رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 13 يونيو، 2017 0 تعليق

ثمار التوحيد وعواقب الشرك – من ثمرات التوحيد تحصيل الأمن والسعادة في الدنيا والآخرة

 


إن قلب المؤمن لا يصلح إلا بتعظيم الله عزوجل، لا يصلح ولا يثبت على الإيمان ولا يستقيم على ذلك إلا بتحقيق التوحيد لله عزوجل، فكلما قوي العبد في الإخلاص لله وفي توحيده لربه وفي تحقيقه الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله- كلما قوي في تحقيق ذلك- ثبت على الإيمان، وقوي على مغالبة الشيطان، وكان قيامه في عقد الإيمان قياماً قوياً صحيحاً.

     وقد أمر الله -عز وجل- عباده بتحقيق التوحيد له وبإخلاص الدين له؛ فقال: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (الزُّمر:11) وقال -عز وجل-: {أَلَا للهِ الدِّينُ الخَالِصُ} (الزُّمر:3)، وقال -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة:31) وقال -تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (البيِّنة:5) وهذا الأصل العظيم عليه قامت السموات والأرض، ومن أجله خلق الجن والإنس:{وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، وهذا الأمر العظيم من أجله بعثت الرسل، ومن أجله خلقت الجنة وخلقت النار، ومن أجله قام الجهاد ورفعت ألويته، ومن أجله حاق بالذين كفروا سوء ما عملوا، ومن أجله نصر الله المؤمنين، لهذا وجب على المؤمنين أن يسعوا سعياً جاداً في تحقيق الإخلاص لله، في تحقيق التوحيد لله -عز وجل- بأن تكون عبادتهم لله -عز وجل- وحده دونما سواه، فطاعة المصطفى[ تبع لطاعة الله -عزوجل-: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} (النساء:80).

تحقيق التوحيد

وإن العبد المؤمن إذا حقق التوحيد فإنه يحصل على فضل عظيم من الله في الدنيا وفي الآخرة؛ لهذا بين الله -عز وجل- لعباده المؤمنين فضل تحقيق التوحيد، وأنه أعظم ما يتقرب العبد به إلى ربه عزوجل، ومن فضل التوحيد ما يأتي:

الأمن والهداية

     أنك بقدر تحقيقك للتوحيد وإخلاصك لله وبعدك عن الشرك الظاهر والباطن بقدر ذلك يكون لك الأمن، وتكون لك الهداية، اسمع قول الحق -جل جلاله-: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام:82) لما نزلت هذه الآية شق ذلك على الصحابة وقالوا: يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه؟ فقال: «ليس الذي تذهبون إليه، الظلم الشرك ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح {لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان:13) (رواه الشيخان)، فهذه الآية فيها وعد من الله -عز وجل- بأن المحققين للتوحيد المبتعدين عن الشرك بأنواعه لهم الأمن في الدنيا والآخرة، ولهم الهداية في الدنيا والآخرة، وهذه من ثمرات التوحيد؛ لهذا ترى المؤمن الموحد أكثر الناس أمناً في الدنيا وأكثر الناس أمناً يوم القيامة، ألم تسمع قول الله -عز وجل- في المؤمنين: {لَا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}؟(الأنبياء:103) نعم المؤمن المسدَّد إذا خاف الناسُ في الدنيا فإنه لا يخاف؛ لأن في قلبه من الإخلاص لله والتوحيد ما يجعله في أمن وأمان، وكذلك إذا خاف الناسُ يوم القيامة من النار إذا بُرِّزت الجحيم فإنه لا يخاف، {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} (الأنبياء: 101 - 102) نعم أيها المؤمنون هذا الأمر العظيم يجب علينا أن نفقهه، وأن نسعى في تحقيقه، ألا وهو إخلاص الدين لله وهذا بعض فضله في هذه الآية، أن أهل التوحيد الخالص لهم الاهتداء، والهداية مراتب وأهلها فيها درجات؛ ولهذا كان أعظم الناس هداية الأنبياء والمرسلون؛ لأنهم حققوا الإخلاص والتوحيد لله عزوجل.

الموحد يغفر له ذنبه

     كذلك إذا حقق المرء الإخلاص في قوله وعمله وابتعد عن الشرك في أقواله وأعماله فإن له فضلا عظيماً وهو أنه تغفر له الذنوب التي هي فيما بينه وبين الله -عزوجل- جاء في الحديث الصحيح أن النبي[ قال: «قال الله عز وجل: عبدي إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا -يعني بملء الأرض خطايا- ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً أتيتك بقرابها مغفرة» (متفق عليه)، فالموحد يغفر له ذنبه، وبتحقيق (لا إله إلا الله) تكون لك يوم القيامة بطاقة إذا وضعت في كفة الحسنات طاشت سجلات السيئات، لثقل هذه الكلمة لكن لمن حققها، وعمل بمعناها، وتيقن بذلك وعمل بمقتضاها، وابتعد عن الشرك كله فإن نور لا إله إلا الله لا يعدله شيء، يحرق الشهوات، ويحرق الشبهات في الدنيا، وكذلك يحرق أثر الشهوات وأثر الشبهات في الآخرة حين توضع الموازين، وحين يلقى الناس حسابهم.

أهل الإخلاص يصرف عنهم السوء

     كذلك أهل الإخلاص في الدنيا يمن الله عليهم بصرف السوء والفحشاء عنهم، ألم تسمع إلى قول الله في حق يوسف -عليه السلام-: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ} (يوسف:24) (في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب: مخلِصين) يعني: الذين أخلصوا أعمالهم وأقوالهم وحققوا التوحيد لله فيصرف عنهم السوء والفحشاء، وكذلك من فضل التوحيد على أهله أن الناس إذا أصابتهم المصائب وحلت بهم العقوبات فإن أهل الإخلاص وأهل التوحيد هم أهل النجاة قال -عزوجل-:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلَى الهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ العَذَابِ الهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (فصِّلت:17- 18) فإذا أصاب الناس ما أصابهم فإن أهل التوحيد هم أهل النجاة.

لا يغفر للمشرك

     إذا علمنا بعض فضل التوحيد فلنعلم أن الله -عزوجل- لا يغفر لمن أشرك به {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء:48) {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (النساء:116) وإذا لم يرض الله -عزوجل- إلا التوحيد ولا يغفر الشرك فإن عقاب أهل الشرك عظيم، بل إن عقابهم الخزي في الدنيا وعذاب النار في الآخرة {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} (الحج:31) وقال -عز وجل-: {وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (المائدة:72).

الحاجة إلى تعلم التوحيد

     فإذا تبين لنا أن حق الله هو توحيده، وأن فضل التوحيد عظيم، وأن عقاب الشرك عظيم؛ فإننا بحاجة دائمة إلى تعلم التوحيد وإلى الخوف من الشرك؛ فإن التوحيد والإخلاص لا يدرك دون علم، وإذا كان الله -عزوجل- أمر نبيه بالعلم بالتوحيد فنحن مأمورون من باب أولى، اسمع قول الله -جل جلاله-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ} (محمد:19)؛ فالعلم بالتوحيد أمره عظيم؛ ولهذا لا يسوغ لنا أن يقول القائل منا فهمنا التوحيد وفهمنا أنواعه دون أن يكرر ذلك ودون أن يراجع ذلك بين الحين والآخر، ودون أن يطلع على كلام أهل العلم فيه؛ لأن هذا ليس من باب الترف العلمي بل هو باب حق الله -جل جلاله- فإذا تعلمناه وكررناه فإنما ذلك لأهميته، ولكونه حق الله -عزوجل- على العبيد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك