رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 17 مارس، 2019 0 تعليق

جرائم عصرانية في التعامل مع النصوص الشرعية

لا نغفل أن الله -عز وجل- أمرنا بالسير في الأرض والتفكر واستعمال العقل؛ من أجل استنباط الأحكام الخاصة بكل زمان ومكان، لكننا نؤمن أن الله -تعالى- وضع ثوابت في الدين لا تتبدل ولا تتغير، قال -سبحانه-: {ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً}(الأحزاب: 62)، وقال -تعالى- واصفاً المؤمنين الذن ثبتوا على دينهم وحافظوا على ثوابتهم: {وما بدلوا تبديلاً}(الأحزاب: 23)، وهذه الثوابت هي الكلمات التي قال الله عنها: {لا تبديل لكلمات الله}(يونس: 64 )؛ ولذا فإن التجديد في نظرنا هو البحث عما استجد من أجل الوصول إلى حكمه في إطار الثوابت والكليات والنصوص، وأما تطوير الشريعة وتجديدها في نظر العصرانيين؛ فعبارة عن مسايرة الغربيين في تفكيرهم وخطواتهم في الحياة وفي فصل الدين عن الحياة، وفي إبعاد الدين واللغة عن مجال الترابط، وإخضاع الشرع لمتطلبات الواقع؛ إذ يسلكون في التعامل معه مسلك الغربيين في التعامل مع الدين.

معيار التطوير عند العصرانيين

     المعيار الأهم في عملية التطوير عندهم، محاولة التوفيق بين الدين والعلم الحديث من خلال إعادة تأويل النصوص الدينية في ضوء المعارف العصرية السائدة؛ فالعملية برمتها تقوم على أساس تقليد الحضارة الغربية وأسسها المادية، واقتباس العلوم العصرية بحذافيرها، وعلى علّاتها وتفسير الإسلام والقرآن، تفسيرا يطابقان ما وصلت إليه المدنية والمعلومات الحديثة في آخر القرن التاسع عشر المسيحي ويطابقان هوى الغربيين وآراءهم وأذواقهم»؛ فهذا التوفيق هو المعيار الأهم والمقصد الأعظم، وإذا لم يحدث هذا التوفيق بين الدين والعلم الحديث بجعل العلم مهيمناً على النصوص فالخطوة التي بعد ذلك هي إنكار النصوص والطعن فيها.

التطوير عند العصرانين لا يستثني شيئاً

     يرى العصرانيون أن هذا التطور يشمل الدين في جوانبه جميعا؛ فليس فيه أحكام تبقى على بقاء الزمن ولا ينالها أي تغيير، ويشير إلى هذا أحدهم في كتاب له فيقول: التطور روح الشريعة الإسلامية، والإسلام لا يتعارض أبداً مع سِيَر البشر وتحولها؛ فهو دين لين واسع الأفق نستطيع أن نوفق بين روحه وبين كل مظهر من مظاهر الحضارة، وأن نجد في نصوصه ما يساير الأطوار المختلفة، التي تتخطاها البشرية في عصورها المتباينة؛ فالروح هي الباقية ببقاء الزمن، وقد تتحكم هذه الروح؛ فتبدل أحكاماً كانت قبل ذلك قطعية؛ إذ ينبغي أن تكون هناك مجموعة من الإصلاحات؛ فمثلاً: في مجال حقوق المرأة: تقييد الطلاق و منع التعدد!

الهدف الخفي من عمليات التطوير المغلوط

     يتبين لكل عاقل أن مقصودهم من التجديد ليس استخراج الأحكام المناسبة للواقع المعاصر، وإنما يعمدون إلى تخطي هذه الأحكام وتهميشها؛ ليكون التفكير علمانياً ماديا بحتاً، وإذا كان القصد من التجديد هو تخطي أحكام الشريعة جملة وتفصيلاً، أو جزئياً بحجة التطوير، والارتقاء إلى مستوى الدول المتحضرة صناعياً ومادياً فقط لا فكرياً وروحانياً، وأخلاقياً فهو عمل عدواني مشبوه، لا يراد به خير الأمة الإسلامية، وإنما يراد به تصفية الشريعة الإسلامية تحت ستار التجديد المزعوم، ولاسيما أنه اتجاه يقوم به أناس غير مختصين، ويغلب عليهم التأثر بالثقافة الغربية وبأفكار المستشرقين.

كيف نتعرف على التجديد المغلوط ونكتشفه ؟

     هناك مجموعة من السمات التي تظهر على التجديد والتطوير المذمومين المغلوطين سنذكر أهمها سريعاً: أولاً: تقديم العقل على النقل أو المبالغة في احترامه وتقديره؛ فكثيراً ما يقدم الاستنباط على المنصوص عليه، بغض النظر عن صحة النص أو عدمها؛ فالمهم ألا يتعارض مع عقولهم، كما أنهم يعدون العقل المنظم الوحيد لما تنصلح به حياة الناس، وقد أدى ذلك إلى إنكار الغيبيات وما نقل عن المعجزات، يشككون فيها أو يؤولونها بما يخرجها عن ظاهرها. يقول أحدهم: وهذه سنن ابن ماجة والبخاري، بل وجميع كتب الحديث والسنة، طافحة بأحاديث وأخبار لا يمكن أن يقبل صحتها العقل ولا نسبتها إلى الرسول الكريم، صاحب أعظم شريعة عقلية إنسانية، ويقول آخر: فلم يعد النص مقدمًا على العقل كما كان الشأن قديماً، ولم يعد النص قطعي الدلالة تسليماً لا اختلاف فيه، كما لم تعد الرواية غالبة للعقل. الإسلام الجديد تعبير صريح عن تقدم العقل على النص، بل واستخدام منتجات العقل الإنساني في دراسة الظاهرة الدينية ومنتجاتها الرمزية.

ثانياً: تقديم الاجتهاد المقاصدي على الحكم الشرعي

     وذلك بغرض الانفلات من الحكم الشرعي؛ فتراهم يقولون: إن المقصد من الحكم كذا وكذا؛ لأجل التفلت من الحكم نفسه، بحجة أنه يمكن حصول المقصود بغيره، ولا شك أن ذلك قد يكون في مسائل بالفعل وردت في اجتهادات الفقهاء، مثل الكلام في صدقة الفطر مثلاً، ولكنهم يعمدون إلى هذه القاعدة في غير مكانها، كأن يقولوا: إن الحكمة من الحجاب العفة؛ فالأمر بالحجاب ليس لذاته؛ فإن لم يكن خلعه يؤدي إلى معصية فلا حرج في إزالته، وكذلك ينظرون إلى الحدود بوصفها عقوبة زاجرة؛ فإن كان الزجر بغير العقوبة المنصوص عليها فلا حاجة لها.

ثالثاً: الخروج على مصادر الحجة

     ولما كان المسلمون لا يخرجون عن مصادر الحجة عندهم وهي القرآن والسنة، جعل المتغربون ينصبون ما ظاهره التعارض بين الآيات والأحاديث لإضعاف الثقة فيهما، أو بادعاء تاريخية النصوص، وأنها خاصة بزمن معين لا يتناسب مع الواقع المعاصر؛ فهم يحاصرون النصوص الشرعية بالظروف التي أحاطت بها وأن هذه الأحكام تزول بزوالها، ويؤكدون فقط على الفترة التي كانت فيها النصوص وكأنها ليست ديناً للبشرية كلها، وأنه بانتهاء فترة الإسلام الأولى تبدأ مرحلة اجتهادات أخرى غير مقيدة بالنصوص التي يستند إليها لاستخراج الأحكام التي تتلاءم مع العصر؛ وبذلك يحق لهم تغيير وتبديل ما أرادوا من الدين؛ إذ إن الدين كله عندهم محل نظر واجتهاد، وأسباب النزول عند هؤلاء ليست كأسباب النزول عند علماء التفسير، بل يضعون لها معنى آخر وهو (التاريخية) لمحاصرة النصوص في إطار زمني وتاريخي لا يتعداه إلى غيره.

رابعاً إطلاق الحريات في محاولة فهم النصوص ونقدها

     إذ يزعم دعاة هذا النوع من التجديد أن من حق كل إنسان أن يجتهد في فهم النصوص كما يشاء، في الوقت الذي يختلف فيه كبار الفقهاء والعلماء حول مسألة ما؛ فكيف يمكن لمن لا دراية له بقواعد الشرع أو أصوله أن يصل إلى المراد في كل القضايا، ويدّعون أن اتباع العامة للعلماء في ذلك صورة من صور التقليد التي نهى عنها القرآن، وهذا التحرر المزعوم يأتي بدعوى أن البشر متساوون في فهم النصوص الدينية؛ وفهم معاني الوحي ليس حكراً على رجال الدين، كما كان الحال مع الكنيسة قبل الثورة عليها، مع أن الله -تعالى- حرم القول عليه بغير علم؛ فقال: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}(البقرة: 169).

خامساً: استخدام أساليب النقد الحديث للنصوص

      فهم يعدون النص القرآني نصاً أدبياً، يخضع لمنهج النقد الأدبي، ويدّعون أن تطبيق منهج تحليل النصوص اللغوية الأدبية على النصوص الدينية، لا يفرض على هذه النصوص نهجاً لا يتلاءم مع طبيعتها، وأن المنهج نابع من طبيعة المادة ومتلائم مع الموضوع، وهذا السلوك في الحقيقة تَعدٍٍّ من غير المختصين على النصوص الدينية، بينما التجديد الصحيح في الدين لابد أن يكون من داخله، وبأدواته الشرعية، وعن طريق أهله وعلمائه، لا بالإغارة عليه، ولا بالافتيات على أهله، ولا بإدخال عناصر غريبة عنه وفرضها عليه عنوة. قال -تعالى-: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}(النحل: 43).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك