رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 29 نوفمبر، 2010 0 تعليق

تنفذ مخططًا مشبوهاً لتخريب ثوابت الأمة والإساءة لرموزها-الفضائيات الطائفية تسيطر على المشهد الإعلامي العربي

لعل من يلقي نظرة على المشهد الإعلامي خلال السنوات السبع الماضية يكتشف كيف تحول هذا المشهد في أغلبه من أداة لدعم التنمية والتطور إلى أداة للتخريب واختلاق المشكلات وإثارة النعرات الطائفية مع الاضطرابات السياسية والاجتماعية والدموية في عدد ليس بالقليل من بلدان عالمنا العربي؛ حيث استغل عديد من الطوائف مناخ الحرية الذي ساد الساحة العربية لاسيما في المجال الإعلامي لنفث سمومها والعمل على تكريس نوع من الولاء للطائفة وتفجير قضايا في غاية الحساسية والعمل على المساس بقضية الولاء للوطن الثابتة في عقل ووجدان أغلب المواطنين العرب.

وقد عكس هذا الوضع تقرير صادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية حذر من خطورة تنامي المد الإعلامي الطائفي في المنطقة ودوره السلبي في إثارة النعرات بين أبناء الوطن الواحد وبين أصحاب الأديان والمذاهب، وهو أمر يشكل خطورة كبيرة على أمن واستقرار أي مجتمع من مجتمعات المنطقة، داعيًا إلى ضرورة التصدي لمثل هذا الخطر الذي يستغل بشكل سيئ صعوبة السيطرة على هذا المد الفضائي خصوصًا مع ظهور عدد كبير من الأشكال الإعلامية وفي مقدمتها المواقع الإلكترونية.

ونبه التقرير إلى أن هذا النوع من الإعلام لا هدف له إلا المساس والإساءة لاستقرار الدول والمجتمعات وبث الكراهية بين أبناء المجتمع الواحد في ظل صبغ برامجها ومواردها الإعلامية بالنبرة الطائفية وحرصها على النبش في صراعات الماضي وإعادة إظهار القضايا الدينية والمذهبية الحساسة المثيرة للكراهية والحقد فضلاً عن الإساءة للمقدسات والمعتقدات.

وشدد التقرير على ضرورة التصدي لمثل هذا النوع من الإعلام حتى لا يستفحل خطره ويحول مجتمعاتنا العربية إلى ساحة للمساجلات الدينية والطائفية ويشد أبناءها لقضايا هامشية بعيدًا عن القضايا المهمة التي ينبغي مواجهتها بنوع من التضامن والوحدة.

ووصف تقرير مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أداء الإعلام الطائفي بحرية التخريب البعيدة عن أي مسؤولية تفرضها رسالة الإعلام، مطالبًا بضرورة تجييش جميع الفاعليات والقوى المؤثرة في العالم العربي للتحذير من هذا الخطر وعدم الاقتصار على المؤسسات الإعلامية الرسمية بل ينبغي أن تمتد للمؤسسات الدينية والفكرية لتجفيف منابع هذا الإعلام.

أجراس الخطر

وقد دق تقرير مركز الإمارات أجراس الخطر على خطورة هذه الظاهرة خصوصًا أن أبرز المآخذ على الإعلام الطائفي تركيزه على هدم ثوابت الدين الإسلامي عبر الإساءة إلى الصحابة وأمهات المؤمنين والعمل على تشويه صورهم وبنسبة روايات فاسدة لهم واختلاق الأباطيل حولهم وهو أمر يضرب معتقدات أي مسلم في مقتل ولاسيما أن هذه الإساءات قد تدفع غاضبين وغيورين على دينهم وعقيدتهم إلى الرد على الافتراءات واستنزاف جهدهم في الرد على إساءات موجهة إلى رموز دينية يعد احترامها وتوقيرها من مفردات عقيدة أي مسلم، بل إن الأمر قد يخرج من تحت السيطرة إلى الرد عبر أعمال عنف على أصحاب هذه الترهات والخرافات بشكل يهدد السلام الاجتماعي في بلادنا.

خلافات وصراعات

ولعل مكمن الخطورة فيما يسمى بالإعلام الطائفي إثارته النعرات والاضطرابات والخلافات بطريقة مهينة عالية المستوى وإن كانت بشكل غير مباشر إلا أن تداعياتها السلبية تبدو مؤكدة ولاسيما إذا وضعنا في الاعتبار تحول هذا الإعلام إلى شبكة عنكبوتية؛ فهو ممثل على الأقمار الصناعية بما يزيد على مائة قناة لا هم لها ليلا ونهارًا إلا التبشير بمذهب طائفتها وإهانة عقائد الآخرين والعمل على تمكين الولاء للطائفة من التغلب على الولاء للوطن.

وما يحدث بكل من العراق ولبنان حاليًا يوضح كيف يؤدي الإعلام الطائفي دورًا مؤثرًا ومهيمنًا؛ حيث استخدمت الآلة الإعلامية بكفاءة عالية لتحريض أبناء الوطن الواحد على أنفسهم، واهتمت مواده الإعلامية ببعث البغضاء وصبغ الشرعية على الميليشيات الطائفية والقتل على الهوية، وكلما هدأت نار الفتنة حاول هذا الإعلام إشعالها مرة أخرى وعدم إعطاء الفرصة لأبناء الوطن للعيش جميعا في بلدهم بما يكفل احترام الآخر وخصوصيته.

أضرحة ومقابر

ولعلنا نذكر منذ أيام عدة حديث إحدى القنوات الفضائية الطائفية بامتياز عن الأضرحة والمقابر وضرورة عدم الاقتراب منها وما هي إلا لحظات إلا ويقوم المذيع باستحضار نماذج تفجير مرقدي الهادي والعسكري في سامراء العراق منذ أعوام كأنه يستحث لمعاودة المجازر في صفوف أهل السنة والجماعة.

ولا يخفى على أحد في هذا المقام أن تمويل هذه القنوات ينحصر في مصدرين: أولهما إحدى القوى الإقليمية في المنطقة الساعية للتبشير لمذهبها، أو من قبل إحدى القوى الكبرى التي تسعى ليلاً ونهارًا لتكرار السيناريو العراقي واللبناني في أغلب دول المنطقة واستخدام هذا السيناريو لابتزاز دول المنطقة وإجبارها على تقديم تنازلات تهز استقرارها وسيادتها الوطنية.

وما يدلل على وجود تمويل أجنبي لهذا المد الإعلامي الطائفي ما صدر عن تقرير مركز (راند) المقرب من البنتاجون أواخر عام 2007م من دعمه لما أسماه حق الأقليات في التعبير عن حقوقها وخصوصياتها الثقافية والاجتماعية، واعتبار أن منهج الشعوبية يمثل صورة من صور الإسلام المعتدل وضرورة الوقوف بجوار هذا الفكر باعتباره يسهل مهمة واشنطن في نشر ما سمي ساعتها بالنموذج الديمقراطي في المنطقة، بما لا يدع مجالاً للشك للتأكيد بأن هذا النوع من الإعلام ما هو إلا حلقة في مسلسل تفتيت المنطقة وتحويلها لدويلات واستخدام هذا التفتيت كسبيل للهيمنة على ثروات المنطقة وإخضاعها بالكامل للمنظومة القيمية الأمريكية.

استهداف الجادة

وقد أخذت المخاطر تتصاعد في الفترة الأخيرة بعد صدور بعض قرارات إدارية لعدد من القنوات الفضائية الدينية التي تعبر عن منهج أهل السنة والجماعة حيث أغلقت حوالي 10 قنوات بحجج وذرائع مختلفة في مقدمتها مخالفة التصاريح الخاصة بإطلاق هذه القنوات وتهديدها للأمن والسلم الاجتماعي في المنطقة رغم أن هذه القنوات معروفة بنهجها المعتدل ونبذها لكافة أشكال العنف.

في حين لم يقترب أحد من مئات من القنوات الطائفية المعبرة عن نهج الشعوبية أو القنوات النصرانية المنتشرة على كافة الأقمار الصناعية رغم أن هذه القنوات لا هم لها ليلاً ونهارًا إلا القدح في نبي الإسلامي [ وصحابته وسنته الشريفة دون أن يحرك هذا المنهج الفاسد أحدًا لتبني إجراءات مضادة لهذه القنوات والاكتفاء بحملة شرسة أسفرت عن إغلاق عدة قنوات تتبنى النهج النبوي الشريف بشكل يتماهى مع تسريبات بوجود أيد خفية وراء هذه القرارات تهدف لتفريغ الساحة لقنوات فضائية بعينها لتعيث فسادًا في المنطقة وتتولى تنفيذ سيناريو التفتيت وإضعافها ووضعها على طبق من ذهب على مذبح أعدائها.

تكنولوجيا متقدمة

ويوافق على الطرح السابق د. صفوت العالم أستاذ الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة بالإشارة لوجود مخطط ممنهج لإغراق المنطقة في أتون الطائفية والنعرات القومية والقضاء على أي شكل من أشكال المواطنة والوحدة بحيث يصبح الولاء للقبيلة أو العرق أو الطائفة مقدمًا على الولاء للدين الحق وللوطن.

وحذر العالم من خطورة تنامي أعداد القنوات الفضائية الطائفية في المنطقة ولاسيما أن هذه القنوات تستخدم تكنولوجيا متقدمة ورسائل غير مباشرة في الترويج لأجندتها الطائفية مستفيدة من دعم خارجي تبنى استخدام الساحة الإعلامية لتنفيذ مخطط تفتيت المنطقة وتذويب هويتها والإساءة لرموزها ومعتقداتها باعتبار أن هدم العقائد والثوابت السبيل المهم للوثوب على الأمة وإخضاعها.

واعتبر العالم أن سيطرة النهج الطائفي على المعالجات الإعلامية لهذه القنوات ومخالفتها لقيم المجتمع وثوابته ومحاولة نيلها من مبدأ الوحدة الوطنية يجعل التصدي لها وإيقافها أو ممارسة ضغوط عليها لتعديل مسار رسالتها الإعلامية أمرًا ضروريًا وعدم تركها وحدها في الساحة بعد أن طال سيف الإغلاق قنوات دينية معتدلة ووسطية عدة.

وكشف العالم عن أن هذه القنوات الطائفية تقوم بدور تخريبي لعقيدة الأمة وتبشر وتكرس فكر الخرافة والشعوذة ومحاولة إفساد عقائد شباب الأمة عن طريق نشر رسالة إعلامية ضالة ومضلة، مشددًا على أهمية مشاركة جميع هيئات المجتمع في فضح هذا الإعلام الطائفي وتجفيف منابعه.

مد أجنبي

ولا تقتصر المتاعب التي تواجه الساحة الإعلامية العربية على هذا الحد، بل إن محاولة إعادة رسم الخريطة الثقافية والسياسية في المنطقة تجري على قدم وساق من خلال قوى غربية أرادت توظيف الإعلام الفضائي لتحقيق مآربها، وقد تمثل هذا الأمر في ازدياد عدد القنوات الأجنبية الموجهة باللغة العربية للمنطقة إثر زيادة عدد ساعات قناة فرنس إلى 24 ساعة يوميًا بعد أن كان بثها يقتصر على ثماني ساعات وإعلان الاتحاد الأوروبي دخول قناة فضائية تعبر عنه للخدمة باللغة العربية فضلاً عن احتمال مد بث قناة دوتشيه فيلله الألمانية الناطقة بالعربية لتعمل طوال ساعات اليوم.

ولعل أي مراقب لتجربة القنوات الغربية الناطقة باللغة العربية يرى أن هذه القنوات لم تضف جديدًا للأوضاع في المنطقة حيث اقتصرت على كونها أبواقًا لحكوماتها وأداة لنقل الثقافة الغربية للمنطقة والعمل على تسويق منظومة قيمها والتخديم على مصالحها ولاسيما أن عشرات من هذه القنوات لم تتعاط بشكل إيجابي مع قضايا المنطقة الجادة بل سعت للحفاظ على الأوضاع القائمة على حالها ولم تقدم خدمات إعلامية أو تعليمية أو تربوية بل اتسم أداؤها بالطابع المحافظ دون أن تحاول تقديم حلول لمشكلات عديدة في المنطقة.

تجربة فقيرة

من جانبه يرى د. محمد شومان أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس أن تجربة القنوات القضائية الأجنبية الناطقة بالعربية فشلت في تحقيق أهم أهدافها ممثلا في سحب البساط من تحت أقدام فضائيات عربية نجحت خلال السنوات الأخيرة في اكتساب أرضية كبيرة، لافتًا إلى أن أداء هذه القنوات بدا قاصرًا في معالجة القضايا العربية؛ حيث اكتفت هذه القنوات بتوجيه انتقادات ناعمة للأوضاع بشكل عام حرصًا على عدم الدخول في صدامات مع الأنظمة بشكل قد يعرض مصالح أنظمتها للخطر.

ووصف د. شومان هذه الفضائيات بأنها موجهة لخدمة أهداف الدول العربية السياسية والثقافية فضلاً عن أنها اتسمت بالطابع الدفاعي عن سياسات القوى الكبرى المؤثرة وهو أمر لم ينطل على المشاهد العربي المدرك بقوة لحجم الجرائم التي ارتكبتها هذه الدول في حق الشعوب العربية، فمثلاً هذه القنوات لدى تعاطيها مع القضية الفلسطينية لم تستطع تبني وجهة نظر موضوعية بل اكتفت برؤية خجولة لا تقوى على انتقاد الجانب الإسرائيلي وفي نفس الوقت لا تجرؤ على الإقرار بالحق الفلسطيني، بل إنها - والكلام ما زال للدكتور شومان - لم تقترب من مشكلات وقضايا مهمة مثل تصاعد الفساد أو تراجع المؤسسات التعليمية والثقافية في المنطقة واكتفت بمعالجة هذه القضايا بشكل موسمي مما أفقدها ثقة المشاهد العربي الذي لم يعد يكترث بها.

وأفاد د. شومان بأن هذه القنوات أتيحت لها فرص مهمة لاكتساب ثقة المشاهد العربي وأهمها الحرب التي شنتها إسرائيل ضد غزة والتطورات في العراق وأفغانستان إلا أنها ظلت أسيرة لمواقف دولها.

واعتبر أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس أن السعي لنشر النمط الثقافي الغربي وغسيل مخ الشعوب العربية وتمييع هويتها كان من أهم أهداف هذه القنوات باعتبارها موجهة إلا أن ضعف رسالتها وعدم موضوعيتها دعا بعضها ليطلق عليها لقب القنوات السرية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك