تنظيم داعش النشأة والإدارة والآثار
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
ما زالت جرائم داعش تتوالى بما فيها من بشاعة ووحشية تعجز العبارات عن وصفها، فبعد جريمة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، التي فاقت بشاعتها كل وصف، تأتي جريمتهم النكراء بذبح واحد وعشرين مصريا في مشهد تجرد عن كل معاني الآدمية ولا يقره دين ولا تأذن به شريعة، أن تختطف مجموعة من العزل أيا كان دينهم قد تغربوا عن أوطانهم طلبا للرزق وبحثا عن لقمة العيش ثم يذبحون بهذه الطريقة التي قد تترفع عنها الوحوش الكاسرة، وأنا هنا لن أتكلم عن دلالات هذا الحدث وهي كثيرة؛ فكونهم من الأقباط ويذبحون بهذه الصورة، ويصدر هذا المشهد للعالم فاق في دقة تصويره أفلام هوليود.
لا شك أن وراء ذلك من الأهداف والرسائل الكثير، ولكني هنا سأقوم بقراءة لوضع داعش من حيث النشأة وما يتصل بها والأداة التي تستخدم للتنفيذ والنتائج التي تتحقق على الأرض جراء هذا التنظيم حتى تتضح حقيقة هذا التنظيم للذين يمارون في نشأته، سواء كانت مماراتهم من مرض في نفوسهم أم عاطفة غذاها الجهل.
أما من حيث النشأة فمن اللافت للنظر الذي يثير الانتباه أن انطلاقة داعش كانت من المناطق التي تعانق فيها الكبر الرافضي الإيراني مع القوى الصهيوغربية في مؤامرة من أعظم المؤامرات على أمة الإسلام والعروبة؛ حيث كانت الانطلاقة الأولى من العراق بعد الغزو الأمريكي والسيطرة الإيرانية؛ فتحالفت أجهزة الفريقين وتآمرت على هذه الأمة المكلومة، إيران بحرسها الثوري وميليشياتها الطائفية، والغرب بقواته وأجهزته الاستخباراتية فتعددت المصالح والهدف واحد إبادة أهل السنة باتباع سياسة التطهير العرقي وتقسيم العراق وتفتيته والقضاء على جيشه.
في هذه الأجواء ولدت داعش ثم نمت واستفحل خطرها لتكون سببا في نسف المقاومة العراقية من الداخل وتضييع مكتسباتها كافة، ثم يبلغ المشهد ذروته بانسحاب قوات المالكي في المحافظات السنية أمام داعش تاركه وراءها العتاد والسلاح في مشهد درامي مثير للجدل أثار عواطف السذج والبسطاء ثم يمنعون من التمدد صوب مناطق الأكراد أو الشيعة في جنوب العراق ليذوق أهل النسة على أيديهم الويلات، وتتجمع بعد ذلك حشود الصفوية وميليشياته لتواصل التنكيل والذبح لأهل السنة بزعم محاربة داعش.
أما نشأتهم في سوريا فعلامات الاستفهام المترتبة على ظروف نشأتهم هناك أكثر وأكثر ودلالتها أوضح وأوضح، فبعد أن كانت المقاومة تنتصر على النظام النصيري العلوي لتخلص الشعب السوري من ويلاته؛ إذ بداعش تطفو على سطح الأحداث وببصمات بعثية باطنية تكفيرية واضحة لتتسلط على فصائل المقاومة، فتعمل أسلحتها فيها قتلًا وتمزيقًا، فضلًا عما ترتكبه في الشعب السوري من مجازر واغتصاب لترفع الضغط عن بشار، وتجعل منه محاربًا للإرهاب أمام العالم، فتعطيه -كما يقولون- قبلة الحياة، ويصبح الشعب السوري بين شقي الرحى داعش وأخواتها والباطنية بحرسهم الثوري وحزب حسن نصر والبعث النصيري من جهة أخرى، هذا عن نشأتهم في سوريا.
أما النشأة في ليبيا فليست بأقل غرابة من سابقتها؛ حيث كان ظهور داعش في مناطق القذافي الإسماعيلي الباطني ثم تمدد فيها، وتوفر لها الإمكانيات، ويمدحها رجال القذافي كما فعل أحمد قذافي أخطر شخصيات نظام القذافي الذي أثنى عليهم وقال: إن ظهورهم تأخر خمسين عامًا.
إن هذه النشأة وملابساتها توصل إلى حكم واحد لا ينبغي أن يكون فيه نزاع أن وراءها أياد خفية من الصفوية الباطنية والاستخبارات الصهيوغربية لتصنع حلقة من حلقات التآمر الباطني اليهودي ضد الإسلام.
يؤكد هذا ما يلي:
أ – كم الاسلحة التي تجمعت لديهم في أوقات وجيزة تعجز دول بأكملها عن تحصيلها.
ب – أساليب القتل الوحشي الذي تجرد عن كل معاني الإنسانية الذي ما عرفته أمة الإسلام إلا على أيدي الفرق الباطنية من الرافضة والقرامطة والحشاشين.
ج- التسهيلات التي تتم لانتقال عناصرها وتجمعها من مختلف البلدان لاسيما من ناحية إيران والغرب فضلا عن التمويل الرهيب.
د- ما يملكونه من أحدث التقنيات في التصوير والإعلام الذي يفوق قدرات ما يعرف بالدول النامية.
أما عن الأداة التي اختاروها لتكون مطية لتنفيذ مخططهم هي أيضا أداة مختارة بعناية؛ حيث اختاروا سفهاء الأحلام وحدثاء الأسنان من العناصر التكفيرية التي تحمل فكر الخوارج التي تكن حقدًا عظيمًا على أمة الإسلام بعد أن حكمت عليهم بالكفر والمروق من الملة.
لا شك أن هؤلاء يسهل توجيههم؛ حيث لا يعملون سلاحهم إلا في أمة الإسلام، ولا ننسى في هذا المقام أن ننبه أن الصفويين في هذا الباب مثلهم كمثل الخوارج؛ حيث يتفق الفريقان على تكفير أهل النسة واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم؛ ولذا فهما كما قال شيخ الإسلام خوارج في هذا الباب أعني في تكفير أهل الإسلام والتسلط عليهم وإن كان الروافض أشد خطرا من حيث التآمر والتعاون مع أعداء الإسلام على هذه الأمة كما يشهد بذلك تاريخهم والخوارج يؤتون في هذا الباب من سطحيتهم وجهلهم؛ حيث يُحسن أعداء الأمة استخدامهم من هذا المنطلق كما نرى اليوم في طول بلاد الإسلام وعرضها، وكما رأينا آثارهم في الصومال من قبل ونيجيريا وغيرها من بلاد الإسلام، وكما نرى الآن من داعش وأخواتها فيتخذون مطية لبلوغ الأعداء مآربهم.
أما من حيث النتائج التي ترتبت على وجود داعش وأخواتها فهي على النحو الآتي:
1- إضعاف صف المقاومة السنية وتضييع مكتسباتها كما رأينا في العراق وسوريا.
2- إعمال السيف في أمة الإسلام قتلًا وتشريدًا وتذبيحًا وتحريقًا وحتى ما يرتكبونه من جرائم قتل لغير المسلمين فإنما يكون ذلك لجلب الويلات على أهل السنة.
3- تمكين أعداء الإسلام (سواء من الصفويين كإيران والنظام السوري العلوي أم من الغرب) من بلاد الإسلام وتنفيذ المخططات الإجرامية كمخطط التقسيم وغيره.
4- محاولة نسف الدول السنية والسعي في تفتيتها وتدمير جيوشها وإضاعة مقدراتها وإعادة ترسيم حدودها؛ حيث نرى داعش وأخواتها لا توجه سهامهم إلا لشعوب أهل السنة ودولهم كما رأينا في العراق وسوريا، وكما يحاولون الآن مع مصر والسعودية في حين سلمت إيران وإسرائيل من جرائمهم وكل مناطق الرافضة في العالم.
5- تشويه الإسلام ولاسيما السني منه أمام العالم ومع أنهم لا يقتلون إلا أهل السنة فلا زال الغرب والروافض يصرون على وصفهم بالسنة.
6- إعادة تقسيم المنطقة من جديد حتى يتم تنفيذ ما يعرف بشرق أوسط جديد الذي يستهدف في النهاية إقامة إسرائيل الكبرى والهلال الشيعي.
كل هذا وغيره كثير يؤكد خطورة أهل البدع على أمة الإسلام ولك أن تقارن ما تفعله داعش في العراق والشام وليبيا وما يفعله الحوثيون في اليمن والتطابق في الأساليب والآثار لتعلم صدق ما أقول وأن أهل البدع كما قال الإمام ابن حزم ما أجرى الله يومًا على يد أحد منهم خيرا، وما فتح الله بهم من بلاد الكفر قرية، وما رفع بهم للإسلام يومًا راية وإنما تسلطوا على أمة الإسلام قتلًا وتمزيقًا فما أشبه الليلة بالبارحة، ولتعلم أيضًا صدق ما قاله شيخ الإسلام؛ حيث بين أن مقاومة البدع وأهلها من أعظم أبواب الجهاد في سبيل الله؛ لأنه من جنس جهاد الدفع نفسه؛ حيث يذب عن الإسلام خطرهم وتدفع عن الأمة شرورهم، وهذا يحتم علينا اليوم أن نبذل كل ما في وسعنا لإنقاذ الأمة من مخاطرهم.
نسأل الله العظيم أن يقي الأمة شرهم، وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم.
لاتوجد تعليقات