رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 17 أغسطس، 2022 0 تعليق

توضيحَ العِبادة الصَّحيحة لله تعالى والدَّعوة إليها مِنْ أهمِّ الأُمُور وآكدِ الواجبات – الشيخ النجد

 

الأعمال والأقوال الظَّاهرة والباطنة مُتوقّفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد

توحيد الربّ سبحانه هو أسَاسُ مَغْفرةِ اللهِ تعالى للعِباد في الحياةِ الدنيا ويومَ لا يَنفعُ مالٌ ولابنون

أكد رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ محمد الحمود النجدي أنّ اللهَ -تعالى- خَلقنا لعِبادته، وأمَرَنا بتوحِيده وطَاعته، وهو غني عنّا ونَحنُ الفُقراء المُحتاجُون‏‏ إليه، قال -سبحانه-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (الذاريات: 56-58)، وأرْسل رُسُله كلّهم داعِين إلى تَوحيده، وإخْلاصِ الدّين له، وحْده لا شريك له، كما قال:‏ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ‏} (الأنبياء: 25)، وقال -عزَّ وجل-: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36).

     والطاغوت: اسمٌ لكلِّ معبودٍ مِنْ دُون الله -تعالى-، كالأصْنام والأوثان، وغير ذلك مِنَ المَعْبودات الباطلة، مأخوذٌ منْ طَغَا يَطغى طغواً، إذا جاوز الحدَّ في الضلال.

إخْلاص العبادة كلّها لله

     وبين الشيخ النجدي أن الله -تعالى- أمَرَ بإخْلاص العبادة كلّها له، فقال -تعالى- على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (الزمر: 11-15).

مِنْ أهمِّ الأُمُور وآكدِ الواجبات

     وأضاف، توضيح العِبادة الصَّحيحة لله -تعالى-، والدَّعوة إليها، مِنْ أهمِّ الأُمُور، وآكدِ الواجبات؛ فهي الغَاية مِنْ خَلْق الخَلْق، وهي الأسَاسُ الذي تُبْني عليها الاعتقادات جميعها، وبها تكونُ صِحّة الأعْمال وقَبُولها؛ ولذا كان اهتمام الرُّسل -صَلوات الله وسَلامه عليهم- بها عَظيماً، فتوجَّهوا لإصْلاحِ العقيدة أولاً وقبلَ كلِّ شيء، والدِّفاع عنْها، وصَونها عمَّا يناقضها، أو يُنْقصها ويُخلّ بها.

دَعوة نبيِّنا الكريم مُحمَّد - صلى الله عليه وسلم

     وكذلك كان نَصيبُها مِنْ دعْوة نبينا محمّد - صلى الله عليه وسلم - واهْتمامه النَّصيب الأكبر؛ فقد مَكثَ في مكَّة ثلاثَ عشْرة سنة، يَدعو قومه إلى التَّوحيد، وإخْلاصِ العبادةِ لله وحْده لا شَريك له، ونبذ كلّ مَظَاهر الشِّرك والوثنية، ولمَّا فتح اللهُ عليه مكَّة، كان أول ما بَدأ به: هو هَدمُ الأصْنام، وكسْر الأوثان، والقَضَاء عليها، لإخْلاصِ العبادة لله وحْده لا شَريك له‏.‏

     وهكذا قامتْ دَعوة نبيِّنا الكريم مُحمَّد - صلى الله عليه وسلم - في حياتِه كلِّها، على النُّصْح للعِباد، وبيان دِين الله -تباركَ وتعالى- الحقّ على التَّمام والكَمال، والتَّحْذير مِنَ الشَّرك، صَغيره وكبيره، وكان - صلى الله عليه وسلم - رُسُولاً أمينًا، ونَبيًّا رحيمًا، ومُعلِّمًا مُشْفقًا، كما قال الله -عزَّ وجل- عنه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128).

     فبلَّغ (صَلواته وسَلامه عليه) البلاغَ المُبين، وما تَركَ خَيرًا إلا دلَّ الأُمَّة عليه، ولا شَرًّا إلا حَذَّرها منه، فتركَ أُمَّته على البَيْضاء، ليلها كنَهارها، لا يَزيغُ عنْها بعده إلا هَالك، فأقامَ الحُجّة، وأبانَ المَحَجّة، وأوْضحَ سَواء السَّبيل، بأعْظمِ بُرهانٍ، وأقْوى دليل، -صَلواتُ اللهِ وسَلامه وبركاته عليه.

القرآنُ كلّه يَدعُو إلى تَحقيقِ التَّوحيد

     وعن التوحيد في القرآن قال الشيخ النجدي: القرآنُ العَظيم كلّه يَدعُو إلى تَحقيقِ التَّوحيد ولَوازمه، والتَّحْذير ممّا يُضَادّه ويُخَالفه، قال الإمامُ ابنُ القيّم -رحمه الله-: «إنَّ كلَّ آيةٍ في القُرآن، فهي مُتَضمّنةٌ للتَّوحيد، شَاهدةٌ به، داعيةٌ إليه؛ فإنَّ القُرآن إمَّا خبرٌ عن الله -تعالى- وأسْمائه وصِفاته وأفعاله؛ فهو التَّوحيد العِلْمي الخَبَري، وإمَّا دعوةٌ إلى عبادتِه وَحْده لا شَريكَ له، وخَلعِ كلّ ما يُعبَد منْ دُونه؛ فهو التوحيدُ الإراديُّ الطَّلبي، وإمَّا أمْرٌ أو نَهْي، أو إلزامٌ بطاعتِه في نَهْيه وأمْره؛ فهي حُقوقُ التَّوحيد ومُكمّلاته، وإمَّا خبرٌ عنْ كرامةِ اللهِ لأهلِ تَوحِيده وطَاعته، وما فَعَلَ بهم في الدُّنيا، وما يُكْرمُهم به في الآخِرة؛ فهو جَزاءُ تَوْحيدِه، وإمَّا خبرٌ عنْ أهلِ الشَّرك، وما فَعلَ بهمْ في الدُّنيا مِنَ النَّكَال، وما يَحِلُّ بهم في العُقبى مِنَ العَذاب، فهو خَبرٌ عمَّنْ خَرَج عنْ حُكم التَّوحيد؛ فالقرآنُ كلُّه في التوحيد، وحُقُوقه وجزائِه، وفي شَأنِ الشِّركِ وأهْلِه وجَزائهم». انتهى كلامه من (مدارج السالكين 3/450).

فضَائل التَّوحيد

وعن فضائل التوحيد قال الشيخ النجدي: لتوحيدِ الله -عزَّوجلَّ- فضائلُ عظيمةٌ، ومَزَايا كرِيمة، وعطايا واسعةٌ جزيلة، في الدُّنيا والآخرة، لعباده المُوحِّدين، مِنْ أهمِّها:

(1) هو الغايةُ مِنْ خَلْق الخَلق

     إنَّ توحيدَ الربّ -سبحانه-: هو الغايةُ مِنْ خَلْق الخَلق، قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (الذاريات: 56-58)، قال ابنُ كثير -رحمه الله-: ومعنى الآية: أنَّه -تعالى- خَلَق العبادَ ليَعبدوه وحْده لا شَريك له، فمَنْ أطَاعه جازاه أتمَّ الجزاء، ومَنْ عَصَاه عذَّبه أشدّ العذاب، وأخبر أنّه غيرُ محتاجٍ إليهم، بل هم الفُقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خَالقهم ورازقهم.

(2) هو أسَاسُ مَغْفرةِ اللهِ -تعالى- للعِباد

     إنَّ توحيدَ الربّ -سبحانه-: هو أسَاسُ مَغْفرةِ اللهِ -تعالى- للعِباد، في الحياةِ الدنيا، ويومَ لا يَنفعُ مالٌ ولا بَنون، قال -تعالى-: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} (الأنفال: 38)، يقول -تعالى- ذِكْره لنبيّه محمّد - صلى الله عليه وسلم -: قلْ يا مُحمّد، {للذينَ كفَرُوا} منْ مُشْركي قومك: {إنْ يَنْتهوا} عمّا همْ عليه مُقيمُون، مِنْ كفْرهم باللهِ ورسُوله، وقِتالك وقتال المُؤْمنين، فيُنيبُوا إلى الإيِمان، يَغفرُ اللهُ لهمْ ما قد خَلا ومَضَى مِنْ ذُنُوبهم، قبلَ إيمَانهم، وإنَابتِهم إلى طَاعةِ الله وطاعةِ رسوله، بإيمانِهم وتوبتِهم. (الطبري)، وقال -تعالى-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} (النساء: 48)، فمَنْ لا توحيدَ له، لا مَغْفرةَ له، والعِياذُ بالله، إنْ ماتَ على ذلك، وعنْ جابِرٍ - رضي الله عنه - قَال: «أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فقال: يا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ فَقال: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، دَخَلَ النَّارَ». رواه مسلم في صحيحه (93).

(3) التَّوحيدُ هو حقُّ اللهِ -عزَّ وجل- الأعْظم على العِباد

     فمَنْ قامَ به، فقد قامَ بأعْظم الحُقُوق لربِّه عليه، ومَنْ ضَيّعه، فقد ضيّعَ أعْظم الحُقوق الواجِبة عليه، التي إنَّما خُلق مِنْ أجْلها، قال -تعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات: 56)، أي: إنَّما خَلَقتُهم لآمرهُم بعبادتي، لا لاحْتياجي إليهم، وعن معاذِ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كنتُ رِدْفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - على حِمَارٍ يُقال له: عُفَيْرٌ، فقال: «يا مُعاذ، هل تَدْري ما حَقُّ اللهِ على عِباده، وما حقُّ العِباد على الله؟»، قلتُ: اللهُ ورسُوله أعلم، قال: فإنَّ حقَّ الله على عِباده أنْ يُعْبدُوه، ولا يُشْرِكوا به شيئًا، وحقَّ العِبادِ على الله ألَّا يُعَذّبَ مَن لا يُشْرك به شيئًا». متفق عليه.

(4) التَّوحيدُ هو أعْظمُ أوامِر اللهِ -تعالى

      فإنَّ الله -تعالى- قد طَلبه، وأمَرَ به كلَّ مكلّفٍ، وأثْنَى على أهْله مِرَاراً، ومدَح مَنْ توسّل به إليه، ووَعَدهم عليه أجْراً عظيماً، قال -تعالى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} (محمد: 19)، وقال -عزَّ مِنْ قائل-: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} (البينة: 5)، وأثْنَى على أهْله، فقال -سبحانه-: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} (الرعد: 19)، وقال -عزّ وجل-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (المؤمنون: 1)، وقال -عزّ وجل-: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء: 146).

(5) التَّوحيدُ شَرطٌ لقَبُول العَمل الصَّالح

     فقَبُول الأعْمال، وانْتفاعُ العَبد بها في الدُّنيا والآخِرة، لا يكونُ إلا للمُؤمن حقّاً، قال -عزّ وجل-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97)، وقال -سبحانه-: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} (طه: 112)، فجميعُ الأعمال والأقوال، الظَّاهرة والباطنة، مُتوقّفة في قبولها، وفي كمالها، وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد، فكلَّما قَوِيَ التوحيد والإخْلاص لله، كمُلَت هذه الأعْمال وتمَّت، وغيرها من الفضائل والمزايا العظيمة، التي يُحرم منها مَن أشرك بالله -تعالى.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك