رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 17 يناير، 2016 0 تعليق

(جول) .. يتحدث عن تركيا والمسارات الفلسطينية: (2-2) يجب أن نبذل الكثير لنصرة القضية الفلسطينية التي تعد القضية المركزية الأولى لأي مسلم

هناك تغلغلا إسرائيليا في بعض المؤسسات الإعلامية التركية

غالبية اليهود الأتراك هاجروا إلى إسرائيل، والبقية مندمجة في المجتمع التركي

اهتمام المسلمين بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى وأوقافه والمرابطين فيه أقل بكثير من المطلوب

هناك تنسيق تركي فلسطيني فيما يخص قضية القدس على كافة المستويات الإقليمية والدولية

في تركيا هناك عاطفة شعبية واضحة

في أهمية تأييد أهلنا في غزة وفلسطين

في غزة تشاهد في كل شارع منجزا تركيا أو وجودا إغاثيا أو خيريا

 

 

شهدت الفترة الماضية توتراً في العلاقة بين تركيا وإسرائيل منذ عام 2010 بعد حادثة السفينة مرمرة التي كانت قادمة إلى غزة لتقديم المساعدات الإنسانية متحدية الحصار المفروض عليها؛ حيث جوبهت بهجوم من قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ مما أدى إلى مقتل عشرة أتراك وإصابة نحو خمسين آخرين؛ وأدى إلى تدهور في العلاقات التركية الإسرائيلية، وقبل أيام تناولت الكثير من المواقع الإخبارية خبر قرب عودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى طبيعتها بعد مفاوضات حثيثة بين الطرفين، حول هذه العلاقة وتلك المتغيرات التي دفعت كلاً من تركيا وإسرائيل لتحسين العلاقة بينهما، وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية. نستكمل الحوار الذي بدأناه في الحلقة الماضية مع الكاتب والمحلل التركي محمد زاهد جول على هامش زيارته للكويت ضيفًا على مركز ابن خلدون للدراسات الاستراتيجية:

- فيما يتعلق باليهود الموجودين في تركيا ما مكوناتهم داخل تركيا؟ وهل يعدوا صهاينة؟ وهل لهم وجود مؤثر في داخل مكونات المجتمع التركي أو مؤسسات المجتمع التركي الرسمية؟

- غالبية اليهود كما تعرف هاجروا إلى إسرائيل ولم يبقَ إلا عدد بسيط للغاية من الأتراك ممن نستطيع أن نطلق عليهم أنهم يهود تركيا، عددهم بسيط للغاية، وجزء منهم يملك جنسيتين التركية والإسرائيلية، ولكن جزءاً منهم نستطيع أن نصنفه بأريحية تامة على أنه يحمل الفكر الصهيوني، لكن من خلال مشاهداتي لأحد البرامج على سبيل المثال، التي خُصصت في الحرب الأخيرة في تركيا من أجل جمع التبرعات لأهلنا في غزة، التي شاركت فيها عشرون قناة فضائية من فضائيات تركية، فضلا عن أربعين إذاعة تركية في بث حي مباشر استمر ثماني ساعات متواصلة، وقد شارك في هذا البرنامج قيادات سياسية وإعلامية وفنانون وممثلون...إلخ، كل هؤلاء تحدثوا إلى الجمهور المتبرع مباشرة، وكانت حملة تبرعات جديدة ومهمة من نوعها؛ مما يؤكد على تضامن الشعب التركي بكافة أفكاره مع الشعب الفلسطيني, أذكر جيدا -وأنا الذي عملت في كواليس هذا البرنامج- أذكر أن مواطنيْن تركيين يحملان الجنسية الإسرائيلية اتصلا بالبرنامج، وقدما تبرعات لأهلنا في غزة؛ مما يؤكد أن الإسرائيلي التركي أو اليهودي التركي ليس كلهم ممن يحمل هذا الفكر العدائي أو على الأقل لديه تواصل طبيعي مع المجتمع التركي المسلم الذي حوله، وكما قلت لك هم أقلية يقدر عددهم بقرابة 25 ألف و250 عائلة, حقيقة نحن لا نتحدث عن أرقام كبيرة، وفي هذا الصدد لا يمكن الحديث عنهم إلا أنهم مندمجون في إطار الشارع التركي.

- هل هم أنفسهم يهود الدونما أم شيء منفصل؟

- نعم هم شيءٌ منفصل؛ فيهود (الدونما) أصلا بمعنى (التغيير) يعني هم تغيروا، أما هل بقوا على يهوديتهم أم لا؟ هذا يحتاج إلى جواب، لكن من المؤكد أن هناك ميلاً من بعض الأقلام الإسلامية ممن يتسمون بأسماء إسلامية كأحمد ومحمد ومحمود، فهؤلاء هويتهم إسلامية، لكنهم يدافعون عن إسرائيل ويحابونها أكثر ممن يتسمون بالأسماء اليهودية كصموائيل أو غيره من الأسماء اليهودية التقليدية, معنى ذلك أن الإشكال ليس في الديانة، إنما الإشكال في الفكر والمعتقد.

     وللأسف هناك بعض المؤسسات الإعلامية في تركيا تنتقد بطريقة غير مباشرة المواقف التركية تجاه إسرائيل، إنني أذكر جيداً أن هذه الوسائل الإعلامية هي من استطاعت أن تجرى لقاء مع (شيمون بيريز) حينما كان وقتها رئيس إسرائيل بعد ساعات من حادثة الاعتذار, وأذكر أن الاعتذار كان في الساعة الخامسة أو السادسة؛ حيث نشر في وسائل الإعلام أن هناك اتصالا هاتفيا بين الرئيس أوباما والرئيس التركي أردوغان، وكان أوباما وقتها في القدس، وتم الحديث مع نيتنياهو أيضًا، وقدم الاعتذار بالصيغة التي أرادتها تركيا، وفي اليوم الثاني أجرت إحدى الصحف في صفحتها الأولى حوارًا مع (شيمون بيريز)؛ مما يؤكد على أن هناك تغلغلاً إسرائيلياً داخل بعض المؤسسات الإعلامية في تركيا، حتى وإن كانت هذه المؤسسات في الظاهر مؤسسات تركية، لكنها في الأساس لا تنتمي إلى ثقافتنا وفكرنا.

- هل لليهود نشاط واضح؟ وما علاقتهم بالطوائف الأخرى الموجودة في تركيا؟

- هناك المعابد اليهودية تفتح أبوابها للعبادة يوم السبت، ولديهم تواصل جيد مع زعماء الطوائف الدينية الأخرى، كما قلت هم أقلية الأقليات نحن نتكلم عن 25 ألف يهودي، أكثر بقليل أو أقل بقليل، فنحن لا نتحدث عن أرقام أمام 80 مليون نسمة تقريبا هو حجم الشعب التركي؛ لذلك أنا في قناعتي أنه لا يوجد هناك إشكالية تذكر في وجودهم في المجتمع التركي، فالمعابد تعمل والأوقاف اليهودية التاريخية موجودة وما زالت قائمة، بل بالعكس هناك محاولة تسويق من بعض اليهود للتواصل الطبيعي مع الأتراك.

- العديد من المراقبين ذكر أن (أردوغان) لم يقدم للقضية الفلسطينية سوى كثير من الخطابات الرنانة والتصريحات البطولية، التي لم تحقق سوى النزر اليسير من نصرة القضية، فكيف ترى هذا الرأي؟ وكيف يقيم حزب أردوغان هذا المشهد؟

- ابتداء لا أثني كثيراً على ما بُذل حتى هذه اللحظة، ومن المؤكد أنه يجب أن يُبذل الكثير لنصرة قضية فلسطين والقدس التي تعد القضية المركزية الأولى لأي مسلم، لكن في المجمل لا توجد دعوى تركية لتحرير فلسطين كما يُدعى ويُزعم من بعض الدول، كما أنه ليست هناك دعوى تركية أيضًا بعدم شرعية إسرائيل كما تزعم وتدَّعي بعض الدول، تركيا كان طرحها طرحًا سياسيًا، وكان هذا الطرح واضحًا بناء على هذا المُعطى، فتركيا قامت وقدمت ما يجب عليها في فلسطين الآن تذهب إلى غزة فتشاهد في كل شارع فيها مُنجزا تركيا، أو وجودا تركيا سواء إغاثيًا بطريقة أو بأخرى، وهناك وجود لتركيا في غزة مباشرة في كل مكان، هذا أمر واجب على تركيا القيام به، ولا أقول هذا الكلام إلا من باب ذكر الواجب فقط.

     الأمر الآخر فيما يتعلق بقضية القدس وهي القضية الأهم بالنسبة لي؛ ففي الإطار السياسي تعد تركيا من أهم الدول التي ترفع صوتها في المحافل الدولية في هذا الإطار، حتى عندما ننظر في موضوع دعم السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بإعلان دولة فلسطين، ستجد في مجلس الأمن المتحدث هي تركيا، ستجد (محمود عباس) بجانبه يقف (أحمد داوود اوغلو) في المحافل الدولية، كما أن هناك تنسيقاً تركياً فلسطينياً واضحاً ولاسيما فيما يتعلق بالمسار السياسي أكثر بكثير من العديد من الدول العربية، ورغم كل هذا، فالقضية الفلسطينية هي قضية إسلامية مركزية، وتستحق الكثير، كما يجب علينا بذل المزيد من العمل والجهد لهذه القضية التي تعد أُمَّ القضايا الإسلامية.

- كيف ترى الجهود المبذولة لنصرة القضية؟

- من المؤكد أن كل الجهود المبذولة للقدس هي جهود مشكورة، لكنها حتى هذه اللحظة لا تستطيع أن تلبي حاجة القدس، ومع الأسف اهتمام المسلمين بالعموم بالقضية وبالمسجد الأقصى وأوقافه والمرابطين فيه أقل بكثير من اهتمام الصهاينة واليهود الذين يجمعون التبرعات بالمليارات من أجل صمود اليهود الصهاينة في تلك المنطقة والمزيد من السياسات الاستيطانية واليهودية تُمارس من قبل مؤسسات وليس بالضرورة من قبل الدولة الإسرائيلية، بل من قبل مؤسسات صهيونية يهودية، مع الأسف تفاعل المسلمين مع هذه القضية ضعيف.

- بعد الجولة الجديدة الرئاسية لأردوغان هل من شيء جديد يمكن أن تقدمه الحكومة التركية للقضية الفلسطينية؟

- في قناعتي أن موضوع رفع الحصار عن غزة سيكون على رأس الأولويات، فضلا عن موضوع تهويد القدس الذي لا يتم الحديث عنه على الإطلاق إلا في أروقة السياسة، والذي أعرفه أن هناك ضغطا من المجتمع التركي ومن حزب العدالة والتنمية والساسة الأتراك فيما يتعلق بفلسطين، أما فيما يتعلق بالقدس وتهويدها؛ فإنه يتطلب تضافر الجهود؛ لأن القدس تستحق منا أكثر مما يتم بذله الآن.

- بخصوص تفاعل الشعب التركي مع قضية فلسطين، هل هذا التعاطف مؤسسي وممنهج، بمعنى هل تدفع به مؤسسات الدولة الإعلامية والتربوية؟

- يجب قبل كل شيء أن نتذكر جيدًا أن قضية القدس هي قضية عقائدية إيمانية، مرتبطة بالعقيدة الإسلامية مباشرة؛ فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي ربطنا بالمسجد الأقصى، كما ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى، وفي ضمن هذا السياق نجد أن المقدسات الإسلامية في القدس هي على رأس المقدسات التي أَوْلَتْها الشرائع الدينية  والسياسات الاهتمام، من لدن عصر الخلفاء الراشدين إلى نهاية الخلافة العثمانية؛ فالذاكرة التركية تستحضر الشيء الكثير فيما يتعلق بالعهد العثماني وفيما يتعلق بصلاح الدين الأيوبي، وحتى رمزية صلاح الدين الأيوبي المتنازع عليها بين الأتراك والأكراد؛ فهناك عدد كبير من الكتب التي أُلفت من قبل مؤرخين أمثال (رمضان شوشان) الذي ألف كتابا من حوالي ثمانمائة صفحة ليثبت فيه تركية صلاح الدين، وفي المقابل هناك من يريد أن يثبت كرديته، كما أن هناك من يريد أن يثبت عروبته كذلك، لكن بغض النظر عن تركيته وكرديته وعروبته، فهو مسلم ناضل من أجل قضية عادلة، كما أن هذا الخطاب وتحديدًا خطاب جيل صلاح الدين حاضر بقوة في خطاب الساسة الأتراك، ليس فقط على مستوى حزب العدالة والتنمية بل على مستوى الساسة الأتراك الآخرين، ربما في هذه الحلقة أعطيك سرا أو أقدم لك بعض المعلومات التي ربما لم تقدم في وسائل الإعلام؛ ففي أيام كانت إسرائيل تلاحق أحد قيادات حركة المقاومة الإسلامية حماس وهو الشهيد بإذن الله -تعالى- (عزالدين الشيخ خليل)، الذي تم اغتياله على يد الكيان الإسرائيلي في عام 2004م في دمشق، هذه الشخصية التي أسست كتائب عزالدين القسام في منطقة الضفة، وكان هذا الشخص دخل ربما بطريقة غير شرعية إلى الأراضي التركية، علمت الموساد بهذا الأمر، وكانت تلاحقه وتريد اغتياله، وتم القبض عليه من قبل الأتراك بعد معرفتهم بهذه الملاحقة، ولم يكن الأتراك على معرفة بهذا الشخص، وتم اعتقاله، وتم استجوابه من قبل المؤسسات الأمنية التركية، وعندما كشف هذا الشخص عن هويته تم وضعه في مكان آمن، ثم تم تسهيل الوسيلة والسبيل له لأن يخرج من تركيا آمنا دون أن يمس بأي أذى، هذا الكلام كان في منتصف التسعينات أو في بداية حكم رئيس الجمهورية سليمان ديميريل، فنحن نتحدث عن حكومات علمانية وحكومات ذات طابع ربما يعادي نسبيا الإطار الإسلامي، لكن لا تستطيع أي حكومة تركية منتخبة أن تتعامل مع الكيان الإسرائيلي والصهيوني كما يتخيله بعضهم، يعني إذا كان هناك من حكومة تخاف من شعبها فلا يمكن أن تتعامل مع الكيان الصهيوني، فهناك إرادة شعبية وهناك عاطفة شعبية واضحة في التعامل مع أهلنا في غزة وفلسطين.

- في ظل حملة التغريب التي يقودها بعض المفكرين تجاه قضية المسجد الأقصى وفلسطين ما الدور المطلوب لمواجهة هذه الحملات؟

- هناك وعي الآن ولكن ضعيف جدًا، وفي الحقيقة كل فرد منا يستطيع أن يقدم الكثير من أجل القدس، فعلى سبيل المثال الأوقاف التي في المسجد الأقصى وحوله لم يتم توثيقها كاملة بعد، ولا توجد دراسات علمية كافية فيما يتعلق بالمسجد الأقصى؛ هناك الآن عبثية نشهدها في بعض الفضائيات ومن قبل بعض الشخصيات التي تبرز في الإعلام؛ حيث تدعي وتقول: إن القدس ليست هي التي عُنيت في القرآن الكريم، أما القدس التي عنيت في القرآن هي مسجد بالطائف، أو هذا الكلام الذي هو في الحقيقة لا يمت للواقعية العلمية المنطقية التاريخية بأي صلة، لكن مع الأسف هناك من يردد مثل هذه المقولات، ويريد زعزعة إيمان المسلم بهذه القضية التي تعد جزءا من عقيدته، ومع الأسف نحن نواجه هذه المخاطر في ظل عدم وعي وعدم اهتمام من أبناء الأمة الإسلامية بهذه القضية المركزية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك