رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة – أحمد الفولي 13 أغسطس، 2018 0 تعليق

ثابت للفرقان: الحج نقلة هائلة من آفاق الدنيا الضيقة إلى آفاق الآخرة

انطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: «خذوا عني مناسككم»، كان لنا هذا الحوار مع فضيلة الشيخ رضا ثابت -عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية بمصر- للوقوف على حجة النبي صلى الله عليه وسلم، واستخراج بعض الدروس المهمة للأمة من هذه الشعيرة، وفي عدد من الرسائل الإيمانية القصيرة أكد ثابت على أن شعيرة الحج تؤكد لنا أن أمة الإسلام -رغم ما تمر به من أحداث- إلا أنها تمرض فقط، لكنها لن تموت، وعلى ضرورة التعاون والاعتصام بحبل الله -تعالى-، ونبذ الفرقة والخلاف.

- الحج ركن من أركان الإسلام وعبادة عظيمة، كيف تنظر إليها، ولاسيما مع الأحداث التي تمر بها الأمة الإسلامية؟

- الناظر إلى عبادة الحج الآن مع واقع الأمة الذي تمر به، يجد بين طياته عدداً من الرسائل:

لأعداء الإسلام

     الرسالة الأولى لأعداء هذا الدين، وهي أن أمة الإسلام تمرض، لكنها لن تموت؛ فرغم ما بها من تفرق وتشرذم، إلا أنك عندما ترى تلك الأعداد الكبيرة؛ وذلك الحرص العظيم على أداء تلك الشعيرة، رغم ما فيها من بذل لمال وجهد وفراق أهل وغيره، يزداد يقينك بأن أمة الإسلام لن تموت -بإذن الله- حتى تقوم الساعة، وتأتي الريح التي تكون في آخر الزمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»؛ فكم تتحسر قلوب الكفار وأعداء الإسلام عندما يرون ذلك المشهد المهيب، رغم ما ينفقونه لإفساد الأمة {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون} (يوسف: 21).

للدعاة والمصلحين

     أما الرسالة الثانية؛ فهي للدعاة والمصلحين، وهي أن الخير باق في تلك الأمة إلى يوم القيامة فلا تيأسوا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أنس ابن مالك، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره» صححه الألباني. فنفسية الداعية إلى الله، لا ينبغي أن يعرف اليأس لها طريقا، إن سدت طريق بحث عن أخرى، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وجد في مكة ما وجد؛ فكان البحث عن مكان آخر؛ فكانت رحلة الطائف، إلى أن أتى الفرج في المدينة، بل أثر الدعوة إلى الله -عز وجل- واضح ظاهر؛ فهذه الحشود من الشباب بحمد الله -تعالى- التي تؤدي الحج، بعد أن كان لا يذهب إليه غالبا إلا من شاب شعره وانحنى ظهره؛ لخير دليل على أثر الدعوة إلى الله بحمد الله -تعالى.

لعموم الأمة

أما الرسالة الثالثة؛ فهي لعموم الأمة، وهي تأكيد على معنى الوحدة والأخوة وإن تباعدت الديار، أو اختلفت اللغات والألوان، وفرصة للتقارب، وإزالة الفوارق واستشعار القرب النفسي حقيقة بين المسلمين، أينما كانت ديارهم.

تفاؤل واستبشار

     وأما الرسالة الأخيرة، التي أراها في الحج؛ فهي الاستبشار؛ فإقامة شعيرة من شعائر الله، ومبنى من مباني الإسلام، سبب لنزول الرحمات والخيرات والبركات، كما أننا -بإذن الله- لن نعدم من هؤلاء من يدعون الله لأمتهم، أن يغير حالها، وينصرها على أعدائها. 

- ما أعظم الدروس التي من الممكن أن نذكر بها قراءنا الكرام، من شعيرة الحج لبيت الله الحرام؟

- في الحقيقة الدروس المستفادة من الحج كثيرة جدًا، لعل من أعظمها ما يلي:

التوحيد

     ففي الحج إعلان واضح لتوحيد رب العالمين بداية من التلبية، التي نرى فيها إعلان التوحيد «لَبَّيْكَ اللهُمَّ، لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ»؛  فقوله: «لبيك لا شريك لك» توحيد له في طاعته، وعبادته، وكذلك كون الحمد له؛ فهذا توحيد له بالعبادة، ويلزم من ذلك كمال أسمائه وصفاته التي يستحق أن يحمد عليها وكون النعمة له والملك؛ فهذا توحيد له في ربوبيته وملكه -سبحانه.

الانقياد والتسليم

     ومنها كذلك الانقياد والتسليم، وهذا من أوضح ما يكون في الحج، من أول الميقات المكاني إذا مر به لابد أن يحرم لا يسأل لماذا لا أؤخر؟ يطوف سبعا، يسعى سبعا، في موضع يبقى حتى تغرب الشمس، وفي آخر يبيت حتى يسفر النهار جدا، في اليوم الأول يرمي في وقت معين، في الباقي في وقت آخر، وهو في كل ذلك منقاد للأمر، مستسلم له، فرح سعيد، منشرح الصدر بما يصنع. 

الاتباع وتعظيم النص

     ومن الدروس العظيمة في الحج الاتباع وتعظيم النص، وقد أرسى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقال كما في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عَنْهُمَا-، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ لَعَلِّي لَا أَرَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا» رواه مسلم، وما أحسن ما قال الإمام مالك لما أتاه رجل؛ فقال: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة؛ من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر، قال: لا تفعل؛ فإني أخشى عليك الفتنة؛ فقال: وأي فتنة في هذه؟ إنما هي أميال أزيدها! قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم! إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (النور: 63).

الأخوة الإيمانية

     ومن أوضح الدروس كذلك الأخوة الإيمانية، فها أنت ذا تراهم قد وقفوا موقفا واحدا، واستقبلوا قبلة واحدة، دينهم واحد، رسولهم واحد،  كتابهم واحد، مناسكهم واحدة، على اختلاف لغاتهم وألوانهم وبلدانهم؛ فهلا تذكرنا ذلك دائما؟! ومنها كذلك إحكام الشريعة وإتقانها؛ فإذا تأملت وجدت الانسجام التام بين الحال والمقال لدى الحاج؛ فهو يؤمر أن يتجرد إلا من شيء يسير يستر عورته؛ فهو بلسان حاله ظاهر الفقر مقر به، ثم يؤكد ذلك بلسانه، وأن النعمة التي هو فيها من ملبس وغيره من الله وحده فيقول: «إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».

دين الأنبياء واحد

ومن أعظمها أن دين الأنبياء واحد، أعلن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قائلا: «قفوا على مشاعركم؛ فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم -عليه السلام».

المكان الصحيح للجاهلية

ومنها أن المكان الصحيح للجاهلية هو تحت الأقدام، قال صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم عرفة: «أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ».

نقلة هائلة

     وفي الحج كذلك نقلة هائلة من هذه الآفاق الضيقة، إلى آفاق أرحب وأوسع؛ فعندما ترى الحجيج بملابسهم تلك التي تذكرك بكفنك، ينتقل ذهنك إلى ذلك المستقبل الذي أنت قادم عليه، وهذه الأعداد الهائلة تذكرك بيوم المحشر وأهواله، حقا إن الحج مدرسة وأي مدرسة.

- الاجتماع، والاعتصام، ونبذ الفرقة، والخلاف من دروس الحج العظيمة، كيف ترى حاجة الأمة لهذه المعاني؟

- الأمة الآن في أمس الحاجة إلى الاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف، بعد هذا التكالب السافر عليها من كل أعدائها، وبعد أن قُسِّم المقسّم من بلادها، وهذا القتل والتشريد الذي يعانيه الكثير منها، آن لها أن تجتمع وأن تعتصم بالوحي؛ فإنه سبب الرفعة والعزة، لابد من الالتفاف حول أهل العلم؛ فإنهم الهداة في المدلهمات؛ ولنحذر الفرقة والنزاع؛ فإن الأمر كما قال الله -تعالى-: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين} (الأنفال: 46)، وكما قال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ» 

- من أعظم أركان الحج «الوقوف بعرفة».. حدثنا عن فضله وحكمه؟

- فضل الوقوف بعرفة عظيم جدا، يكفي أن الله يباهي بهم ملائكته؛ حيث إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ؛ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ «وأما حكمه فهو ركن من أركان الحج إجماعا قال صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة».

- الحج يذكرنا بالخليل إبراهيم -عليه السلام-؛ فحدثنا عن الخليل إبراهيم وأبرز ما نستفيده منه.

- لاريب أن الحج يذكرنا بإمام الحنفاء إبراهيم -عليه السلام-؛ فبمجرد أن تطأ قدمك البلد الحرام تتذكر دعوة الخليل -عليه السلام-: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون}(إبراهيم: 37)، كيف كانت تلك الدعوة سببا في تغير وجه الأرض في تلك البقعة، وصارت مكة حقا « المدينة التي لا تنام»؛ ففي كل لحظة تأتي أفواج قاصدة بيت الله الحرام، وهناك أضعافهم حبسهم العذر، -سبحان- الله رغم خلوها من الزخارف والأسباب الدنيوية، التي من أجلها يذهب الناس لزيارة ما يريدون من الأمكنة، كيف الحديث عن رجل مدحه خالقه؛ فقال عنه: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (النجم: 37)، أي: قام بجميع ما ابتلاه الله به، وأمره به من الشرائع وأصول الدين وفروعه، وهل هناك توفية بعد أن يستجيب للأمر بذبح ولده، وقال عنه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} (الأنبياء: 51)؛ فنتعلم من إبراهيم -عليه السلام- الاستجابة التامة لأمر الله -سبحانه-، بل الاستجابة السريعة {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (البقرة: 131)، ونتعلم منه أهمية الدعاء وخطورته وكيف يمكن أن يكون سببا لتغير وجه الأرض.

المثابرة في الدعوة

     ونتعلم منه المثابرة في الدعوة إلى التوحيد والرفق واللين في الدعوة إلى الله، والاجتهاد في استخدام الوسائل الممكنة في الدعوة إلى الله، كما في قصة تحطيم الأصنام وترك الكبير، وتمام التوكل على الله، ولاسيما عندما تفقد الأسباب المحسوسة، كحال إلقائه في النار، كما قال ابن عباس: «حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم -عليه السلام- حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم » حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173).

حسن الظن بالله -تعالى

     ونتعلم منه حسن الظن بالله، وأنه لا يضيع من يطيعه عندما يترك زوجته وطفله الرضيع في مكان عار عن أسباب الحياة، ولكنه إحسان الظن والثقة واللجوء والتضرع {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}(إبراهيم: 37).

- الأضحية لمن لم يوفق للحج ما فضلها؛ وشروطها؟

- الأضحية سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عن الهدي والأضحية: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}(الحج: 37)، وإن كانت الأحاديث في إثبات فضل خاص لها في ثبوتها نظر، لكن ثبتت سنيتها من فعله صلى الله عليه وسلم .

     أما شروطها، فلابد أن تكون من بهيمة الأنعام، وأن تبلغ السن المجزيء شرعا، وأن يجتنب العيوب الواردة في الحديث، وما في معناها لحديث البراء بن عازب مرفوعاً: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البينً عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسيرة. وفي لفظ - والعجفاء التي لا تنقي»، وتجزيء الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة والبقرة عن سبعة

- ما نصائحك للحجيج ؟

- أقول لهم: احرصوا على تعلم فقه الحج ولو من كتاب مختصر؛ فما زال في الوقت متسع -بإذن الله تبارك وتعالى-؛ فكم يحزن المرء عندما يجد أسئلة عن مخالفات شديدة سببها عدم العلم.

     أقول لهم: حجوا حج مودع، لا تستهينوا بالمخالفات، أو يجرئكم الشيطان بدعوى أنكم ستدفعون ثمن الدم المترتب على المخالفة، وينسيكم أن هذا نقصان، وفعله مع العلم وعدم العذر معصية وذنب، كونوا مع الناس بأبدانكم، وليكن لقلوبكم شأن آخر، لتكن دائما متعلقة بالله -سبحانه- مجتمعة عليه مفكرة في لقائه، متدبرة أسماءه وصفاته.

     وفي النهاية أقول لهم: اصبروا ولا ييئسنكم الشيطان؛ فكثير من الحجيج عندما يذهب للحج، كان ينتظر أن يجد بمجرد شروعه في النسك مشاعر الخشوع واللين في القلوب؛ فإذا به لم يجده؛ فيقنطه الشيطان عندئذ، ويوهمه بأنه لا أمل فيه؛ فأقول له اصبر وواصل، وسيفتح لك -بإذن الله- ولو بعد حين. 

- ما نصيحتك لمن لم يرزقه الله بالحج هذا العام؟

- أنصحهم بأن يخلصوا النية في إرادة حج البيت الحرام؛ فالمرء يدرك بنيته ما لا يدركه بعمله «وإنما لكل امريء ما نوى»، ولم يقل «ما عمل»، ودلت الأدلة على أن المتخلف لعذر شريك في الأجر،  كما ثبت في صحيح البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم واديا، إلا وهم معكم فيه قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: نعم حبسهم العذر»

وما أجمل قول الشاعر:

يا سائرين إلى البيت العتيق لقد

                               سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا

إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا

                                ومن أقام على عذر كمن راحا

     كما أقول لهم: انتهزوا أيام العشر، كما قال صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ؛ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»، واغتنموا صوم عرفة؛ فإنه يكفر سنتين، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نسأل الله أن يكتب لنا ثواب الحج إلى بيته، وأن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك