رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 29 يناير، 2022 0 تعليق

تولى القضاء قرابة نصف قرن وكان من أقدم أعضاء هيئة كبار العلماء بالمملكة – العالم الإسلامي يودع فضيلةالشيخ صالح اللحيدان

 

 

في صبيحة يوم الأربعاء الثاني من شهر جمادى الثاني 1443 هـ من الهجرة الموافق الخامس من يناير2022 م، استيقظ الناس لصلاة الفجر على فاجعة موت علم من أعلام أهل العلم والسنة، وهو الشيخ صالح بن محمد اللحيدان -رحمه الله- عن عمر ناهز 90 عامًا، بعد معاناة مع المرض، وقد غيّم الحزن على الناس وفي وسائل التواصل على فقده وموته، وتوافد الناس للصلاة عليه، وامتلأ المسجد بالناس وخارج المسجد ما يقرب من عشرين ألف مصلٍّ، تقدمهم مفتي المملكة العربية السعودية والعلماء وطلاب العلم.

اسمه ونسبه

هو الشيخ العلامة صالح بن محمد اللحيدان، وينتهي نسبه إلى قبيلة سبيع، وأسرة اللحيدان من الأسر الشهيرة التي ينتمي إليها علماء وقضاة ورجال فقه، فمنهم: خالد بن عبد الله اللحيدان، وصالح بن سعد اللحيدان، وسليمان بن عبد الله اللحيدان، ومحمد بن عبد الله اللحيدان، وعبد الرحمن بن عبد الله اللحيدان.

مولده

ولد الشيخ -رحمه الله تعالى- بمدينة البكيرية بمنطقة القصيم عام 1350 من الهجرة.

نشأته وتعلمه

     تلقى - رحمه الله - العلم عن طريق التعليم النظامي، فدرس المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وبعد الثانوية التحق بكلية الشريعة بالرياض؛ وتخرّج فيها عام 1379 هـ، ولم يتوقف -رحمه الله- -عن طلب العلم ومواصلته، فالتحق بالمعهد العالي للقضاء، وتخرّج فيه عام 88/ 1389 هـ، وكان موضوع بحثه (الإقرار في الشريعة الإسلامية )، وقد تلقى العلم على مشايخ فضلاء منهم: الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد العزيز ابن باز، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمهم الله تعالى.

أعماله وجهوده

     برز الشيخ -رحمه الله- في مجالات عدة، كالتدريس والوعظ والخطابة ومناقشة الرسائل العلمية والتوجيه، لكن أبرزها على الإطلاق: القضاء الذي صار علمًا عليه، واشتغل به قريبًا من نصف قرن، وكذلك الإفتاء؛ حيث عمل بعد تخرجه من الكلية سكرتيراً لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- في الإفتاء، إلى أن عُيّن عام 1383 هـ مساعداً لرئيس المحكمة الكبرى بالرياض، ثم صار رئيساً للمحكمة عام 1348هـ، واستمرّ رئيساً للمحكمة الكبرى إلى أن عُيّن عام 1390 هـ قاضيَ تمييز وعضواً بالهيئة القضائية العليا، وفي عام 1403هـ عيّن رئيساً للهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، واستمرّ في ذلك نائباً لرئيس المجلس في غيابه، إلى أن عُيّن عام 1413 هـ رئيساً للمجلس بهيئته العامة والدائمة، وقد ظل -رحمه الله- أكثر من خمسين عاما مشتغلا بالقضاء وفصل الخصومات بحكم الشريعة الإسلامية، حتى ارتبط اسمه بالقضاء، وصار علمًا عليه، والشيخ -رحمه الله- أيضا، كان عضوًا في هيئة كبار العلماء منذ تأسيسها عام 1391هـ، وهو - باستثناء الشيخ سليمان بن منيع حفظه الله - آخر العلماء المشاركين في تأسيس الهيئة، كما كان الشيخ -رحمه الله- عضوًا في رابطة العالم الإسلامي، وشارك في تأسيس مجلة راية الإسلام، التي كان يديرها ويرأس تحريرها.

صفات الشيخ  رحمه الله

     وقد اشتهر الشيخ -رحمه الله- بالفصاحة في الخطاب، والحصافة في الجواب، والسلاسة عند الإجابة، وبرامجه المتلفزة والإذاعية كثيرة جدًا، من أشهرها البرنامج الإذاعي الشهير (نور على الدرب)، وعرفه المسلمون وحجاج بيت الله الحرام بمكانه المعروف قريبا من بئر زمزم في الحرم القديم؛ حيث حلقته الكبيرة يدرس فيها ويفتي ويوجه، وتميز -رحمه الله- ببعد النظر وعلوّ الهمة وقوّة الشخصيّة وصدق اللهجة. وعرف بالقوة، وأنه ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان نصوحاً لولاة الأمر على طريقة السلف الصالح -رضي الله عنهم.

ثناء العلماء عليه

     قال عنه الشيخ عبد الرحمن بن قاسم: «عالم جليل وداعية إلى الله، ذو هيبة وقدر، وإمام وخطيب، وقد تخرّج في كلية الشريعة بالرياض عام 1379هـ، وعمل سكرتيرا لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، -رحمه الله- في الإفتاء بعد تخرجه، إلى أن عين عام 1383ه مساعدا لرئيس المحكمة الكبرى بالرياض، ثم صار رئيسا للمحكمة عام 1384هـ، وقد حصل على رسالة الماجستير من المعهد العالي للقضاء، عام 1389هـ، واستمر رئيسا للمحكمة الكبرى إلى أن عين عام 1390هـ قاضي تمييز، وعضوا بالهيئة القضائية العليا، وفي عام 1403هـ، عين رئيسا للهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، واستمر في ذلك نائبا لرئيس المجلس في غيابه إلى أن عين عام 1413هـ رئيسا للمجلس بهيئته العامة والدائمة، وهو أيضا عضو في هيئة كبار العلماء منذ إنشائها عام 1391هـ، وعضو في رابطة العالم الإسلامي، وكان له نشاط في تأسيس مجلة راية الإسلام، ومديرها ورئيس تحريرها، وله دروس في المسجد الحرام وتذاع، وفتاوى في برنامج نور على الدرب، وله محاضرات وندوات ومشاركة في مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه، وغير ذلك مما فيه صلاح وإصلاح، فجزاه الله أحسن الجزاء».

قبل ترجل الشيخ

     كتب عنه القاضي ووكيل وزارة العدل للشؤون القضائية سابقًا محمد سليمان الفعيم فقال: الشيخ صالح -رحمه الله- رجل من التقاة الصالحين، نحسبه والله حسيبه، لم يؤذن المؤذن يومًا إلا وهو في موضع صلاته في المسجد، وبعض القضاة يقول: لا نعلم التبكير للصلاة وانتظارها إلا عند مراجعتنا للشيخ صالح وقت رئاسته للمجلس، كونهم يسارعونه الخطى لعرض حاجاتهم وطلباتهم في الطريق للمسجد الذي لم يكن قريباً في المسافة، ولم يتخذ مصلى في موضع عمله -كما قد يفعله بعض الناس- ولم يصل مستترًا ببعض الأفراد كما يظنه بعضهم من لوازم المهنة.

من العلماء الراسخين الصالحين

     حدثني أحد مشايخنا الكبار في هيئة كبار العلماء قائلاً: افتقدنا الشيخ صالح في الجلسة الأخيرة، حتى كأن الهيئة لم تنعقد، ولأول مرة منذ بدأنا المشاركة في الهيئة لسنين طويلة نفتقد سماحته، وقد كان ملء السمع والبصر في الهيئة، وقد كان سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- لا يقدم رأي أحدٍ على رأي الشيخ صالح، ولا غرو في ذلك، فقد امتزجت لدى الشيخ الملكة العلمية مع التطبيق القضائي الذي فاق فيه كثير من علماء التأصيل النظري المجرّد، وقد أدرك سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ذلك الفقد، فصرّح للجميع بما سبق أن كنّته الضمائر من حب للشيخ صالح وكونه من العلماء الراسخين الصالحين الذي له عند المسلمين قدم صدق.

سياجٍ من الهيبة والحفظ

ولقد أُحيط القضاء في عهد سماحته بسياجٍ من الهيبة والحفظ قلَّ له نظيرُ فيما بعده، فلم يكن سماحته يقبل مخاصمة الجهات الإدارية أو الشخصيات النافذة للقاضي، بل كان يصرّح بحفظ جناب القضاة واحترام هيبتهم في مكاتباته الخاصة والعامة وشواهد ذلك كثيرة جداً مما سمعه وتسامعه الخاصة والعامة في ذلك.

مواقف إنسانية

     حدثني أحد القضاة أنه دخل على سماحته طالباً تمديد إجازة ليتعافى من حادث مروري وقع له؛ فسأل الشيخ عن أحوال القاضي فأجابه بما يُستر به الحال، فأكثر الشيخ من التدقيق في السؤال ليصل إلى نتيجة بأن القاضي في حاجة شديدة لسيارة تُقِلّه بعدما تلفت سيارته بالكامل في حادث مروّع أُدين فيه الطرف الثاني بنسبة مائة بالمائة، ليتفاجأ القاضي بأنه لم يكن سؤال الشيخ ليطمئنّ إلى إجازة سيوافق له عليها، بل فاجأه بقيامه بالاتصال أمامه بوكالة للسيارات وعمّدهم بصرف سيارة له لا تقل قيمتها عن مائة وأربعين ألف ريال؛ فما كان من القاضي إلا أن اغرورقت عيناه بالدموع ليس فرحًا بالسيارة وإنما حمدًا لله أن رُزِقَ الجهاز القضائي بقامةٍ عظيمة بحجم سماحة الشيخ الذي كان يسوس الناس تارة بالحزم وتارة باللين.

ثناء الملك فهد عليه

     حدثني أحد المشايخ الفضلاء -نقلاً عن قريبٍ له من كبار الوزراء من أصحاب الحظوة المقربة للملك فهد رحمه الله - أنه عُرض على الملك فهد عرضاً يقضي بإعادة المعاملة لمجلس القضاء لمحاولة صلح في قضية دم تضيفت للتنفيذ بإصدار الأمر السامي فرفض الملك وتضايق وقال: «ما يصل إلينا من الشيخ صالح فلا نراجعه فيه وهو أدرى بما يمكن فيه المراجعة»، يقول الوزير: وسمعت حينها ثناءً عاطراً من الملك على الشيخ صالح جعلني أتمنى في داخلة نفسي أن يكون لي من الحظوة والقبول عند الملك كما للشيخ صالح.

ذهاب العلماء مصيبة تصيب الأرض وأهلها

     وعنه كتب القاضي بمحكمة الاستئناف بمكة المكرمة فهد بن يحيى العماري: إن بقاء العلماء نعمةٌ من الله ورحمة، وذهابهم مصيبة تصيب الأرض وأهلها، ونقمة وثُلمة في الدِّين لا يسد شيء مسدها، بل إن مِن أعظم الرزايا التي تُرْزَأ بها الأمة الإسلامية ذهاب أهل العلم الربانيين، فبموت العلماء والدعاة وفقدهم تكمن المصيبة، وتعظم الرزية، وتخرب الدنيا، حين لا يجد الناس علماء ربانيين عاملين، فيبرز حينئذٍ أهل الجهالة والضلالة، ومَن يدعي العلم وليس من أهله، فحقّ للأرض أن تتصدع، وللسماء أن تحزن، وللأمة أن تبكي على موت العالم، قال الحسن -رحمه الله-: «كانوا يقولون: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار»، وقيل لسعيد بن جبير -رحمه الله-: ما علامة هلاك الناس؟ قال: «إذا هلك علماؤهم»، وقال الإمام أحمد-رحمه الله-: «يدعون مَن ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم مِن قتيل لإبليس قد أحيوه! وكم مِن ضال تائه قد هدوه!».

إشارات من عبق سيرته ومسيرة عطائه

- خرج -رحمه الله- من القصيم في صغر سنه ليعمل في شركة أرامكو هو وصديق له فلما وصلا إلى منطقة الشرقية رجع ولم يتقدم للعمل في الشركة، أراد الله له أن يكون عالماً في الشريعة والقضاء.

- اتسم -رحمه الله- بالذكاء والفطنة والنباهة والحزم منذ صغره، فانتهز ذلك شيخه ابن إبراهيم -داهية القضاة والعلماء في وقته- فقربه منه وأدناه وجعله مديراً لمكتبه.

- رشحّه شيخه ليكون رئيسًا لمحكمة الرياض الكبرى، وتدرج في العمل القضائي حتى صار رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى.

- اكتسب من شيخه الحزم والدهاء والشجاعة والجد والمثابرة، فكان رجلاً مهيبًا حازمًا شجاعًا داهيةً، ومثالاً وقدوة في ذلك.

- اتسم بالجد والاجتهاد والتبكير في عمله وأتعب من معه ومن وراءه، ولم يأخذ إجازة طيلة فترة عمله، بل كان إذا مرض تأتيه المعاملات ويراجعها في المستشفى، وتأتيه المعاملات إذا جاء إلى مكة في رمضان ويدرسها ويوجه عليها، وسئل الشيخ مرة لماذا لا تعدد في الزواج؟ فقال: «إني متزوج القضاء والعلم».

- كان يرى في عمله القضائي العبادة والتقرب إلى الله والاحتساب في تحكيم الشريعة ونصرة المظلوم وردع الظالم.

-  كان محبا للقضاة مجلا لهم، ينزلهم منزلة أولاده في الحفظ والتوجيه والرعاية والزجر والعطف والإصلاح للمخطئ، ولا يجعل لأحد سلطاناً عليهم غيره في معاقبة المخطئ منهم، حماية للقضاء والقضاة.

-  كان -رحمه الله- يرى من الواجب صيانة القضاء والقضاة من التدخلات غير النظامية، ويحمي جناب القضاء والقضاة من التكلم فيه وفيهم في المجالس والمنابر والصحف وحتى من قبل الخصوم.

-  كان مكتبه مفتوحًا لكل أحد من الأمراء والوزراء والأغنياء والفقراء والقضاة وأصحاب الحاجات والخصوم وأصحاب المظالم، فيعطي كل شخص وقته ويستمع منه ويوجهه بما يراه مناسبًا، وكان مسجده كذلك يشفع لذوي الحاجات في سداد الديون والعلاج بالمستشفيات والتوظيف والدراسة.

-  كان يستقبل على هاتفه كل متصل، ولا يكاد يرن هاتفه الرنة الثالثة إلا ويرفع الهاتف.

- كان -رحمه الله- وقافًا عند الحق في العلم والقضاء، ولا يرى أنه أعلم ورأيه هو الأصوب إذا خالفه القضاة في حكم من الأحكام متى استبان له الحق، ويعزز الثقة والشجاعة في نفوس القضاة في أحكامهم واجتهاداتهم الصائبة، ولا ينتقم لنفسه، وهو صاحب سلطة -حاشاه رحمه الله.

(12) كان محبا للحرم ونفع الناس، فكان يأتي في موسم رمضان والصيف، وعرف بدرسه ونبرة صوته وفصاحته، وسهولة تعليمه وإجاباته المختصرة المفيدة.

- كان محبا للعلم وأهله، مجلا لهم، ويحب النقاش العلمي، وكان يحب الشعر والتاريخ، وأخبار العرب، إذا تكلم في ذلك كأنه متخصص في التاريخ والأنساب.

- كان -رحمه الله- يحب أن يسمع أخبار المسلمين، وأحوال الناس في العالم الإسلامي، ويتألم لمصابهم، وكثيراً ما يدعو بصلاح أحوال المسلمين ونصرتهم.

- كان معرضًا عن توافه الأمور وضياع الأوقات والقيل والقال والتجريح في الناس والطعن في الظهور، حافظاً للسانه ووقته.

- كان -رحمه الله- كريمًا سخيًا معطاء، وكان في يوم عيد الفطر يفتح بيته من بعد صلاة العيد حتى قبيل أذان الظهر يستقبل الناس ويسمع منهم من أسرته وغيرهم، ويعمل مائدة إفطار كبيرة، عليه سوابغ الرحمة والغفران.

- كان نزيهًا في القضاء، ولا يستجيب للدعوات الخاصة، ولكن كان يلبي الدعوات العامة كالزواجات ونحوها، وكان يقول لي: «إذا عرف الناس طريقة القاضي ارتاح وارتاحوا» أي في التعامل وعدم المجاملة.

- كان -رحمه الله- يغار على دين الله ويتمعر إذا سمع عما يخل بالدين، ويقوم بواجب النصيحة، وكان الملك فهد -رحمه الله- قد أرسله لتقديم واجب النصيحة للرئيس معمر القذافي بخصوص الكتاب الأخضر.

- كان مؤازرًا لإخوانه العلماء والقضاة ويعتضدون به لجزالة رأيه وحكمته وحنكته وشجاعته، فقد جمع بين العلم والقضاء ومعرفة الواقع، عليه سوابغ الرحمة والغفران.

 

 

العيسى: في حياة العلماء  وموتهم دروس وعبر

قال رئيس جمعية إحياء التراث الإسلامي م. طارق العيسى: إنَّ موت العالم ثلمة في جدار الإسلام؛ فالعلماء هم حراس الشريعة، وحماة ثغورها، ولذلك كان موتهم مصيبة كبيرة لدى أهل العلم والإيمان، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا في وفاة سماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان -رحمه لله.

وأضاف العيسى، إنَّ في حياة العلماء وموتهم دروسا وعبر للعامة ولطلاب العلم خاصة، وما من أمَّة إلا وهي تفخر بعلمائها وعظمائها، فبهم تعتز وتسمو، وإليهم تطمئن وتهفو، ولن تفلح الأمة وتسعد وتثبت وتطمئن وتستقر وتأمن دونهم، فالعلماء هم مرجع الأمة في الأزمات وسندها في الملمات.

وأكد العيسى على أنَّ موت العلماء يفرض علينا الاستفادة من أهل العلم حال حياتهم، مع ملازمة الصبر والمثابرة والاحتساب، والسير على منوالهم، والتشبه بحالهم، والعظة والاستشعار بالمسؤولية بموتهم، وعلى طلاب العلم أن يأخذوا الراية بعد العلماء بالعلم والحكمة قبل أن يتخذها رؤساء الجهل والضلال، فيبدلوا دين الله ويضلوا الناس.

     وأضاف، إن علينا أن نربي أجيالنا على العلم واحترام العلماء، ونقصّ عليهم من قصصهم وتاريخهم ما يكسبهم حب العلم وأهله والتأثر بهم، ونجعلهم في أعينهم نماذج وقدوات نيرة مشرقة مضيئة، تسترشد بتلك المنارات في طريقها في هذه الحياة وحين الأزمات والشهوات والشبهات، قال الله -تعالى-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، وقوارب النجاة، ولأنهم يحييون الدين والإيمان في القلوب.

 

 

 

الفوزان: قلبي ينفطر على اللحيدان

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وآله وصحبه ومن والاه وبعد: فإن العلماء العاملين لهم مكانة عند الله وعند المؤمنين، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}، وقال -تعالى-: {يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العلماء ورثة الأنبياء»، وهم حملة الشريعة، وإجماعهم حجة واختلافهم في الاجتهاد هم فيه معذورون ومأجورون، وحقهم علينا التوقير والاحترام، والشيخ صالح بن محمد اللحيدان -رحمه الله- من أكبر علماء هذه البلاد، فهو عضو من أعضاء هيئة كبار العلماء منذ أنشئت هذه الهيئة في عهد الملك فيصل -رحمه الله-، وهو تلميذ المشائخ الأجلاء وخريج كلية الشريعة، وخريج المعهد العالي للقضاء، ولاه الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- بعد تخرجه عضوية الإفتاء؛ فكان ملازمًا له في حياته، ثم ولاه رئاسة المحكمة الشرعية بالرياض، ثم بعد ذلك صار عضواً في الهيئة القضائية العليا، ثم صار عضواً في المجلس الأعلى للقضاء، ثم عينه الملك فهد -رحمه الله- رئاسة هذا المجلس، واستمر في ذلك إلى أن تقاعد رسمياً، وكان محمود السيرة حازماً في أعماله، مسدداً في آرائه وأحكامه، ومع أعماله الرسمية الجليلة كان مشاركاً في برنامج نور على الدرب منذ أنشئ إلى جانب مشاركاته في الدعوة إلى الله بإلقاء المحاضرات وإلقاء الدروس في المسجد الحرام وفي غيره من المساجد مع الإجابة عن أسئلة المستفتين في كل مكان يوجد فيه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

صالح بن فوزان الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء).

 

 

مؤلفات الشيخ

للشيخ بعض المؤلفات مثل: شرح القواعد الأربع، وفضل دعوة محمد بن عبد الوهاب، وإيضاح الدلالة في وجوب الحذر من أصحاب الضلالة، وشرح حديث معاذ (حق الله على العباد)، كذلك كان للشيخ -رحمه الله- جهود دعوية عبر وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد، موجهًا وواعظًا ومفتيًا ومصلحًا. 

من أقوال اللحيدان

- فالدولة لا تلزم أحدا بأن يفتي بكذا وكذا، وهيئة كبار العلماء تأسست وبدأت عام 1391هـ، ولا أذكر في مرة من المرات أن جاء إلى هيئة كبار العلماء أو طلب منا فيها أن نفتي بما هو كذا وكذا.

- في أكثر الأحوال تخرج (فتاوى كبار العلماء) بالاتفاق.

- الأعداء لهم تسلط ويتقصدون هذه البلاد (المملكة العربية السعودية) بالسوء، ويريدونها بالشر ويحاولون محاولات كثيرة أن يضعفوا تمسكها بدينها، ولكن بحول الله ستثبت وسيبقى الخير فيها؛ فالجزيرة هي قلب الإسلام.

- دعوة التغريب وأن تعبر المرأة عن رأيها وتباشر ما تراه من أسفار وغير ذلك من بوادر خراب الدول وفساد الأسر والناشئة.

- من المعلوم أن الولاية الشرعية لا يصح الخروج عليها بأي وجه إلا أن يرى المسلم كفرا بواحا فيه من الله برهان.

- ليس هناك أمر فوق الشرع فالشريعة فوق كل أحد وأحكامها يجب أن تكون مهيمنة على الصغير والكبير.

 

بيان إحياء التراث حول وفاة العلامة الشيخ صالح اللحيدان رحمه الله

 

 


     الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول الله -عز وجل-: {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون}. (الأنبياء: 35)، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء..». رواه الشيخان.

لقد فجعت الأمة بفقد عالم رباني وداعية كبير كان له بالغ الأثر في الدعوة إلى الله ونشر العلم في مختلف أنحاء العالم، إنه الشيخ الداعية د. صالح اللحيدان -رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته، فلقد قضى جل حياته في الدعوة إلى الله، وفي تربية النشء وتوجيهه، والسعي في إصلاح الأمة.

     وهو آخر العلماء وفاة ممن اختارهم الشيخ محمد بن قاسم وأخذ من فتاواهم ومقالاتهم العلمية في كتابه الدرر السنية، وقد كان أحدثهم سناً -رحمه الله-. وقد تُرجم له في طبعة الدرر الســــنية (16 / 489) بما يلي: «الشيخ صالح بن محمد اللحيدان -حفظه الله-، عالمٌ جليلٌ وداعيةٌ إلى الله، وذو هيبة وقدر، وإمام وخطيب، ولد بمدينة البكيرية بمنطقة القصيم عام 1350 من الهجرة.

     ولعل مما يجب ذكره في هذا المقام موقفه القوي الرافض لاحتلال دولة الكويت، ومناصرته للقضايا الإسلامية ودعمه للعمل الخيري، ومشاركاته فيه، رحم الله الشيخ صالح بن محمد اللحيدان العالم التقي الورع من بقية علماء السلف الصالح -رحمه الله- رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، سائلين الله -عز وجل- أن يخلف الأمة الإسلامية خيراً، وأن يلهم ذويه ومحبيه الصبر، ويعظم لهم الأجر والمثوبة، لله ما أعطى ولله ما أخذ، وكل شيء عنده بمقدار، والحمد لله رب العالمين.

 جمعية إحياء التراث الإسلامي

 

 

 

 

تعريف بهيئة كبار العلماء

     هيئة كبار علماء السعودية هيئة دينية إسلامية حكومية، تأسست عام 1391هـ/1971م، تضم لجنة محدودة من الشخصيات الدينية في البلاد، جميعهم فقهاء مجتهدون من مدارس فقهية متعددة، ورئيسها هو مفتي السعودية، وهي مخولة بإصدار الفتاوى وإبداء آرائها في الأمور التي تهم المسلمين في أمور دينهم ودنياهم، ويتفرع عن الهيئة لجنة دائمة متفرغة، اختير أعضاؤها من بين أعضاء الهيئة بأمر ملكي، وتكون مهمتها إعداد البحوث وتهيئتها للمناقشة من قبل الهيئة، وإصدار الفتاوى وتسمى (اللجنة الدائمة للبحوث والفتوى).

أول تكوين لهيئة كبار العلماء

     وفي عام 1971 م صدر أمر ملكي بتعيين إبراهيم آل الشيخ رئيسا لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الذي أناب عنه في رئاستها الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله- بعد أربعة أعوام، وضمت الهيئة 18 عضوًا من المشايخ، وهم: (محضار عبد الله عقيل، وعبد الرزاق عفيفي، ومحمد الأمين الشنقيطي، وعبد الله خياط، وعبد الله بن حميد، وعبد العزيز بن عبد الله بن باز، وعبد العزيز بن صالح الصالح، وعبد المجيد حسن، وصالح بن فوزان الفوزان، ومحمد بن علي الحركان، وسليمان بن عبيد، وإبراهيم بن محمد آل الشيخ، وصالح بن غصون، وراشد بن خنين، وعبد الله بن غديان، ومحمد بن إبراهيم بن جبير، وعبد الله بن سليمان المنيع، وصالح محمد اللحيدان، ومحمد بن صالح العثيمين)- رحمهم الله وحفظ من كان حيًا منهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

إشارات من  عبق سيرت

- اتسم -رحمه الله- بالذكاء والفطنة والنباهة والحزم منذ صغره.

- كان مكتبه مفتوحًا لكل أحد من الأمراء والوزراء والأغنياء والفقراء والقضاة وأصحاب الحاجات والخصوم وأصحاب المظالم.

- كان محبا للعلم وأهله، مجلا لهم، ويحب النقاش العلمي، وكان يحب الشعر والتاريخ، وأخبار العرب.

- كان -رحمه الله- يرى من الواجب صيانة القضاء والقضاة من التدخلات غير النظامية.

- كان مؤازرًا لإخوانه العلماء والقضاة ويعتضدون به لجزالة رأيه وحكمته وحنكته وشجاعته.

- كان -رحمه الله- كريمًا سخيًا معطاء، وكان يفتح بيته للجميع.

- كان معرضًا عن توافه الأمور وضياع الأوقات والقيل والقال والتجريح في الناس والطعن في الظهور، حافظاً للسانه ووقته.

 

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك