رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ/ صالح بن فوزان الفوزان 27 مايو، 2017 0 تعليق

توجيهات لأئمة المساجد في رمضان التخفيف والطمأنينة في صلاة القيام


من الأمور المشروعة في رمضان بعد الصيام قيام لياليه، قال صلى الله عليه وسلم : «شهر فرض الله عليكم صيامه، وسن لكم قيامه»، وقال صلى الله عليه وسلم : «من قام رمضان إيمانًا واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال صلى الله عليه وسلم : «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال صلى الله عليه وسلم : «من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة».

     ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم «قام رمضان إيماناً واحتساباً» إيماناً بمشروعية قيام شهر رمضان، يقوم مؤمنًا ومصدقاً بذلك، لا يقوم تقليداً أو مضاهاةً أو رياءً أو سمعة، بل يقوم مؤمناً بذلك مصدقاً به، واحتساباً أي طلباً للأجر، احتساباً للأجر، فمن جمع هاتين، قيام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم أي ما سلف في عمره أو في السنة من ذنبه وذلك في الذنوب الصغائر فإنها تُكفّر بالأعمال الصالحة، أما الكبائر فإنها لا تُكفّر إلا بالتوبة منها، قال -تعالى-: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} (النساء:31).

     وفي قوله صلى الله عليه وسلم : «من قام ليلة القدر»، ليلة القدر هي ليلة واحدة من ليالي رمضان، أنزل الله فيها القرآن، ولها فضل عظيم، وهي خير من ألف شهر، أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر؛ وذلك لفضلها وشرفها، وهذه الليلة لا شك ولا ريب أنها في رمضان، لكن لا يُعلم في أي ليلة من ليالي رمضان، ربما تكون في أوله، ربما تكون في وسطه، ربما تكون في آخره، أخفاها الله -سبحانه- ليجتهد المسلم في قيام ليالي رمضان كلِها من أولها إلى آخرها، ليظفر بأمرين، الأمر الأول: قيام رمضان، الأمر الثاني: قيام ليلة القدر، فيحصل له الأجران أجر قيام رمضان وأجر قيام ليلة القدر؛ لأن الله يحب الخير لعباده، يحب لهم المغفرة، يحب لهم الثواب، يحب لهم أن يجتهدوا في ليالي رمضان احتساباً لثواب قيامها وطلباً لليلة القدر فيها.

مسؤولية الإمام

     وفي قوله صلى الله عليه وسلم : «من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة» يعني إذا قام مع الإمام في كل الليالي من أول الشهر إلى آخره فإنه قد قام شهر رمضان، حتى ينصرف الإمام من الصلاة ولا ينصرف قبله، وبناءً على ذلك فالإمام عليه مسؤوليةٌ تجاه من خلفه من جماعة المسجد، فعليه أن يحتسب الأجر وأن يخلص النية لله -عزوجل- فيقوم بهم ليالي رمضان قياماً يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»، ولم يحدد عدد الركعات، وإنما هذا يرجع إلى نوعية الصلاة، فإن كان يطيل القراءة ويطيل الركوع ويطيل السجود فإنه يقلل عدد الركعات ويطيل في الصلاة، وإن كان يخفف الصلاة تخفيفاً لا يخل بها فإنه يزيد في عدد الركعات.

عدد الركعات في رمضان

     والعلماء اختلفوا في عدد الركعات في رمضان على أقوال كثيرة؛ مما يدل على أن الأمر واسع، ولكن الشأن في نوعية الصلاة بأن تكون صلاة معتدلة، صلاةً تامة القيام والركوع والسجود والخشوع لله -عزوجل- فيها الطمأنينة، هذا هو المطلوب، فلو صلى ثلاثاً وعشرين أو صلى أربعين أو صلى ستاً وثلاثين أو صلى عشر ركعات بخمس تسليمات فكل ذلك موافق للسنة، لكن الشأن في نوعية الصلاة لا في عدد الركعات فقط؛ لأن بعض الأئمة يسردها في دقائق، فيسرد عشر ركعات في دقائق محصورة، ولا يخشع فيها ولا يطمئن ولا يُمَكِّن مَنْ خلفه من الإتيان بالأذكار الواردة في الركوع والسجود، ولا يُسمعهم الآيات من السرعة، هذا إخلال بالصلاة، ونقص في ميزانها؛ فعلى الإمام -وفقه الله- أن يعتدل في صلاته وفي قراءته وفي قيامه وركوعه وسجوده؛ لأنه في عبادة وليس في سجن، وإنما هو في عبادة وطاعة لله، يقوم بين يدي الله يناجي ربه -عز وجل- يؤم المسلمين من خلفه، فعليه أن يحتسب الأجر والثواب، عليه أن يخلص النية لله -عز وجل- لا يداخله الرياء والسمعة فيباهي بكثرة من يصلون خلفه، أو يحسن صوته من أجل أن يمدحه الناس بذلك، وعليه أن يخلص النية لله؛ فإن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه وصواباً على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

     ولا ينبغي أن تقل عن عشر ركعات بخمس تسليمات يسلم من كل ركعتين، لقوله صلى الله عليه وسلم : «صلاة الليل مثنى مثنى»، أي يسلم من كل ركعتين ولا يسرد عدد الركعات بتسليم واحد، هذا خلاف السنة، وصلاة التراويح مثنى مثنى؛ لأنها من صلاة الليل، وصلاة الليل مثنى مثنى، يسلم من كل ركعتين، هذا هو الموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قراءة القرآن

وقراءة القرآن على ثلاثة أنواع:

- النوع الأول: القراءة المرتلة المجودة وهذه تأخذ من الإنسان وقتاً طويلاً تشق عليه وتشق على من خلفه.

- النوع الثاني: قراءة الهذ والهذرمة التي يسقط معها بعض الحروف من السرعة ولا يستفيد القارئ ولا المستمع منها وهذه لا تجوز.

- النوع الثالث: القراءة المتوسطة بين التمطيط والتمديد والتكرار وبين الهذ والهذرمة وهي ما تسمى قراءة الحدر، وهي الموجودة في المصاحف المرتلة؛ فإن المصاحف المرتلة أغلبها على قراءة الحدر التي لا تشق على القارئ ولا يمل منها السامع.

     فعلى الإمام أن يقرأ بقراءة الحدر التي يراعي فيها أحكام التجويد، ويراعي فيها آداب القراءة، ولا يشق على نفسه ولا يشق على من خلفه، ولا تقل قراءته عن خمس أوراق في كل ركعة وجه حتى يتمكن من ختم القرآن في آخر الشهر مع ما يأتي في التهجد في العشر الأواخر، يضيف هذا إلى ما يقرؤه في صلاة التهجد في العشر الأواخر فيتمكن من ختم القرآن.

الإمام مؤتمن

     وعلى الإمام ألا يشق على من خلفه؛ لأن الإمام مؤتمن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن»، فالإمام ضامن لصلاة من خلفه، إن أتمها صار له الأجر ولمن خلفه، وإن أخل بها صار عليه الإثم والأجر لمن خلفه، قال صلى الله عليه وسلم : «يصلون لكم فإن أحسنوا فلكم ولهم، يعني الأجر لكم ولهم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم»، لكم الأجر وعليهم الإثم، والإمام إنما سُمي إماماً لأنه قدوة يقتدي به المأمومون؛ فعليه أن يكون قدوة حسنة في صلاته، في قراءته، في ركوعه وسجوده وخشوعه وطمأنينته، هكذا تكون الصلاة؛ فلا يتلاعب بها حسب رغبات الأئمة، كلٌ له رغبة، كلٌ له اجتهاد، لا، المطلوب أن الأئمة يكونون على وتيرة واحدة موافقين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحسنون صلاتهم ويتقنونها، ويخففون على المأمومين، كما قال صلى الله عليه وسلم : «أيكم أمَّ الناس فليخفف؛ فإن فيهم الكبير والمريض وذا الحاجة فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء»، فالإمام مسؤول وهو مؤتمن على الصلاة وسيسأله الله -عز وجل- عن هذه الأمانة.

مرواغة الأئمة

     وبعض الأئمة يراوغ في أيام رمضان عن صلاة التراويح والتهجد يذهب هنا وهنا، يذهب للعمرة، يقول أنا سأذهب للعمرة، يا أخي أنت إمام، أنت موكول إليك إمامة هذا المسجد، وأن تؤم بالناس، محمَّل بأمانة، أنت مؤتمن، فعليك أن تتقيَ الله -تعالى- في أمانتك، وأن تبقى في مسجدك، وأن تصلي بجماعتك أفضل لك من العمرة؛ لأن العمرة مستحبة وأما الإمامة فأنت قد تحملتها فصارت واجبة في ذمتك؛ فكيف تتركها وتذهب إلى العمرة؟

اختلاف الصلاة

     وبعض الأئمة تختلف صلاته، في بعض الليالي يطيل في بعضها، ويخفف في بعضها، أو لا يحضر في بعضها، وهذا تلاعب، فيجب على الإمام أن يتقيَ الله، وأن يؤدي الأمانة التي في ذمته، وإذا كان لا يستطيع الإمامة أو لا يريدها فليتركها لغيره، ولا يتحملها ثم يضيعها، إن لم يكن لديه رغبة في الإمامة واستعداد للقيام بها على الوجه المطلوب فليتركها ويُلتمس غيره ممن يقوم بها على الوجه المطلوب.

     هذا ما يتأكد على الأئمة -وفقهم الله- في هذا الشهر؛ لأنه شهر عظيم وموسم كريم؛ فلا يفوّت الإمام على نفسه ولا يفوّت على من خلفه هذا الفضل العظيم بسبب تساهله، بسبب كسله، أو بسبب ملله، عليه أن يحتسب الأجر والثواب، يصبر على ذلك والله -جل وعلا- لا يضيع أجر المحسنين.

نوعية القراءة

      ومن الأمور المهمة نوعية القراءة؛ لأن بعض الأئمة يشق على نفسه بمتابعة التجويد وأحكام التجويد والمدود والغنة إلى آخره فيشق على نفسه، ويشق على من خلفه؛ فهذا قد بالغ مبالغة شقت عليه ولا يستطيع التكميل للقرآن فهو كالمنبت، قال صلى الله عليه وسلم : «المنبتَّ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع» فينقطع في أثناء الطريق، ويمل من الإمامة ويستثقلها؛ بسبب أنه أثقل على نفسه، ولو أنه وازن الأمور ووازن القراءة والصلاة بين الليالي، واطمأن فيها لاستراح وأدى الواجب عليه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك