رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أيمن الشعبان 17 يناير، 2016 0 تعليق

تمَيَّز ولا تفتخر!

نتيجة التنافس والتطور التقني والتكنولوجي، وتغير متطلبات الحياة وتعقيداتها، وتزاحم المهام وتداخلها وضيق الوقت؛ لم يعد معيار ومقياس تقدم عمل الفرد أو المؤسسة مبنيا على الجودة والكفاءة والتحسين المستمر، بل لابد من التميز في الأداء والإبداع في التميز والمهارات، وكما قيل: إما أن تتقدم للإمام وإلا سحقك الآخرون!

تكاد تكون مصطلحات التميز والإبداع وتنمية المهارات وتطوير الذات وتقديم الأولويات هي الأكثر انتشارا واهتماما وتركيزا؛ لما لها من الانعكاس الإيجابي على الارتقاء وديمومة التنافس واستمرارية التفوق والصدارة على الفرد والمؤسسات المتنوعة.

     الحاجة إلى التميز والإبداع في العمل والسلوك والبرامج والإدارة بل حتى الأفكار تبدأ من الطفل والطالب بمختلف مراحله، لتشمل الموظف والمدير والمسؤول، حتى تصل إلى إمام المسجد والخطيب والداعية وطالب العلم بل والعالم، لتعم المؤسسات الخيرية والدعوية والبحثية والإعلامية والسياسية والأكاديمية وغيرها.

     من أعظم التحديات التي تواجه بيئة المتميز وأجواءه في أدائه ومواهبه وإبداعاته ومهاراته وأفكاره؛ بل تنعكس سلبا على المؤسسة من حيث بركة الأعمال وثمرة الجهود وديمومة التقدم والرقي التفاخر المذموم والانتقاص من أعمال الآخرين، والاغترار بالطاعات والمنجزات الخيرية والإغاثية والدعوية، والتعالي على غيره وغمط الناس!

     هنالك فخر جائز وسائغ، حينما يتحدث الإنسان عن منجزاته وبرامجه وأنشطته في تقرير أو توثيق أو إعلام وإخبار لمصلحة شرعية، بل حتى حديث الفرد بطريقة عفوية دون قصد للتعالي أو الترفع والرياء والغرور! ويدل لذلك قوله -تعالى- عن يوسف عليه السلام {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف:55).

     أكد صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة في سيرته وحياته بل في أقواله، عند ذكره بعض خصائصه ومميزاته صلى الله عليه وسلم على غيره، لتكون قاعدة في حياتنا ونبراسا نهتدي بها. وَقَدْ نَفَى نَبِيُّ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَذْكُرَ الْفَضَائِلَ الَّتِي خَصَّهُ الله بِهَا فَخْرًا، بَلْ شُكْرًا لِأَنْعُمِهِ، قال صلى الله عليه وسلم : «أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ ولا فخرَ، وأنا أولُ من تنشقُّ عنه الأرضُ يومَ القيامةِ ولا فخرَ، وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مُشفَّعٍ ولا فخرَ، ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ»، أَيْ: لَا أَقُولُ تَبَجُّحًا، وَلَكِنْ شُكْرًا الله وَتَحَدُّثًا بِنِعْمَتِهِ.

وهذا أبو بكر رضي الله عنه ، أول خليفة للمسلمين وخير الخلق بعد الأنبياء، يقول على المنبر: فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني.

     وعمر -رضي الله عنه وأرضاه فاروق الأمة- كان يحكم من مصر إلى السند، وفتح في عهده أكثر من ألفين مدينة وقرية وإقليم، ذهب لتسلم مفاتيح بيت المقدس مع خادمه وراحلة واحدة، ولم يتعال أو يترفع، وكان صلى الله عليه وسلم وأرضاه يتعاهد بعض الأرامل فيسقي لهن الماء، كما في قصة العجوز العمياء ولا تعرفه ولا يعرف به أحد!.

جاء ذكر الفخر في القرآن الكريم في خمسة مواضع، كلها جاءت في مقام الذم، مع اقترانها بصفات غير محمودة كالفرح والاختيال، {والله لا يحب كل مختال فخور }( الحديد:23).

وأيضا السنة النبوية الصحيحة مليئة بالتحذير من هذا الخُلُق الذميم، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «إنَّ اللهَ أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ ».

مهما تميزت فلا تشعر نفسك ومن حولك بأنك أتيت بما لم يأت به الأوائل، قال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ حَقًّا عَلَى الله أَلا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلا وَضَعَهُ».

قال ابن حجر في فتح الباري: فِيهِ إِشَارَةً إِلَى الْحَثِّ عَلَى عَدَمِ التَّرَفُّعِ وَالْحَثِّ عَلَى التَّوَاضُعِ وَالْإِعْلَامِ بِأَنَّ أُمُورَ الدُّنْيَا نَاقِصَةٌ غَيْرُ كَامِلَة.

قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّوَاضُعِ مَصْلَحَةُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؛ فَإِنَّ النَّاسَ لَوِ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الدُّنْيَا لَزَالَتْ بَيْنَهُمُ الشَّحْنَاءُ وَلَاسْتَرَاحُوا مِنْ تَعَبِ الْمُبَاهَاةِ وَالْمُفَاخَرَةِ.

وكَانَ مِنْ دُعَاءِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي عِنْدَكَ مِنْ أَرْفَعِ خَلْقِكَ، وَاجْعَلْنِي فِي نَفْسِي مِنْ أَوْضَعِ خَلْقِكَ، وَاجْعَلْنِي عِنْدَ النَّاسِ مِنْ أَوْسَطِ خَلْقِكَ.

المتميز ما وصل إلى هذا النجاح والتألق، في عمله وبرامجه إلا إذا كان تفكيره وأداؤه وسلوكه وهمته راقية، فلا تفسد ذلك بالتعالي والاغترار!

التميز والارتقاء والتألق والإبداع، إذا صاحبه اغترار واستكبار، فكأنك لم تتميز!.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك