رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالقادر علي ورسمه 26 يوليو، 2011 0 تعليق

تواجه أسوأ موجة جفاف في القرن- الصومال بين كارثة حروب أبنائه وكارثة الجفاف والمجاعة!

 

يبدو أن المجتمع الدولي ومنظماته تعودا أن يؤجلا المشكلات حتى تصل إلى حد الكارثة، ثم يبدأ التحرك، وهذا ما أكدته أكثر من هيئة دولية فلقد ألقت منظمة أوكسفام وغيرها باللائمة على المجتمع الدولي واتهمته بالتباطؤ عما يحدث في القرن الأفريقي، فضلاً عن ذلك فإن تكرار الجفاف والمجاعات الناجمة عنه تحتاج إلى حلول جذرية، ولكن يبدو أن  المنظمات الدولية تتاجر بالكوارث ولذلك لا تحاول إيجاد الحلول حيث إن الأموال التي يتم رصدها في أوقات الأزمات لا تصل إلى المحتاجين كما هو مطلوب، وتعيش أغلب منظمات الأمم المتحدة بفنادق فاخرة في نيروبي ويستأجرون طائرات بمبالغ طائلة رغم أن بعض هذه المناطق المنكوبة كانت تحتاج إلى حفر آبار أورتوازية لا تتكلف مثل هذه المبالغ التي تصرف بالشؤون الإدارية لهذه المنظمات فقط؛ لأن المياه الجوفية متوافرة في العديد من المناطق الصومالية ولكنها تحتاج من يستخرجها، فمادام أنه لا توجد هناك حكومة صومالية تستطيع القيام برعاية شؤون شعبها فإن هذه المنظمات لا أحد يستطيع أن يقنعها أن تعمل لصالح هذا الشعب أو ذاك، ولاسيما أن الفساد أصبح ينخر في جسد الحكومة الانتقالية الصومالية فضلا عن القوات الأفريقية التي تمول من قبل الأموال التي يتم جمعها من العالم باسم الصومال التي لا تقدم الأمن لفئة قليلة تعيش في القصر الجمهوري.

      ولم تستطع أن تتغلب على الجماعات المسلحة المسيطرة على أغلب أحياء العاصمة، بل أغلب ضحايا هذه القوات هم الشعب المسكين، والأنكى من ذلك أن جماعة الشباب المسيطرة على أغلب مناطق الجنوب التي هي بؤرة المجاعة حاليا كانت ترفض دخول المنظمات الإنسانية لهذه المناطق إلا أنها سمحت لهم عندما وقعت الكارثة، وكان من المتوقع للجميع أن تحدث هذه الكارثة عندما تم منع هذه المنظمات؛ لأن أغلب الشعب الصومالي يعتمد على المساعدات الإنسانية بسبب الحروب العبثية التي تدور رحاها في أرضه.

أسوأ كارثة

      وقد أصبح الوضع في الصومال يمثل أسوأ كارثة عرفتها المنطقة منذ عشرين سنة، وأعلنت المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة عن حوالي عشرة ملايين إنسان في منطقة القرن الأفريقي معرضين لخطر الموت جوعا، وأن أغلب مناطق الصومال تتعرض لجفاف حاد، ولكن منطقة بكول وشبيلة السفلى تمثلان أكثر المناطق خطورة في الوقت الحالي، وتشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن حوالى 300 ألف شخص معرضون للموت في المناطق الجنوبية في الصومال إذا لم يتم انقاذهم بسرعة، فضلا عن معاناة أكثر من  250 ألف طفل بسبب موجة الجفاف التي وصلت إلى مرحلة الكارثة الإنسانية على حد وصف هذه المنظمات، وتشير التقارير القادمة من الصومال إلى أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 270% في خلال سنة واحدة.

       ومن جانبها أكدت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن 54 ألف صومالي فروا من البلاد بسبب الجفاف وأعمال العنف في شهر يونيو فقط، وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر: إن مستوى سوء التغذية الشديد لدى الأطفال تضاعف تقريبا منذ مارس في البلاد ليصبح الأكثر ارتفاعا في العالم؛ مما أجبر العديد من المواطنين على الفرار إلى دول الجوار للبحث عن مأوى الآمن ويقدم لهم الطعام؛ حيث إن معاناة هؤلاء لا تقتصر على عدم حصولهم على الطعام ولكن فقدان الأمن يجبرهم أكثر الأوقات على الابتعاد عن الأماكن المأهولة التي توجد فيها المنظمات الخيرية، وفي هذا الصدد أعلن مسؤولون في كينيا المجاورة عن افتتاح مخيم آخر للاجئين على الحدود مع الصومال لمساعدة النازحين من الصراع وكارثة الجفاف التي تشهدها المنطقة منذ حوالي ستة عقود.

       وتشير المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن عددا كبيرا من الأشخاص يموتون في الطريق بسبب سوء التغذية، ومع هذا فإن هيئات الإغاثة العالمية ما زالت متباطئة في تحركاتها، حيث إنها تحاول عقد اجتماع لجمع تبرعات لهذه الكارثة في يوم الإثنين 25يوليو في روما رغم أن المسؤولة عن العمليات الطارئة في منظمة الفاو في أفريقيا «كريستينا أمارال» تؤكد بقولها: إننا نطلق تحذيرات منذ أكتوبر الماضي، لكن الرد لم يكن بمستوى الاحتياجات، ومن جانبها اتهمت منظمة أوكسفام يوم الأربعاء الماضي حكومات أوروبية بالإهمال المتعمد عبر التسبب في نقص تصل قيمته إلى ثمانمائة مليون دولار في المعونات الغذائية والتباطؤ في الاستجابة لاحتواء أزمة الجفاف التي تضرب منطقة القرن الأفريقي.

      وأوضحت المنظمة الخيرية البريطانية أنه لم يتم حتى الآن تدبير سوى مائتي مليون دولار من الأموال اللازمة لتجنب وقوع كارثة إنسانية في منطقة القرن الأفريقي، وحذر المدير الإقليمي للمنظمة فران إيكيزا من عدم تقدير حجم الكارثة وإضاعة الوقت الذي يمكن أن يفاجئ العالم كله بكارثة غير مسبوقة في المنطقة المذكورة، متهما العديد من الجهات بالتقاعس عن تقديم العون اللازم، وهذه الانتقادات المتزايدة تؤكد أن اهتمامات الهيئات الدولية بقضايا الكوارث تعكس الاهتمامات السياسية للدول المانحة فمادامت أن قضية شرق أفريقيا ظلت مهملة لدى الدول الكبرى المحركة لسياسات المنظمات الدولية فإنها تظل مهملة حتى تصل إلى مرحلة الكارثة التي لا يمكن السكوت عنها.

      والجدير بالذكر أن كارثة الجفاف الحالية لا تشمل الصومال كلها وكذلك دول منطقة القرن الأفريقي مثل إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، ولكن أزمة المجاعة تتركز في بعض المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها حركة الشباب، ويعود سبب تفاقم المشكلة إلى بعض السياسات التي اتخذتها الحركة حيث إنها كانت قد طلبت قبل عامين من جميع المنظمات الإنسانية الأجنبية مغادرة المناطق التي تسيطر عليها داخل الصومال، لكنها طلبت الأسبوع الماضي من الجهات المعنية تقديم المساعدة لإنقاذ آلاف المتضررين من موجة الجفاف، مما يدل على عدم المسؤولية والمقامرة بأرواح البسطاء، حيث إنهم لم يدركوا حتى الآن أنهم ما زالوا مجموعة مقاتلة لا تستطيع أن تتخذ قرارات مصيرية تتعلق بتوفير الطعام في البلد، والتعامل مع العالم الخارجي بهذه السياسات الارتجالية يضر بالفقراء ولا يتأثر به هؤلاء المغامرين لأنهم لو كانوا يتضررون كما تضرر بها الفقراء لما اتخذوا مثل هذه القرارات.

الدور العربي

      ومن جانبها  قررت جامعة الدول العربية رصد مبالغ مالية فورية من حساب الأمانة العامة من أجل تقديم مواد إغاثة طبية وغذائية للمتأثرين بالجفاف في الصومال، وقال الأمين العام للجامعة نبيل العربي في بيان أصدره الثلاثاء الماضي: إنه سيجري توزيع هذه المبالغ خلال الأيام القادمة عبر بعثتي الجامعة العربية بالعاصمة الصومالية مقديشو والعاصمة الكينية نيروبي وبالتنسيق مع الهيئات الدولية المعنية.

      وحث بيان الجامعة كل الأطراف الصومالية المعنية على تسهيل توصيل المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها دون أي إعاقة أو تأخير، داعيا جميع الدول العربية والمنظمات العربية المتخصصة وفي مقدمتها جمعيات الهلال الأحمر ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لمساعدة المتضررين بالجفاف في الصومال والمساهمة في الجهود الجارية لإنقاذ النازحين واللاجئين، وقد اعتادت الجامعة العربية إصدار مثل هذه البيانات ولكن الوضع الذي تمر به الصومال تجاوز مثل هذه البيانات ويحتاج إلى سرعة التحرك، ومن المطلوب أن تتحرك الجامعة تجاه إيجاد حلول سياسية للمعضلة السياسية الصومالية التي هي السبب الرئيس لهذه الكوارث كلها، وألا تترك الأمر لمنظمة إيجاد ودول الجوار الذين يمثلون أكثر المستفيدين من الفوضى الحالية في الصومال، وإلا فإن دور الجامعة العربية يظل كما كان في عهد عصمت عبدالمجيد وعمرو موسى دورا هامشيا يصدر بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع.

مبادرات خيّرة

      وفي السياق نفسه شاركت الجمعيات الخيرية الإسلامية في تخفيف المعاناة عن إخوانهم في الصومال قبل وقوع الكارثة  رغم قلة إمكانياتها حيث إنها ما زالت تتابع أحوال الفقراء المحتاجين وتكفل العديد من الأيتام في أغلب مناطق الصومال، بينما لا تتحرك المنظمات الدولية ذات الإمكانات الهائلة إلا بعد وقوع الكارثة، وقد وزعت جمعية التوفيق الخيرية الصومالية بالفعل معونات غذائية مرسلة من الكويت والبحرين إلى النازحين بمخيم «قوبي جبرتي» بكيسمايو حيث يوجد حوالي 2500 شخص أغلبهم من الأطفال والنساء، ويشارك بجهود الإغاثة جمعية التربية الإسلامية بمملكة البحرين، وجمعية إحياء التراث الإسلامي ممثلة بلجنة القارة الأفريقية بالتنسيق مع جمعية التوفيق الخيرية المحلية، كما يؤكد الصحافي عبد الرحمن سهل، وهناك جهود ملموسة من الهلال الأحمر الإماراتي والقطري، وكذلك جمعية عيد آل ثاني القطرية، وجمعية القطر الخيرية، وكل هذا يؤكد الدور العربي القوي لمساندة الشعب الصومالي أثناء محنته من الناحية الإنسانية.

لفتة إنسانية

       ويبدو أن مبادرة سمو أمير الكويت شيخ صباح الأحمد الصباح وتبرعه السخي لضحايا المجاعة في الصومال تمثل أول مبادرة عربية تؤكد الدور الكويتي ومساندتها الدائمة للصومال في جميع أوقاتها مما يشير إلى عمق المشاعر الود والمحبة التي يكنها سمو الأمير حفظه الله للشعب الصومالي الشقيق، وقد أعلنت جمعية الهلال الأحمر الكويتي تجهيز طائرتين كويتيتين محملتين بمساعدات انسانية ودوائية وخيم إلى جمهورية الصومال لمساعدة شعبها الذي يواجه ظروفا معيشية صعبة جراء الجفاف الحالي.

       وقال مدير إدارة العلاقات العامة في جمعية الهلال الأحمر الكويتي عبدالرحمن العون في تصريح صحافي إن سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح امر بسرعة تقديم المساعدات إلى الأشقاء في الصومال لمواجهة الظروف المعيشية الصعبة.

        وأضاف العون أن التبرع من سمو أمير البلاد بمبلغ 10 ملايين دولار لصالح المنكوبين في الصومال يأتي للمساهمة فى دعم الجهود الإنسانية المبذولة للتخفيف من معاناة الشعب الصومالي الشقيق حتى يتجاوزوا تلك الأزمة.

       وذكر أن التبرع يأتي تكاتفا مع الأشقاء الصوماليين المتضررين من الجفاف وتعبيرا عن مشاعر الود والمحبة الراسخة بين شعبي البلدين، ومساهمة للتخفيف عن معاناة المتضررين، وقال إن الطائرتين تحملان على متنهما مواد غذائية ودوائية وخياما مشيرا إلى استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى الأشقاء في الصومال، وبين العون أنه سيتم التنسيق مع سفارة الصومال لدى الكويت ولجنة الإغاثة الصومالية التي شكلت بالصومال إلى جانب الهلال الأحمر الصومالي حول آلية إيصال المساعدات الإنسانية للمنكوبين التي تتضمن الأدوية والخيام ومواد الإغاثة.

        وفي حديث ذي صلة أكد وزير الصحة الدكتور هلال الساير سعي دولة الكويت إلى إغاثة الشعب الصومالي في وقت الشدة وحرصها على وصول المساعدات الكويتية للمحتاجين في أنحاء الصومال كافة بأسرع وقت ممكن، وقال الساير الذي يشغل منصب نائب رئيس جمعية الهلال الأحمر الكويتي في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية إن الكويت في ظل القيادة الرشيدة لسمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح كانت سباقة دائما في مجال إغاثة الشعوب ومن ضمنها الأشقاء في الصومال، وأضاف أن سمو أمير البلاد أمر بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة لأبناء الشعب الصومالي إيمانا منه بدور الكويت الإنساني في إغاثة في الشعوب المنكوبة.

       وذكر أن سرعة تقديم المساعدات للأشقاء في الصومال تأتي ضمن الاهتمام الذي توليه قيادتنا الرشيدة وسعيها الحثيث للحد من معاناة الشعب الصومالي وتأكيدا للدور الإنساني لجمعية الهلال الأحمر الكويتي وعملها الدؤوب لمد يد العون ومساعدة المحتاج في جميع أنحاء العالم.

       وذكر أن جمعية الهلال الأحمر الكويتي كانت من أوائل الجمعيات الوطنية العربية التي تجاوبت مع كارثة الجفاف في الصومال وتحركت بالسرعة المطلوبة لمساعدة المتضررين والوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم على تجاوز ظروفهم الراهنة.

مساعدات كويتية

       ومن جانبه أشاد سفير جمهورية الصومال لدى الكويت عبدالقادر أمين شيخ بالدور الإنساني الذي تؤديه الكويت في رسم بسمة الأمل على وجوه المتضررين الصوماليين ولاسيما مع حالات الجفاف والمجاعة التي تشهدها مناطق متفرقة في وسط الصومال وجنوبه، ونوه السفير شيخ في تصريح صحافي عقب لقائه عددا من المسؤولين في جمعية الهلال الأحمر الكويتي بجهود الجمعية من خلال تقديم المساعدات الإنسانية بصورة عاجلة للدول المنكوبة ومن ضمنها الصومال، ووصف السفير معاناة الشعب الصومالي حاليا بالمريعة مؤكدا ضرورة قيام المجتمع الدولي باتخاذ اللازم والتنسيق مع الحكومة الصومالية لإيصال أكبر قدر من المساعدات الإنسانية إلى الصومال.

       وفي السياق نفسه أشاد السفير عبدالقادر أمين شيخ بمبادرة سمو الأمير ولفتته الكريمة للشعب الصومالي، وقال في هذا الصدد: إن هذا ما كنا نتوقع من سموه حيث إنه يتألم دائما مما يحدث في الصومال، ويرجو أن تنتهي أزمته بأسرع وقد لمسنا منه دائما مشاعر الود تجاه الصومال وشعبه، وعليه فإنه ليس من المستغرب أن يكون أول مسؤول عربي  يتقدم بمبادرة سخية تجاه أشقائه في الصومال؛ حيث إن الكويت دائما كانت سباقة في أعمال الخير في كل مكان.

       ومن الجدير بالذكر أن أزمة الصومال الحالية ليست أزمة عابرة تتعلق بكارثة الجفاف فقط بل هي أزمة متعلقة بإهمال العالم في هذه المنطقة من العالم التي أصبح العديد من الدول الكبرى تتعامل معها كمنطقة أمنية يجب مواجهة بعض المتمردين فيها وقصفها كلما أمكن ثم تركها وما فيها من فوضى، وقد كانت الصومال منطقة حيوية مهمة لدول الكبرى إبان الحرب الباردة بما تتمتع به من مكانة إستراتيجية، ولكنها بعد انتهاء الحرب الباردة تم إهمالها عن قصد، ومن المهم للدول الإسلامية والعربية أن تتحرك بسرعة لحل إشكالاتها الأمنية والسياسية حتى لا تتكرر مثل هذه الأزمات في كل فترة؛ لأن أكبر مساعدة تحتاج إليها الصومال هي بناء دولة مركزية قوية وعقد مؤتمر مصالحة حقيقي بعيد عن التدخلات الإثيوبية والكينية، وبعد ذلك تستطيع حل الإشكالات الموسمية بطريقة أفضل مما هي عليه الآن.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك