رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 7 مارس، 2011 0 تعليق

تقرير لـ(الفرقان) بعد انتخابات الرئاسة أكد أن الشعب المصري لن يسكت عن حساب رئيسه- لماذا سقط مبارك؟!

من أين نبدأ الحديث؟.. وسط هذه الأحداث المتلاحقة والسقوط المتتالي لأنظمة الحكم المستبدة الظالمة في العالم العربي، أول من أمس كانت تونس، وأمس مصر، واليوم وغداً ليبيا واليمن والجزائر، والبقية تأتي، و يبدو أنه لن ينجو أحد من طوفان الشعوب العربية التي وفقها الله في كسر حاجز الخوف وإقامة بناء رغبتها والاختيار الحر في حاكمها الذي يعبر عنها وعن طموحاتها.

     ورغم هذا الزخم في أحداث العالم العربي، إلا أن الحالة المصرية تبقى هي الحالة الفريدة والأقوى في المتابعة؛ وذلك بحكم التاريخ والجغرافيا، فمصر هي أكبر دولة عربية وهي صاحبة أكبر تراث حضاري وسياسي في المنطقة، وبعد النموذج التونسي لم نكن نرى هذا السقوط المتتالي إلا بسقوط النظام المصري الذي شجع بقية الشعوب على التحرر والخروج على الطغاة الذين لم يراعوا الله في شعوبهم.

      نكتب هذا التقرير بعد أن هدأت الأمور نسبياً؛ حتى لا نكتب تحت الضغط أو التأثر باتجاه يفرض نفسه على الكلمة، فلا يهمنا الآن سوى الكلمة الصادقة مهما أغضبت أحداً، فبعد اليوم لا يمكن لكاتب أو صاحب رأي أن ينافق لأنه ببساطة لن يجد من ينافقه ولن يجد مصلحة من وراء نفاقه.

        أكتب هذا التقرير عن الحكم وسقوطه السريع في مصر، فبمجرد رؤيتي لأول مدرعة للجيش تتجه إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون يوم 28 يناير الماضي أدركت أن النظام قد سقط فعلاً، وما هي إلا أيام قليلة حتى تم الإعلان الرسمي عن رحيل مبارك عن السلطة وهو ما حدث يوم 11 فبراير2011، وخلال متابعتي للأحداث طيلة الأيام الماضية تذكرت كتابات وتقارير صحفية كتبتها منذ ما يزيد عن خمس سنوات أيام الانتخابات الرئاسية ونشرت تقريرا في (الفرقان) عنها، وأحاديث جانبية مع أصدقاء ومحللين سياسيين وكنت قد قلت لهم: إن هذه هي الفترة الأخيرة لحكم الرئيس مبارك، وعندما سألوني أجبت بعد معرفتي إلا أنه ليس أكثر من شعور، ولكن بحكم السنة الكونية وطبيعة الأمور لا يرضى الله بأكثر من هذا، وقد تحركت عجلة العملية السياسية بالفعل عندما تم اختيار رئيس الجمهورية بنظام الانتخاب المباشر مهما كانت الاعتراضات على شروط الترشيح طبقاً للمادة 76 من الدستور فيما بعد ؛ فكنت واثقاً بأن الله سينزل أمراً ما من السماء.

نكتة الحزب الوطني

      لقد شاركت في تغطية وقائع المؤتمر السابع للحزب الوطني الذي انعقد في ديسمبر الماضي تحت شعار «عشان تطمن على مستقبل ولادك»، وهو الشعار الذي أصبح مسخة ونكتة المصريين بعد سقوط النظام.. تابعت المؤتمر ورأيت جميع الوزراء وكبار رجال الدولة ورجال الأعمال الذين احتموا بالحزب الوطني وحكومته الفاسدة؛ رأيتهم بملابسهم الأنيقة نفيسة الثمن ومظاهرهم المتألقة، متحصنين بالسلطة والمال واثقين من عدم المساس بهم، وحين نظرت لصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى–الأمين العام للحزب- وإلى زكريا عزمي الأمين العام المساعد، وإلى أحمد عز أمين التنظيم (المهندس الأكبر لإفساد مصر) وغيرهم من وجهاء النظام، سألت نفسي محدثها وطبعاً سراً: هل من الممكن أن يأتي يوم وينكشف فيه أمر هؤلاء ونراهم يحاكمون وبدلاً من ارتدائهم هذه الملابس الأنيقة أن يرتدوا ملابس السجن الزرقاء؟! بالطبع من كان ينظر إليهم  يستبعد هذا تماماً.. وهاهو ذا يوم 28يناير جاء به المولى عز وجل ليسقط نظام مبارك وأعوانه وتلاحقهم الاتهامات وتبدأ معهم التحقيقات لبدء محاكمتهم.

تقرير «الفرقان»

      تذكرت منذ أيام تقريرين  كنا قد نشرناهما في «الفرقان» الأول بعنوان (بعد تعديل المادة 76 من الدستور.. انتخابات الرئاسة المصرية صراع على وتيرة الإصلاح) بالعدد 359 الصادر في 5 سبتمبر 2005 قبل انتخابات الرئاسة بيومين فقط، والثاني بعنوان: (الرئيس مبارك بين الاختيار والاختبار) بالعدد 361 الصادر في 19سبتمبر 2005 بعد فوز مبارك برئاسة الجمهورية لأول مرة في تاريخ مصر بالانتخاب الحر المباشر، وقد هيأ الشعب نفسه لأن يستبشر خيراً بما وعد به مبارك طبقاً لبرنامجه الانتخابي والذي لو كان صدق فيه لما وصلنا لهذا الحال ولما حدث ما حدث.

       المهم كتبت التقريرين راصداً الواقع السياسي على الأرض المصرية مؤكدين فوز الرئيس مبارك لكثير من الأسباب لم تكن تتوافر إلا في غيره، وقلنا بكل أمانة كما بدا من عنوان التقرير: إن الرئيس مبارك سيكون في اختبار صعب بعد أن اختاره شعبه، فعليه أن ينفذ ما وعد به الشعب من توفير ملايين فرص العمل وحل مشكلات الإسكان والدخول بما يتناسب مع متطلبات الحياة وارتفاع الأسعار.. فقد وعد مبارك بزيادة الأجور بنسبة 100% وتوفير 4.5 ملايين فرصة عمل، وحين سئل عن كيفية تدبير الأموال لذلك رد بالحرف الواحد: «نحن قادرون على تحقيق ذلك، وبرنامجي الانتخابي مدروس ومحسوب التكاليف و قراءتي لمستقبل الموازنة العامة للدولة في السنوات الست القادمة تؤكد توافر التمويل اللازم لهذه التكاليف»، كما تعهد مبارك أثناء حملته الانتخابية عام 2005 ومن مدينة الإسكندرية تحديداً بمحاربة الفساد والقضاء عليه وإعادة الأموال المنهوبة لخزينة الدولة فهو يلمس شعور الشعب وضرورة الحفاظ على موارد الدولة وثروتها.

           وكنا في «الفرقان» قد كتبنا في نهاية تقريرنا أن انتخاب رئيس مصر القادم سيكون أكثر حرية وأكثر نزاهة وحيادية؛ لأن السيطرة الكاملة والإشراف التام سيكون من الشعب نفسه بعد أن أدرك المهمة وزاد وعيه وتأكد اختياره، فالانتخابات القادمة هي التي فيها القول الفصل وستختفي فيها المزايدات والرهانات وسيلتف الجميع حول القائد الحقيقي الذي لا يمني الشعب بوعود لا ينفذها.

       كتبنا هذا التقرير بمنتهى الجرأة والأمانة التي تقتضيها الكلمة الحرة وضمير المسلم الحر، ولا أخفي أنني وقتها كنت متردداً في إرسال هذا التقرير؛ لأنني أعرف جيداً أن مستشارنا الإعلامي القابع في السفارة المصرية يرصد كل ما يكتب عن مصر في جميع الصحف والمجلات الكويتية ويرسل بها تقريرا إلى الجهات المعنية والأمنية، ولا يخفى أن «الفرقان» ممنوعة من الدخول إلى مصر بحجة أنها مجلة إسلامية، وحين حاولنا فتح مكتب لها في مصر جاء رد المستشار الإعلامي المصري أن «الفرقان» مجلة إسلامية وأن سيادته رأى أنها لا تحتاج لمكتب في مصر.. فكنت أعلم أنه من السهل تتبعي واتهامي بالكتابة ضد نظام الدولة وحكمها وقائمة الاتهامات المعدة والمعروف سلفاً، خصوصاً أن «الفرقان» مجلة خارجية وإسلامية، ولكن لأنني آمنت بالله وحده ووثقت به وحده كتبت ما أملاه علي ضميري وقلت: الأرزاق على الله.

       اليوم وبعد هذه النتيجة كان حتماً لأي نظام بهذا الحجم من الفساد الذي لا يتصوره عقل ولا يتحمله قلب أن يسقط، فهو نظام لم يحترم شعبه ولم يقدره ولم يرحمه.

       في كل الأحوال وحين كتبنا التقرير الذي أشرنا إليه وحتى اليوم لا نتحدث بشماتة عن الرئيس السابق حسني مبارك أو بسوء أدب، فهذا ليس نهجنا، ولكن فقط عز علينا أن نرى رئيس مصر في هذا الوضع وأن يخرج بهذه الكيفية، ولاسيما أننا بوصفنا صحفيين كثيراً ما كتبنا وبصرنا وكشفنا عن الفساد ورؤوسه في مصر وخاطبنا الرئيس مرات ومرات ولا حياة لمن تنادي، واليوم يصل بنا الأمر أن نصبح ونرى مصر أم العرب على هذا الكم من الفساد الذي لم يسلم الرئيس السابق نفسه و عائلته من اتهاماته.

قصر مبارك

       الأمر الذي يدهش الإنسان أيضاً ما رأيناه في القصر الفخم الذي كان يقطن فيه الرئيس وكمية التحف والأنتيكات واللوحات والأشغال الذهبية والحجرات الواسعة ومدى الترف والبذخ الذي لم يعرفه أي حاكم في تاريخ الإسلام، ولو عرضنا لبعض الصور من هذا القصر فسنرى أنه ترف يرفضه الإسلام جملة و تفصيلاً، ولا ندري كيف لحاكم يطرف جفنه في هذا القصر المهيب وأكثر من نصف شعبه يعيشون تحت خط الفقر، بل نشرت وكالات الأنباء والصحف العالمية والمحلية صوراً لأبناء من الشعب المصري يبحثون عن طعامهم في مقالب القمامة!

       لقد سقط رأس النظام المصري؛ لأنه لم يكن صادقاً مع شعبه في كل ما وعد به على الأقل في الخمس سنوات الأخيرة، فلم يوفر فرصة عمل لشاب بمئات الجنيهات ليتزوج ويكون أسرة صغيرة في شقة صغيرة من مشروع مبارك القومي لإسكان الشباب الذي تاجر فيه رجال الأعمال أيضاً في الوقت الذي يحصل فيه عشرات من محظوظي النظام على ملايين الجنيهات شهرياً (وبالقانون) بما يعني أن أجر الواحد منهم يوظف آلاف الشباب، وتوهمنا الحكومة بأن فرص العمل أصبحت صعبة في الجهاز الحكومي وأن الزيادة السكانية تقف عائقاً أمام التنمية والعمل و الإسكان!

تسديد الفواتير

       لقد فشل مبارك وحكومته الفاسدة من محاسيب زوجته وابنه في تسديد فاتورة حملته الانتخابية التي أكدنا في تقريرنا على ضرورة دفعها للشعب، إلا أن الشعب هو الذي دفع كل شيء.. كما فشل مبارك بسياساته العنيدة في الحفاظ على تاريخه وسمعته العسكرية وإنجازات لم ينكرها الجميع، فشل في الخروج بشكل مشرف ولائق به، بعد أن ترك الأمور بيد زوجته وابنه لأكثر من 11 عاماً تنفيذاً لمخطط توريث الحكم.

       أردت تسليط الضوء على التقرير الذي نشرناه منذ أكثر من خمس سنوات بعنوان «الرئيس مبارك بين الاختيار والاختبار» وسط هذه الأحداث التي يتفجر جديدها يوماً بعد يوم لنعلن سقوط مبارك في الاختبار الذي بدأ في سبتمبر 2005 وسقوط نظامه في 28يناير بعد أن انسحبت الشرطة فارة من مواقعها أمام جموع الشعب الثائر.

الحاكم المثالي

        إن الأهم في الأمر هو التفكير والتحضير للمستقبل وأن يستوعب الجميع الدرس وأن يدرك أن الشعب قد استيقظ من سباته وأمسك بزمام أموره ولن يسمح بعد اليوم بالاستخفاف به ومقدراته، وعلى الرئيس القادم أن يدرك مواصفات الحاكم المثالي التي تستوجب حب شعبه له والتفافه حوله، وأن الشعب هو الوحيد الذي يحمي حاكمه وليس أي قوى أخرى مهما كانت قوتها، وهنا يقول أ.د/ حامد محمد أبوطالب، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية: لا شك أن ما نشاهده في هذه الأيام من اضطرابات في العالم العربي والإسلامي أمر مؤلم للغاية؛ ذلك أن تكاثر الظلم وانتشاره بين الناس يؤدي إلى حالات الاحتقان الموجودة في هذه الدول، وكما يقول ابن خلدون في مقدمته: «فإن الظلم مؤذن بخراب الأمم»، وقد سكتنا جميعاً على ما يحدث من ظلم في المؤسسات الحكومية، مما أدى إلى انتشار الظلم وأصبح في صورة كئيبة صارخة لا يطيقها بشر، إلى جانب أن الحاكم سواء اشترك في هذا الظلم أو سكت عنه أو لم يعلم به فهو على كل حال مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن هذا الظلم الذي وقع على العباد.

       ومن هنا فإني أقول لمن يشاء الحكم أن يرعى مصالح شعبه وأن يبادر بفتح أبوابه لسماع مظالم الناس سواء كان ذلك بالمقابلات الشخصية أو المراسلات أو بإتاحة الفرصة للكلام، مع قمع المؤسسات التي تحول دون وصول الشعب للحاكم أو التي تنكل بالشعب إذا وصل إلى الحاكم، بمعنى أن تزال الحواجز بين الحكام والمحكومين، فعلى الحاكم أن يعامل الشعب كأبنائه وأن يحب له كما يحب لنفسه وأبنائه، وأن يدرس مطالب الدخول وهل يكفي الأشخاص أم يضطرهم لمد أيديهم وتطلعهم للأموال الحرام بأي وسائل من الوسائل المحرمة، فلا شك أن الحاكم أيضاً مسؤول عن هذا ولا يعفيه منه شيء، ولا يقتصر عمله على تلقي التقارير التي يكتبها أعوانه وهكذا، فالحاكم المثالي يجب أن يكون قدوة لشعبه في الوضوح والشفافية والإعلان عن كل أمر، فليس هناك شيء يتسم بالسرية ونحو ذلك.

      ويقول أبوطالب: الحكام المسلمون الحقيقيون يمكن تلخيصهم في عبارة واحدة: «العدل في الحكم» و هي عبارة تشمل كل شيء من العدل في توزيع الوظائف والدخول.. إلخ.

الخبرة و العلم

      كما يشترط الفقه الإسلامي في الحاكم أن تتوافر لديه الخبرة بالدولة والعلم بالأحكام، فالأولى هي أقسام الدولة ونفقاتها وميزانيتها، والثانية هي معرفة الشرع حتى يعرف ما له وما عليه وكيف يتعامل محلياً ودولياً.

       وعن محاولات العلمانيين الدائرة حالياً لإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر لتشريع؛ بحجة ألا يكون مصدر التشريع في مصر لا دينا إسلاميا ولا مسيحيا باعتبار أن هذا يجعل الدولة دينية، قال أبوطالب: هذا الكلام في حكم المستحيل؛ لأن هؤلاء العلمانيين يلعبون بالنار عندما يمسون هذه المادة أو يتحدثون عنها، وقد رد شيخ الأزهر على هذا بعبارة قاطعة: إن هذه المادة بعيدة كل البعد عن التعديلات الجارية الآن وخط أحمر ممنوع الاقتراب منه، وإلا فسيكون وبالاً على كل من يتحدث فيه.

      نرجو الله أن يلطف بأمتنا وأن يحقن دماءها وأن يتعظ حكامنا  يستفيدوا من أشقائهم وجيرانهم وأن يصلحوا بقدر ما يستطيعون في الأيام القليلة القادمة؛ فالطوفان قادم لا محالة ولن يستطيع أن ينجو منه أحد، فقبل فوات الأوان عليكم أن تتداركوا يا حكام العرب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك