توجيهات إسلامية وآداب تربوية من تراث الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله
- التربية عند السعدي تقوم على مبدأ النصح لكل مسلم فالناصح يجب أن يحب الخير لمن ينصحهم ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه ويرشد الناس إلى ما فيه الصلاح لهم في أمر دينهم وأمر دنياهم
- تُعرّف الأخلاق في رأي السعدي بأنها المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني التي يُحدّدها الوحي لتنظيم حياة الإنسان على نحو يُحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه
يعد الشيخ عبدالرحمن السعدي أحد العلماء العاملين والدعاة المربين الذين تمثلوا بأفعالهم ما يقولونه بأفواههم، من توجيهات إسلامية وآداب تربوية؛ لذا كان بالغ الأثر في تلاميذه وأبناء مجتمعه، ولم يكن السعدي -رحمه الله- عالمًا فقط في الفقه والعقيدة، أو النحو واللغة، بل إنَّ له من الأفكار التربوية التي ينبغي أن نسلط الضوء عليها، ليعرفها طلبة العلم والمشتغلون بالتربية.
وترك الشيخ السعدي- رحمه الله- إرثًا عظيمًا من الفوائد التربوية خلال مسيرته العلمية والدعوية نحاول إبرازها في هذه السطور.(1) نظرة الإسلام للإنسان
من القيم التربوية التي ذكرها الشيخ السعدي -رحمه الله- أنَّ التربية تقوم على نظرة الإسلام للإنسان، وذلك من حيث فطرته، وحقيقة هذه الفطرة أنّ جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق وهذه حقيقة الفطرة.(2) أهمية التفكر في حياة المسلم
معرفة أحكام الشريعة على وجهها يزيد العقل وينمو به اللب؛ لكون معانيها أجل المعاني وآدابها أجل الآداب، ولأن الجزاء من جنس العمل؛ فكلما استعمل عقله للعقل عن ربه وللتفكر في آياته التي دعاه إليها زاده من ذلك، ويعلل السعدي أهمية التفكر في حياة المسلم بأنه من عود نفسه ودربها على كثرة التفكر في السماوات والأرض، ومن يتتبعهما فلا بد من أن تترقى أفكاره وتتسع دائرة عقله ويُشحذ ذهنه.(3) الأخلاق الإسلامية مصدرها القرآن
يرى السعدي -رحمه الله- أنَّ الأخلاق الإسلامية تتميز بأن مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، قال- صلى الله عليه وسلم -: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح)، وتُعرّف الأخلاق في رأي السعدي بأنها المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني التي يُحدّدها الوحي لتنظيم حياة الإنسان تنظيمًا خيرا، على نحو يُحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على أكمل وجه، وشدد -رحمه الله- على أهمية بناء الأخلاق في النفس الإنسانية وعبّر عنها بأنها الدين فقال «كل سعي لا يصلح الأخلاق، فهو سفه وخسار، وإذا ذهب الدين فبأي شيء تفرح؟ وإذا خسرت الأخلاق الفاضلة فبأي سلعة تربح؟(4) العناية بمحتوى المواد الدراسية
وركز السعدي -رحمه الله- على ضرورة العناية بمحتوى المواد الدراسية، وأن تكون مأخوذة من الكتاب والسنة؛ فتحيي في قلوب التلاميذ جذوة الأخلاق الإسلامية الحميدة، مثل: الحزم والقوة والصبر، وقال إن على المعلمين أن يربوا التلاميذ تربية عالية ويعلموهم روح الدين وأخلاقه الجميلة، والحزم والعزم وجميع مبادئ الرجولة والفتوة والمروءة، وأن يدربوهم على الصبر وتحمل المشاق الذي يفضي إلى النجاح والمثابرة في كل عمل نافع، ويحذروهم من الجبن والكسل والسير وراء الطمع والمادة، والانطلاق في المجون والهزل والدعة؛ فإن ذلك مدعاة للتأخر الخطير.(5) دين الإسلام هو الحق وما سواه باطل
ويقول السعدي -رحمه الله- إن دين الإسلام هو الحق وما سواه باطل وإن تعاليمه العالية وشريعته السامية في أقصر مدة قد جمعت بين أمم متباينة وطوائف متعادية، وألّف بين قلوبهم، وجمعت قاصيهم ودانيهم، حتى صاروا إخوانا متحابين وقرناء وأصفياء متعاونين؛ فحملوا بهذا الدين وبهذه الروح العظيمة المعنوية التي نفخ فيها الروح هذا القرآن على الأمم الضخمة والدول الكبرى والملوك الجبابرة؛ فمزّقوا الجميع شر ممزق واحتلوا ممالكهم المملوءة بالظلم والعدوان والشرور، وملؤوها بالعدل والرحمة والخير، فهذا من أعظم براهين القرآن المشاهدة.(6) العقيدة هي الإيمان الجازم
والعقيدة هي الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده، ومن ثم الأساس الاعتقادي يقوم على أركان، وهذه الأركان مذكورة في حديث النبي- صلى الله عليه وسلم - عندما قال جبريل أخبرني عن الإيمان، قال -عليه الصلاة والسلام-: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره».(7) آثار الإيمان التربوية
والإيمان بالله يقتضي تمام الاعتراف بتوحيد الباري بكل صفة كمال وجمال ومجد وحمد وعظمة وكبرياء، والعمل بمقتضى هذا من التعظيم الكامل لله والحب التام والخضوع له وإخلاص العمل له. والإيمان له آثار تربوية على نفس المسلم منها: تقدير الله حق قدرة وزيادة محبته، والشكر الدائم لله على نعمة العقل حتى يرى فيه نعم الله وفضائله على عبده، وإدراك سعة رحمة الله على عباده، وأن هذا الإيمان سبب لحفظ صاحبه من المكاره والشرور.(8) التربية تقوم على مبدأ النصح
والتربية الاجتماعية في الإسلام تقوم على مبدأ النصح لكل مسلم كما جاء في حديث جرير بن عبدالله البجلي- رضي الله عنه - قال: «بايعت رسول الله على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والسمع والطاعة والنصح لكل مسلم» (البخاري)، ويرى -رحمه الله- أن الناصح يجب أن يحب الخير لمن ينصحهم ويكره لهم من الشر ما يكره لنفسه، ويعلم جاهلهم وينصح من يراه مخلا بواجب أو متجرئًا على محرم، ويرشد الناس على اختلاف طبقاتهم إلى ما فيه الصلاح لهم في أمر دينهم وأمر دنياهم، والدعوة إلى ذلك كله، ومجانبة غشهم في الأقوال والأفعال والمعاملات وأداء الحقوق لمن له حق على الإنسان.(9) معرفة طبيعة الإنسان
ويرى -رحمه الله- أنّ معرفة طبيعة الإنسان من جميع الأشياء يجب أن تكون دقيقة ومؤكدة، وفي التربية الإسلامية يعتمد المعرفة للنفس الإنسانية على المعرفة النظرية عن النّفس بما ورد في القرآن والسنة، والمعرفة العلمية عن النفس بما كانت عليه تربية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لصحابته- رضوان الله عليهم.(10) صفات المعلم الناجح
وأما عن صفات المعلم الناجح، فيلخصها السعدي في الإخلاص وحسن النية بأن يجعل عمله لوجه الله -تعالى-، والنصح للمتعلم بنصحه وتوجيهه إلى ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ومراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ، وعلى المعلم اختيار الطريقة المناسبة في التعليم، فإذا شرع المعلم في مسألة وضحها وأوصلها إلى أفهام المتعلمين بما يقدر عليه من التعبير وضرب الأمثال والتصوير والتحرير، ثم لا ينتقل منها إلى غيرها قبل تفهيمها للمتعلمين، ولا يدع المتعلمين يخرجون عن الموضوع الذي لم يتم تعليمه وتقريره إلى موضوع آخر حتى يحكموه ويفهموه؛ فإن الخروج من الموضوع إلى غيره قبل الانتهاء منه يحرم الفائدة، ويجب على المعلم التنويع في طرائق التدريس التي يستخدمها حتى لا يُصاب الطالب بالملل ومن ثم لا يستفيد الاستفادة الكاملة التي يسعى إليها. هكذا كان فكر العلامة عبدالرحمن السعدي -رحمه الله- في ميدان التربية والتعليم، وهو فكر لا شك يمكن الاستفادة منه في تطوير العملية التعليمية وأساليب التعليم، وهو ما يعكس شخصية السعدي -رحمه الله- الفذة التي دفعت العديد من الباحثين إلى دراستها وكتابة المؤلفات حولها.
لاتوجد تعليقات