ثماني فوائد من حديث «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع» تأديب الطفل بالعقاب الإيجابي
التوازن في تربية الطفل مطلوب، واللين والرأفة هما الأصل في التعامل معه، ولكن هل تعني الليونة إفساح المجال للطفل ليفعل ما يشاء، وينطق بما يشاء، ويتصرف كما يشاء؟! لقد تكلّمنا أكثر من مرة عن القواعد والضوابط والقوانين التي ينبغي أن تكون حاضرة في حياتنا الأسرية وفي علاقاتنا مع أبنائنا، وخلصنا – علمياً و تربوياً ودينيّاً – أنها ضرورة لاستقامة الطفل والحياة الأسرية.
إن التربية جهد مبذول، وتحتاج لنفس طويل وصبر وتأنٍّ وبرمجة يوميّة لنرى النتائج الإيجابية بعد حين من الزمن. والتجاهل مفسدة في كل شيء، وفي تربية أبنائنا وتوجيههم يعدُّ قاتلاً للسلوك الإيجابي، قاتلاً للقدرات الكامنة في شخصيّة الطفل، والتعجّل يدفع الآباء والأمهات في الغالب إلى اللجوء إلى وسائل تربوية غير صحيحة من أجل رؤية النتائج الإيجابية سريعاً على أبنائهم، ومن هذه الوسائل العقاب البدني والضرب.
لن يضرب خياركم
يتحدث الكثيرون عن العقاب البدني والضرب، ويستشهدون بنصوص في غير موقعها، و يجرون قياسات مع فوارق معتبرة لا يصح معها القياس، ويجزّئون النصوص، يأخذون منها ما يريدون ويتركون ما لا يماشي حججهم.
إن التأديب من خلال الضرب و العقوبة البدنيّة كان دوماً محل اختلاف بين الفقهاء، ومحل تضارب بين علماء التربية والسلوك، هل نضرب أبناءنا؟ وما المصلحة المرجوة من ذلك؟ وما المفسدة كذلك؟
ومهمٌّ جداً أن نطرح فعلاً هذه الموازنة بين المصالح والمفاسد في التأديب من خلال العقوبة البدنية متبعين في ذلك منهج القرآن الكريم: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما}، المنافع ثابتة لكنها لا تكفي لإباحة الخمر والميسر.
حديث الضرب على الصلاة كامل بمفاهيمه النبوية
يستدل المؤيّدون للضرب بكونه وسيلة تربوية للتأديب بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرّقوا بينهم في المضاجع». (المسند/ 6756 – قال الشيخ الألباني: حسن صحيح)، ومن هذا الحديث نأخذ ثمانية دروس تربوية وهي:
تعويد الأطفال من سن السابعة
- أولا: هذا التعويد واضح بصيغة الأمر (مُروا) والأمر يفيد الوجوب. و الحكمة من ذلك أن يستأنس الطفل و يعتاد على الصلاة فيسهل عليه إقامتها إذا وصل سن البلوغ.
الطفل أكثر استعداداً في سن السابعة
- ثانيًا: تدريب الطفل وتعويده على الصلاة في هذا السن؛ لأنه أنسب لطبيعة الطفل؛ فهو يومها أسلس قياداً و أسرع مواتاة وأميل إلى التقليد، ولم تغلب عليه عادات تمنعه، بل هو في طور بناء عاداته السلوكية، و عزيمته مرتفعة لا يشوبها شائب.
التدرج سنة تربوية وطبيعة بشرية
- ثالثًًا: ثلاث سنوات من العمل و التعويد و التشجيع والتدريب كافية لأن يلتزم الطفل بالصلاة، ويبرمج عليها عقيدة وسلوكاً ونظاماً في حياته، وهذه السنوات الثلاث تعد تدرّجاً في عملية الالتزام بالصلاة.
مسؤولية الكبار أعظم
- رابعًا: فالضرب مطلوب على الكبير قبل الصغير، لا أحد من المهتمّين بالمجال التربوي يطرح المعادلة المعكوسة، متى نضرب الآباء والأمهات؟! و باعتقادي أنّ هذا السؤال أهم بكثير من غيره ( متى نضرب الأطفال؟! )
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية كلاماً رائعاً في هذا المجال: «و يجب على كل مطاع أن يأمر من يطيعه بالصلاة، حتى الصغار الذين لم يبلغوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مروهم بالصلاة لسبع و اضربوهم عليها لعشر، و فرقوا بينهم في المضاجع» ومن كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد فلم يأمره بالصلاة فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويعزّر الكبير على ذلك تعزيراً بليغاً؛ لأنه عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم » (مجموع الفتاوى 22/50).
ثلاث سنوات كافية للبرمجة الإيجابية
- خامسًا: ثلاث سنوات تعني أنّ 5475 صلاة مرت على الطفل، و أنّ وقتاً طويلاً انتظم فيه الطفل، وهذا العدد من التكرار يعد كافيا لبرمجة الطفل على إقامة الصلاة اعتقاداً وممارسة و إدارةً للوقت (نظاماً و انتظاماً)
وأيُّ طفل خضع لهذا العدد الهائل من التكرار لا يمكنه أن يشذ على الصلاة أو يتركها، ولا يفعل ذلك إلا الحالات الشاذّة، و الشاذ علاجه الكيّ.
الصلاة أنموذج للتعامل مع باقي السلوكيات
- سادسًأ: الصلاة عمود الدين، وركن أساس في الإسلام، و تركها كفر عند جمهور العلماء و تركها (اعتقاداً) كفر بالإجماع؛ ولهذه المكانة العظيمة للصلاة خصّصها النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث: (مروا).
والسؤال المطروح هل يُضرب الطفل على عناده و هو ابن ثلاث سنوات؟ أم على كثرة حركته؟ أم على تخريبه أثاث البيت؟ أم على كذبه أحياناً؟ مهما اختلفنا حول الإجابة فإننا لا يمكن أن نختلف على دور الأب و الأم التربوي، وهو تعليم الطفل لفترة ثلاث سنوات قبل أن يحق لنا اللجوء إلى العقاب. علماً بأن الكثير من سلوكيات الطفل المزعجة هي علامات النمو السليم في حياته، وإنّما الجهل وقلّة الصبر يجعلانها مزعجة، و قياساً على الصلاة فإنه يفهم من الحديث ما يلي:
أ- ثلاث سنوات من التعليم: بمختلف الوسائل التشجيعية والتدريبية.
ب- لا يُضرب الطفل قبل عشر سنوات: ضرب الطفل قبل أن يصل إلى سن عشر سنوات فيه منافع يراها الآباء عاجلاً، لكنّ مفسدته على المدى الطويل أكبر بكثير.
الرسول صلى الله عليه وسلم ما ضرب قط
سابعًا: إن الاستدلال بحديث الضرب مطلوب بفهم الحديث فهماً شمولياً، والمطلوب كذلك الاستدلال واستحضار أنّه صلى الله عليه وسلم «ما ضرب امرأة له، ولا خادماً، ولا ضرب شيئاً بيده قط، إلا في سبيل الله، أو تنتهك حرمات الله فينتقم لله».
التأديب بالاحترام والتقدير والمحبة
- ثامنًا: يدّعي بعضهم أن الضرب يمنح المربين هيبة في نفوس الأبناء. و نحن نقول: ومن قال إننا نريد أبناءً يهابون المربّين آباء كانوا أم مدرسين؟ إننا – وكما بيّنا سابقاً – نريد الاحترام و التقدير القائميْن على المحبة و الثقة لا على الخوف والهيبة والعصا.
طبيعة الطفل أنّه يحترم و يقّدر من يحب لا من يخاف، والسلوك المطلوب أن نجعل الطفل يحبّنا ويخاف غضبنا بتوازن، ومن يغلّب جانب الغضب فإنّه يولّد عند الطفل دوافع سلوكية نابعة من خارج نفسه وذاته، بينما المطلوب تربوياً أن يكون الدافع نابعاً من داخل الإنسان (إخلاص – حلاوة ) و يُقوَّم هذا الدافع و يُزيّن بحوافز خارجية ( قبول – خوف).
لاتوجد تعليقات