رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 2 أكتوبر، 2017 0 تعليق

توظيف الطاقات الدعوية مسؤولية من؟

     المتأمل في واقع الصحوة  الإسلامية يرى الضعف الواضح في أغلب المشاريع سواء السياسية منها، أم الدعوية، أم الاجتماعية، أم الاقتصادية، وليس ذلك لنقص في الأعداد البشرية، ولا في العقول والإمكانات الفكرية، إنما الخلل في طريقة استثمار الطاقات وتوظيفها التوظيف الأمثل.

     والمراقب للساحة الدعوية يجد تقصيرًا كبيرًا في هذا الجانب؛ فالقلة هم الذين يعملون ويجتهدون ويقرنون الليل بالنهار في سبيل نشر الدعوة، وتكثير المعروف، وتقليل المنكر، والبقية الباقية تقف موقفًا سلبيًا لا تحرك ساكنًا، فضلا عن أولئك المثبطين المخذلين.

     وهذه الظاهرة الخطيرة أدت -ولاشك- إلى مفاسد لا تخفى عن العاملين في حقل الدعوة؛ إذ كثرت البطالة والكسل والقعود عن البذل والعطاء، وأُرهق العاملون فشغلوا شغلا كبيرًا؛ مما أثر على مخرجات الأعمال وجودتها، وكذلك ضعفت المشاريع التربوية والدعوية التي تقدم للعامة والخاصة، وصار الضعف سمة عامة لأغلب تلك المشاريع؛ بسبب أن هذا العامل المجتهد مطالب بكل شيء، فهو الذي يقوم بحل المشكلات في الحي، وهو الذي يعظ الناس في المسجد، وهو الذي يعلم النشء في الحلقات، وهو الذي يشرف على المشاريع والأنشطة الدعوية، وهو المطالب بقضاء الواجبات الاجتماعية، وهكذا باقي التكاليف التي يضيق عنها الزمان.

ولا شك أن اختلاف صفات الناس ومواهبهم، واختلاف ألسنتهم وألوانهم آية من آيات الله تعالى، وحكمة ربانية، اقتضت أن يكون الناس مختلفين.

     قال الله -تعالى- في مُحْكَمِ كتابه: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}، وقال -تعالى-: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}.

     وهذه الحكمة الإلهية العظيمة كانت منذ بداية الخلق, فخلقَ الله -سبحانه وتعالى- الحزَن والسهل, والأصفر والأحمر, والأسود والأبيض، فعَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ -تعالى- خلقَ آدمَ مِن قَبضةٍ قَبضَها مِن جَميعِ الأَرضِ فجاءَ بنُو آدمَ على قَدْرِ الأَرضِ فجاءَ منهُم الأَحمَرُ والأَبيَضُ والأَسوَدُ وبَينَ ذلكَ والسَّهلُ والحَزْنُ والخَبِيثُ والطَّـيِّبُ» (الترمذي وقال هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ/2879).

     وهذا الاختلاف نوعٌ من الثراء البشري المكنون الذي اختزنه الله -سبحانه وتعالى- في البشر إلى يوم الدين، فجاء البشر في كل جيل مختلفين شكلاً وفكرًا وقدراتٍ ومعطيات, ذكورًا وإناثاً رجالاً ونساءً، فالإسلام لا يريد من الأشخاص أن يكونوا متطابقين إلى درجة زوال الفروق الفردية بينهم.

     كذلك لا يريد الإسلام من أتباعه أن يذوب أحدهم في شخصية الآخر؛ فعمر -رضي الله عنه -، لم ينصهر في شخصية أبي بكر -رضي الله عنه-، وعلي -رضي الله عنه-، لم يعش في جلباب عثمان -رضي الله عنه-، ولكن كلاً منهم شارك في بناء الأمة، وشق طريق المجد لها بما منحه الله -تعالى- من إمكانات وقدرات ومواهب.

     وكذلك لا يريد الإسلام من أتباعه أن يكونوا نسخًا مكررة عن بعضهم، أو أقطاباً متنافرة؛ بحيث يصبحوا أعداء متشاحنين, لكن المطلوب أن يتقارب المسلم مع أخيه المسلم فيُكَمِّل بعضهم بعضا في مجالات الحياة كلها. وقد كان من عظمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه راعى هذه الفوارق الربانية؛ فوظف إمكانات الصحابة -رضوان الله عليهم- الخِلْقية والخُلُقية أحسن توظيف حسب قدراتهم وإمكاناتهم؛ فعليٌ للقضاء، ومعاذٌ للعلم، وأُبيٌّ للقرآن، وزيدٌ للفرائض، وخالدٌ للجهاد، وحسانٌ للشعر، وقيس بن ثابت للخطابة -رضي الله عنهم جميعًا.

     من هنا فإننا في أمس الحاجة إلى تلَمُّس هذا الهدي النبوي والنظر بعين الاعتبار إلى هذه الأزمة، وإيجاد الحلول المناسبة لها؛ لأن توظيف الطاقات هدف إسلاميٌّ عظيم، وآلية دعوية ملحَّة، وهذا التوظيف هو استثمار أمثل للطاقات والمهارات المهدرَة، وبالتوظيف يتمُّ توفير قادة جدد في الدعوة لخدمة دين الله -عز وجلَّ.

     فقيام الأمة ونهضتها لا يكون إلا من خلال تضافر كافة الجهود، والمسؤولية مسؤولية مشتركة بين الجميع؛ لأن الجميع ينتسب إلى هذا الدين، ويعنيه مصلحته، وعودته إلى سابق عزه ومجده؛ فيجب أن نقوم لله -عزوجل- قومةً صادقة ليتحقق إعزاز الدين وإنهاض الأمة مما هي فيه من حرج وكبوة، وصلت إلى حال ربما أشفق عليه العدو قبل الصديق.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك