جولة في رياض المقبولين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
قصة ولدي آدم عبرة للمعتبرين: فقد قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة:27)، قال ابن دينار -رحمه الله-: «الخوف على العمل ألا يُتقبل أشد من العمل» لطائف المعارف 223.
إن الإنسان يزرع ليحصد، ويبذر ليجني الثمرة، ويعد الطعام ليأكل، والطالب يذاكر لينجح، والعامل يكد ويتعب ليكسب آخر الشهر ما ينفق به على أهله، والصائم يصوم ليفرح مرة عند فطره، وأخرى عند لقاء ربه، وأنت أيها المسلم تصلِّي، وتزكِّي، وتصوم، وتعبد ربك، وترجو من الله القبول.
وهذا ابن آدم ينقم على أخيه أن تقبَّل الله -تعالى- قربان أخيه، ولم يتقبل قربانه، ففصل الأخ القضية فقال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، ما ذنبي أنا؟! إنما أُتيتَ من قبل نفسك، أصلِح سريرتك، وحقِّق التقوى؛ يتقبل الله منك.
ذكروا عن عامر بن عبد الله العنبري أنه بكى حين حضرته الوفاة، فقيل له: «ما يبكيك؟ فقد كنت وكنت...»، فقال: «يبكيني أني أسمع الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}» تفسير الطبري «74/589»، روح المعاني «4/588».
وقال أبو الدرداء ]: «لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحب إليَّ من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: {إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}».
قبول الأعمال مطلب الأنبياء والصالحين:
لم يغفل الأنبياء والصالحون الغرض الذي يؤملون من تقربهم إلى ربهم -تبارك وتعالى؛ فتراهم يعملون الطاعات، ويبتهلون إلى الرحمن في قبولها.
هذه امرأة عمران تنذر وليدها لله -تعالى- وتدفع بفلذة كبدها وقرة عينها، ومناها أن يتقبل الله منها، قال الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (آل عمران:35).
وهذا إبراهيم -عليه السلام- وولده إسماعيل يرفعان بناء البيت الحرام، ويؤسسان قواعد العبادة والطاعة لله -تعالى- التي تدوم بمرور الأيام، ويبتهلان إلى الله في الدعاء يرجوان القبول، قال الله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة:127).
قرأ وهيب بن الورد هذه الآية: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، ثم بكى وأخذ يقول: «يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مُشفق ألا يتقبل منك» تفسير ابن كثير 1/175.
وأما الصالحون فقد حكى الله عنهم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (المؤمنون:57-61).
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ}، أَهُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟»، قَالَ: «لا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ -أَوْ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ- وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيَتَصَدَّقُ وَيُصَلِّي، وَهُوَ يَخَافُ ألاَ يُتَقَبَّلَ مِنْهُ» (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).
ثمرات القبول:
وقد يقول إنسان: إنما تظهر ثمرة قبول الأعمال الصالحة في الآخرة كما قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} (الأحقاف:16)، فهل نستشعر ثمرات القبول هذه في الدنيا؟
والجواب: نعم، هناك ثمرات كثيرة يمكن أن ندركها، من ذلك:
1- البركة والنماء:
لما نذرت امرأة عمران ما في بطنها لله، ودَعت الله أن يتقبل منها؛ جاء الجواب من الله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} (آل عمران:37)، قال المهايمي: «{بِقَبُولٍ حَسَنٍ}: بجعلها فوق كثير من الأولياء، {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}: بجعل ذريتها من كبار الأنبياء» تفسير القاسمي 2/312.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: «{وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} أي: ربَّاها تربية حسنة في عبادة وطاعة لربها»، وفي رواية عنه: «أنه سوى َخْلقها، فكانت تشبُّ في يوم ما يشبُّ غيرها في عام» روح المعاني 3/79.
قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (البقرة:276)، وعن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ -وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ- وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ» (متفق عليه).
- والفلوُّ: وهو المُهر؛ لأنه يُفلَى أي يُفطَم، وضرب به المثل؛ لأنه يزيد زيادة بينة، وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيمًا، فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال «فتح الباري».
2- الحفظ والرعاية:
فالذي تولَّى حفظ مريم هو الله تعالى؛ بأنه اختار زكريا -عليه السلام- لكفالتها، فقال تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} (آل عمران:37).
«كما اختار الله -عز وجل- زكريا -عليه السلام- يصحب مريم -عليها السلام- يعلمها ويؤدبها»؛ قال تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}.
قال ابن كثير -رحمه الله-: «وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين؛ فلهذا قال: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}» تفسير ابن كثير 1/260.
ووهب الله لمريم عيسى -عليهما السلام، فأيده الله -تعالى- بجبريل يحوطه ويحفظه ويرعاه، فقال تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} (البقرة:87).
فإذا وجدت ارتياحًا لمجالسة الصالحين، ومحبة لسماع نصائحهم، وميلاً إليهم؛ فتلك ثمرة من ثمرات قبول الطاعات، وبشرى من بشائر القبول تـُزف إليك.
4- القبول في الأرض:
فتراه محبوبًا مألوفـًا، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} (مريم:96)، وفي الحديث: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ”، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ”، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ» (متفق عليه).
فرح المقبولين:
ما أجمل هذه اللحظة التي يطرق سمعك فيها أنك من المقبولين الفائزين... قد قبلت صلاتك، وصيامك، وقيامك، وحجك، وعباداتك، إن فرحة الإنسان عندها لا تُحدُّ بحدٍّ، ولا تٌقدر بقدر.
هذا الصحابي الجليل كعب بن مالك -رضي الله عنه- كما في الصحيحين، تخلف عن رسول الله [ في غزوة تبوك، ثم ندم على ذلك، ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوته عزم كعب على أن يَصدُق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يخادع أو ينافق؛ فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فأقر بين يديه أنه تخلف عن الغزو وليس لديه عذر يعتذر به، فقالصلى الله عليه وسلم : «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِىَ اللَّهُ فِيكَ»، ثم أرجأ النبي صلى الله عليه وسلم أمره مع صاحبين له فعلا مثل ما فعله؛ حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، كما قال الله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (التوبة:118)، وإذا بالصحابة -رضي الله عنهم- يسمعون هذه الآيات، فيسرعون إلى كعب فمنهم من يسعى، ومنهم من يركض فرحًا، ومنهم من يرفع صوته يريد أن يزف بشرى القبول إلى كعب ]، ولما توجَّه كعب إلى النبي صلىالله عليه وسلم إذا به يسوق إليه البشرى فيقول: «أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ»، وإذا بكعب يتهلل وجهه فرحًا بالقبول فيقول: «يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أَمِن عندك أم من عند الله؟»، قال: «لا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»، وطفق الصحابة يهنئون كعبًا بتوبة الله عليه.
فإذا كانت هذه فرحة التائب بقبول توبته؛ فما أدراك ما فرحة الطائع بقبول طاعته...؟!
وما أدراك ما فرحة الصائم بقبول صومه...؟!
وما أدراك ما فرحة القائم بقبول صلاته وقيامه؟!
اللهم تقبل منـَّا.
علامات وبشائر القبول:
أخفى الله - تعالى- عن هذه الأمة قبول الأعمال، وكانت الأمم فيما قد مضى تأتي النار من السماء فتأكل القرابين، فيَعرف المتقرب بالقربان أن قربانه قد قـُبل.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ} (آل عمران:183)، وأما هذه الأمة فقد جعل الله -تعالى- عِلم القبول إليه، فلا يطلع عليه العبد إلا في وقت الحساب في يوم القيامة.
ومع ذلك فهناك علامات يمكن أن يستدل بها العبد على القبول، منها:
1- التوفيق للمزيد:
فمن علامات قبول الطاعة أن يوفَّق العبد لطاعة بعدها، وقبول الحسنة يقود إلى حسنة بعدها، قال الله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل:5-10)، فالعمل الصالح شجرة طيبة تحتاج إلى سقاية ورعاية حتى تؤتي ثمارها، والمهم أن نتعاهد أعمالنا الصالحة بالمداومة عليها إلى أن نلقى ربنا.
2- نور الوجه وبياضه:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «إن للحسنة نورًا في القلب، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة ظلمة في القلب، وسوادًا في الوجه، وضيقـًا في الرزق، وضعفـًا في البدن، وبغضًا في قلوب الخلق».
3- نور القلب والبصيرة:
كما قيل: «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار»، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «إن للحسنة بياضًا في الوجه، ونورًا في القلب، وسعة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق»، قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (النور:40).
4- الرؤيا الصالحة يبشر الله بها عبده المؤمن:
وفي الحديث: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» (رواه البخاري)، وفي رواية: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ» (رواه الطبراني، وصححه الألباني).
وروى البخاري عن أبي جَمْرَةَ نَصْرِ بْنِ عِمْرَانَ الضُّبَعِى قَالَ: تَمَتَّعْتُ فَنَهَانِي نَاسٌ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فَأَمَرَنِي، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلاً يَقُولُ لِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: سُنَّةَ النَّبِيِّ [ فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي، فَأَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ فَقَالَ: لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ.
وفي رواية النضر: فقال: «اللَّهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ» فتح الباري3/503.
وعن أبي هريرة ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ رَجُلٌ: لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَي زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ، فَوَضَعَهَا فِي يَدَىْ غَنِىٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍ”، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِىّي فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ) (متفق عليه)، وزاد الطبراني: «فساءه ذلك، فأتي في منامه...».
5- عدم الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة:
قال يحيى بن معاذ -رحمه الله-: «من استغفر بلسانه، وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعصية بعد الشهر ويعود؛ فصومه عليه مردود، وباب القبول في وجهه مسدود».
اهتمام السلف بالقبول:
روي عن علي ] قال: «كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله -عز وجل- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة:27)»، لطائف المعارف 223.
وقال ابن دينار: «الخوف على العمل ألا يتقبل أشد من العمل» السابق.
وقال عبد العزيز بن أبي رواد: «أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمُّ: أيقبل منهم أم لا؟»! فاللهم إنا نتوسل إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، نطمع في سعة رحمتك، ونرجو عظيم عفوك، ونبتهل إليك أن تجعل أعمالنا صالحة، ولوجهك خالصة، وإليك مقبولة صاعدة.
اللهم لا تردنا بذنوبنا، ولا تطردنا بعيوبنا، ولا تحرمنا خير ما عندك بسوء ما عندنا.
اللهم هذه بضاعتنا المزجاة أنت الخبير بها، ما عبدناك حق عبادتك، ولا شكرناك حق شكرك، اللهم تصدق علينا بعفوك عن تقصيرنا، وقبول أعمالنا، والتوفيق للمزيد.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلِ اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
لاتوجد تعليقات