحزب الواحد قبل عام 1950م، لكن بعد التعددية السياسية وبعد أن تحكم في المسار السياسي حزب العدالة، كانت أول قطيعة في العلاقة السياسية التركية مع إسرائيل واستمرت القطيعة إلى نهاية عهد (عدنان ماندريس)، بعد ذلك عادت هذه العلاقة مع عودة الانقلاب العسكري في عام 1960م، بمعنى عودة المؤسسة العسكرية إلى مؤسسة الحكم، أيضا في فترة (أوزال) وفي فترة (ديمريل) في التسعينات تشاهد القطيعة واضحة بين تركيا وإسرائيل، وعندما ننظر إلى التصريحات السياسية للسياسيين الأتراك بعيدًا عن السيد (رجب طيب أردوغان) نجد أنها تتحدث عن إسرائيل وتصفها بأنها تمارس إرهاب الدولة؛ كذلك تصريحات عديدة في هذا السياق تؤكد على الموقف التركي السياسي والشعبي المتضامن مع الشعب الفلسطيني للوضع الإسرائيلي.

-  هل هناك مسعى واضح من الحكومة التركية تجاه المصالحة مع دولة الكيان الصهيوني مع عَدًّ الشروط الموضوعة شروطاً بذاتها وفي أغلبها شروط متواضعة الاعتذار والتعويض ورفع الحصار؟؛ لأن المبالغ المذكورة لا تمثل شيئا بالنسبة للحكومة التركية ولا حتى لدولة الكيان الصهيوني.

-  التعويض في حد ذاته هو اعتراف من إسرائيل بالمسؤولية وبالجرم.

-  هل معنى ذلك أن الحكومة التركية تسعى باتجاه المصالحة مع دولة الكيان؟ وما الفوائد والمصالح التي ستعود على الدولة التركية أو الحزب الحاكم من هذه المصالحة؟

-  عمليا لا.

-  إذًا لماذا السعي وراء هذه المصالحة مادامت الشروط متواضعة حقيقة؟

- أنا في قناعتي ليس هناك مسعى تركي حثيث في عودة العلاقة التركية الإسرائيلية، بل هناك تصريحات واضحة من الإسرائيليين أن أردوغان ليس براغب أصلا في عودة العلاقة التركية الإسرائيلية، وهذه الشروط التي عدتها متواضعة عدتها إسرائيل شروطاً تعجيزية.

- وأين التعجيز فيها؟

- موضوع رفع الحصار على غزة.

-  يمكن أن يرفع بطريقة أو بأخرى، ويمكن أن يبقى تحت عين اليهود ذاتهم يعني التلاعب بمفهوم رفع الحصار عند اليهود من أدوات التلاعب بالشيء الكثير.

- متفق معك لكن عمليا حتى هذه اللحظة ربما هناك إشكاليات كبيرة جدا في إطار رفع الحصار؛ لأن مفهوم تركيا لرفع الحصار ربما يختلف عن المفهوم الذي تريد إسرائيل أن تتلاعب به, تركيا تشترط في إطار رفع الحصار أن يكون هناك ميناء بحري تنفتح به غزة من خلاله على العالم دون أن يكون هناك سلطة أو وصاية من إسرائيل على هؤلاء الغزاويين أو الفلسطينيين، وليكن بطبيعة الحال هذا الميناء تحت رقابة دولية وقد استعدت أربع دول أوروبية فيما أعلم؛ لأن تكون ضمن لجنة المراقبة التي تشرف على هذا الميناء البحري؛ مما يؤكد على جدية تركيا من جهة؛ كذلك مما يؤكد على أن إسرائيل لن تستطيع أن تتلاعب بمفهوم رفع الحصار؟

-  ما المصالح اليهودية من عودة علاقتها بتركيا؟

-  دعنا لنرجع بالذاكرة قليلا, تركيا عندما استلم حزب العدالة والتنمية الحكم كانت لديها علاقة جيدة جدًا مع إسرائيل، هذه العلاقة المميزة استثمرها أردوغان لتخدم العلاقة العربية والإسلامية المصيرية؛ فتركيا كانت وسيطة حقيقية كما نتذكر في صنع عملية السلام بين سوريا وإسرائيل، ووصلت في هذه المفاوضات إلي النهايات، ولولا حرب غزة التي وقعت في عام 2008م التي توقف في إطارها ما يمكن تسميته بعملية السلام، بل كانت بداية وإيذان بعلاقة سيئة بين تركيا وإسرائيل في كافة الأصعدة، بمعنى أنه قبل 2008 قدمت تركيا الشيء الكثير للضفة ورام الله، قدمت مشاريع عديدة، ولأول مرة كان هناك ما يمكن تسميته بمشروعية اكتسبتها إسرائيل عبر الدخول إلى العالم الإسلامي من بوابة تركية، يعني إسرائيل استفادت من تركيا وتركيا أيضًا في إطار العلاقة التي كانت جيدة أرادت أن توظفها فيما يمكن تسميته بالمصلحة العامة الفلسطينية، لكن من المؤكد أنه بعد عام 2008م وبعد الحرب على غزة تدهورت العلاقة سريعاً للغاية، وبلغت نقطة الصفر؛ حيث انتهت العلاقة الدبلوماسية بين البلدين، وبلغت ما نستطيع تسميته بنقطة الصفر.

الكاتب والمحلل التركي: محمد زاهد جول

-  هل يعني هذا انتهاء العلاقات الاقتصادية والأمنية والعسكرية المعروفة بين تركيا وإسرائيل نهائيًا؟

-  العلاقات الأمنية والعسكرية توقفت في عام 2008م وحتى هذه اللحظة بقيت هذه العلاقة مجمدة.

- هل تضررت تركيا من هذا الأمر؟

- لا، لم تتضرر.

- هل معنى ذلك أن الذي تضرر فعليًا هو الكيان الصهيوني؟

- عمليا نعم، لكن فيما يتعلق بالعلاقة الاقتصادية هناك أرقام تقدم في وسائل الإعلام على أنها حجم تبادل تجاري بين تركيا وإسرائيل، وعلى أن هذا الحجم للتبادل التجاري رغم القطيعة ينمو، ولكن يجب أن ندقق في حقيقة هذه الأرقام وكذلك حقيقة العلاقة التجارية الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل، وكذلك دور تركيا في إيصال المساعدات إلى قطاع الغزة المحاصر.

     فتركيا تقوم بإيصال المساعدات إلى قطاع غزة وإلى منطقة الضفة، وهناك تبادل تجاري بين الفلسطينيين وتركيا في منطقة الضفة تحديدًا، هذه العلاقة التجارية التبادلية تمر مباشرة عبر إسرائيل، فهي تدخل في الميزان التجاري الإسرائيلي بدلا من أن تدخل في الميزان التجاري الفلسطيني، وكل المساعدات التي وصلت خلال السنتين أو الثلاث سنوات الماضية دخلت عبر المعابر الإسرائيلية، أما العلاقة الاقتصادية المباشرة بين الدولتين فهي متوقفة.

     كذلك فإن الامتيازات التي كانت تحصل عليها إسرائيل في السابق من تركيا توقفت بأكملها وما زالت حتى هذه اللحظة متوقفة، وهناك نقطة أخرى لابد من الانتباه إليها وهي أن أغلب هذه التجارة وأغلب هذه الأرقام هي عبارة عن حجم المساعدات التي تصل إلى أهل فلسطين أو حجم التبادل التجاري بين الأتراك والفلسطينيين.

     الأمر الآخر هو أن هناك تصديراً للبضاعة التركية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإلى غيرها من المناطق عبر إسرائيل التي لا تطبق على تلك البضائع ما يسمى بالسياسة الجمركية فهي تدخل في إطار التبادل التجاري غير المباشر بين الدولتين؛ لأن الحدود التركية السورية، والحدود التركية العراقية مغلقة؛ فبوابة تركيا هي الخليج العربي لنقل البضائع عبر ميناء حيفاء ويافا وهذه أيضا تدخل إلى الأردن ومنها إلى دول الخليج.

-  كيف نفهم الخسارة الحقيقية التي يعاني منها الكيان اليهودي ولو بالأرقام والمعطيات من قطع العلاقة مع تركيا؟

-  مع الأسف العلاقات الإسرائيلية التركية لم تكن ابتداءً في ظل الحكومات المنتخبة على الإطلاق، بل كانت الحكومات المنتخبة على علاقة سيئة مع إسرائيل، لكن الامتيازات قُدمت لها من المؤسسات العسكرية التي حكمت تركيا؛ ففي هذا السياق أستطيع أن أقول إن ما حصلت عليه إسرائيل من امتيازات فيما يتعلق ببعض الصناعات العسكرية وفيما يتعلق بصناعة السيارات  تأخذها إسرائيل بسعر التكلفة تقريبًا دون أن تدفع ضرائب للحكومة التركية ودون أن يكون لديها أرباح للحكومة التركية، هكذا كانت الاتفاقيات الموجودة بين تركيا وإسرائيل بمعنى أن إسرائيل كانت تستفيد في كل تجارتها مع تركيا بخلاف تركيا التي ربما كانت تخسر، فمن مصلحة تركيا إيقاف هذا الميزان التجاري المجحف حقيقة لتركيا في السابق.

-  معنى ذلك أن هناك أوراق ضغط تمتلكها الحكومة التركية تجاه الكيان الصهيوني، وما تلك الأوراق؟

-  فيما يتعلق بالاقتصاد لا يمكن الحديث عن ضغط حقيقي؛ فحجم التبادل التجاري ليس كبيرًا، فنحن نتحدث عن بضع مليارات والاقتصاد الإسرائيلي صغير؛ فلا يمكن الحديث عن أوراق ضغط في هذا الجانب.

     أما فيما يتعلق بالسياسة فنجد أن إسرائيل لديها علاقاتها السياسية مع أكثر من دول العالم وعلاقتها علاقة مهمة, بهذا الصدد لا يمكن الحديث عن ضغوطات متبادلة بين الطرفين في هذا السياق بقدر ما هية علاقة إسرائيل بتركيا, العلاقة الجيدة هي مكسب حقيقي لإسرائيل؛ حيث إن تركيا تمثل دولة أساسية مهمة من دول العالم الإسلامي؛ فالعلاقة معها هي علاقة مع أهم دولة من دول العالم الإسلامي، هذه النقطة تحديدًا تعد من أهم المكاسب السياسية الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل لو تحققت.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك