تنامي الفكر الإلحادي وسبل دحضه
يستغرب المسلم عندما يرى ازدياداً في مواقع الفكر الإلحادي، وأن أكثر زبائنه من الشباب، وتزداد الدهشة عندما يحاول هؤلاء التشكيك بتوحيد الربوبية الذي آمن به مشركو قريش وغيرهم.
فهذا الكون من سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج ألا يدل على السميع البصير؟ ولما سأل فرعون موسى عليه السلام: {قال فمن ربكما يا موسى} كان الجواب قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}(طه: 50)، فالله -عز وجل- خالق كل شيء، ومدبر كل شيء، والمحيي والمميت والمتصرف بهذا الكون، والرازق والشافي (أفي الله شك)؟ وكما قال الشاعر:
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
وهؤلاء -بلا شك- تأثروا بفكر -كارل ماركس الشيوعي- الذي قال: لا إله والحياة مادة، وعدوا الدين أفيون الشعوب، وكذا قال فرويد: الدين وهمٌ كانت الشعوب بحاجة إليه في بداياتها.
ومنها خرجت العلمانية التي تعني بناء المجتمع على أسس مادية لا علاقة لها بالدين .
والوجودية التي نادى بها سارتر وغيره، وتدعو إلى إبراز قيمة الفرد وحريته وقدرته على أن يفعل ما يريد، ومنها الوضعية التي نادى بها (أوغست كونت) وهي فلسفة تنكر أي معرفة تتجاوز التجربة الحسية، ومنها الدارونية التي تقرر نظرية التطور والارتقاء.
ومنها مدرسة عبدة الشيطان الإلحادية في فلسفتها، الوثنية في طقوسها، اليهودية في دعمها، التي تنكر الرب -عز وجل- وترفض الأديان، وهدفها التمرد والتلذذ بالحرام.
وهؤلاء جادلوا في آيات الله بغير علم، وفي صدورهم كبر وفي عقلهم جهل مركب قال تعالى: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه}(يونس: 39)، وأعرضوا ورفضوا الاستماع للحق {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين}( الأنعام: 4:)، و(يس: 46).
أعتقد أن من الواجب علينا جميعا ألا نترك الشباب لقمة سائغة لهم فيفسدوهم، بل لا بد من مواجهة هذا الفكر بالحجة والبيان ودحض شبهاته التي هي أوهن من بيت العنكبوت؛ فهؤلاء يعيشون الوهم والتخبط، فضلا عن وهن حججهم، قال تعالى: {ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين}، كما أن من الواجب العكوف على كتاب الله وسنتة نبيه تلاوة وتدبرا، قال تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (آل عمران:101)، والسعي الحثيث إلى ذوق طعم الإيمان عندما يتأمل المسلم في محاسن الإسلام؛ ففي صحيح مسلم «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا»، وغرس العقيدة الإسلامية في النفوس؛ لأن الفكر الإلحادي يتفكك بالإيمان بالغيب والقدر واعتقاد الحكمة في أفعال الله، وتعظيم النصوص الشرعية، وبيان حقيقة الإيمان وحقيقة الكفر وخطره، وتقوية الشعور بالاستعلاء الإيماني، واليقين بأن الله مع المؤمنين، وأن الله -عز وجل- هو الحق: {ذلك بأن الله هو الحق}، وما أنزله على رسوله هو الحق المطلق: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل}، وعليه: {فماذا بعد الحق إلا الضلال} (يونس:32).
وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله؛ إذ قال في تائيته في القدر:
وأصل ضلال الخلق من كل فرقة هو الخوض في فعل الإله بعلة
فإنهم لم يفهموا حكمة له فصاروا على نوع من الجاهلية
وأيضا علينا النظر في الترشيد الثقافي بملاحظة مصادر التلقي عند الشباب، وتأصيل المنهج الشرعي في التعامل مع الشبهات والسعي في كشفها، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الفتن من استشرف لها استشرفت له؛ فلنحذر منها ومن أهلها، ولنأخذْ على أيدي السفهاء، ونرعى شباب المسلمين المبتعثين في بلاد غير إسلامية، ومراقبة المدارس الأجنبية والالتزام بالوصايا النبوية الواردة في الإكثار من ذكر الله -عز وجل-؛ لأن الإلحاد نوع من الوسوسة يزول بالذكر؛ ففي الحديث: «كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله» رواه الترمذي.
وفي الحديث «مايزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خَلقَ اللهُ الخلقَ، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله» رواه مسلم، وليقل: آمنت بالله ورسوله، وليقل: الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وليستعذ بالله من الشيطان، ولابد أن تكون الردود قوية وواضحة وحازمة؛ فالرد الضعيف يضر أكثر مما ينفع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- «فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم، لم يكن أعطى الإسلام حقه، ولا وفَّى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس، ولا أفاد كلامه العلم واليقين».
لاتوجد تعليقات