رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد الجسار 27 يونيو، 2021 0 تعليق

{تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}

 

لقد بَيَّنَ اللهُ -تعالى- لنا حدودَ شرعه، وأرسل إلينا رسولَه - صلى الله عليه وسلم - ليبين لنا أوامرَ اللهِ ونواهِيَه، وقال فيما حده من الأوامر: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (البقرة 229)، وقال فيما حده من النواهي: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (البقرة 187)، لأن من اقترب من المحرمات فإنه يوشِكُ أن يقع فيها، كما قال في شأن هذه الكبيرة: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (الإِسراء 32)، فنهى عن كلِّ ما يؤدي إلى الوقوع في هذه الكبائر، ونهانا عن الوقوع في الشبهات، احترازا من الوقوع في المحرمات.

     قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِـهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ» (متفق عليه).

     وقد بين الله -تعالى- حدودَه في كتابه الحكيم، كما بينها رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وحذرنا من الوقوع في المحرمات أو الاقتراب منها، وذلك رحمة بنا لكي نتقي عذابه، قال -تعالى-: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (البقرة 187)، وقَالَ العزيزُ الحكيم -سبحانه-: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المجادلة 3 -4)، وقَالَ -تعالى-: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (الطلاق 1)، وقال -تعالى-: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (البقرة 230)، وقال -تعالى-: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (البقرة 229)، فوصف من تعداها بِأَنَّهُمْ ظَّالِمُونَ، لِأَنَّهُمْ تَجَاوَزُوا مَا حَرَّمَ اللهُ وَنَهَى عَنْهُ -سبحانه.

     وقَالَ -تعالى- محذرا من التعدي الأكبرِ لحدود الله: {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء 14). فَالْتَزِمُوا -عِبَادَ اللهِ- حُدُودَ اللهِ، فإذا جاءكم الأمرُ الإلهي فأتوا منه ما استطعتم، وإذا سمعتم النهي فانتهوا، فإن اللهَ هو الخالقُ الذي له التدبير، الأعلمُ بما يصلح شؤونَ خلقه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك 14).

     ومهما كثرت الذنوب وتراكمت العيوب، فإن الله يغفر الذنوب، جميعَها، صغيرَها وكبيرَها، فالمغفرة والرحمة وصفان لازمان، ذاتيان للرحمن جل جلاله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (الزمر 53-55).

     إن اللهَ -تعالى- قد خَلَقَ الْإِنْسَانَ بعدَ أنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَصَوَّرَهُ بقدرته تَصْوِيرا، فَجَعَلَهُ عاقلا سَمِيعًا بَصِيرًا. أَرْسَلَ إِلَيْهِ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كُتُبَهُ، وَهَدَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا. لَمْ يَخْلُقْنَا عَبَثًا، وَلَمْ يَتْـرُكْنَا سُدًى وَهَمَلًا؛ -تعالى- اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا، قَالَ -تعالى-: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتعالى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (المؤمنون 115 - 116)، بَلْ خَلَقَنَا سُبْحَانَهُ لعبادته، وتَوْحِيدِه وَطَاعَتِه، وَإِخْلَاصِ الْعُبُودِيَّةِ لَهُ وحدَه، وَالْتِزَامِ حُدُودِهِ، وَإِقَامَةِ شَرْعِهِ، قَالَ -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات 56).

     فاحفظوا -عبادَ اللهِ- حدودَ الله، حَسْبَما أمركم الله، وبينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنكم موعودون على ذلك ببشارة عظيمة من الله، القائلِ جل في علاه: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (التوبة 112).

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك