رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فلسطين - ميرفت عوف 12 نوفمبر، 2012 0 تعليق

تقرير الأمم المتحدة.. أول جرس إنذار يطلق من مؤسسة دولية بسبب الوضع المائي الخطير:أزمة المياة تتفاقم في غزة

التقرير كان بمثابة أول جرس إنذار يطلق من مؤسسة دولية ويتناول المخاطر الفعلية التي سيتعرض لها القطاع في عام 2020

 

 

 

 أهم مصادر تلوث المياه تكمن في تسرب مياه البحر الملوثة بحولي 90 ألف لتر من مياه الصرف الصحي سنويًا إلى المياه الجوفية

«المياه في بعض مناطق قطاع غزة غير صالحة للاستخدام الآدمي أو حتى ري الأراضي الزراعية»، عبارة كشف عنها تقرير الأمم المتحدة فصدمت الكثير ولاسيما أهالي سكان القطاع المحاصر.

التقرير تحدث عن إشكالية واضحة وملموسة لدى جميع شرائح المجتمع الفلسطيني من مواطنين ومزارعين ومتلقي الخدمة ومزوديها، إلا أن أحدًا لم يتوقع أن تُشير النتائج إلى تلوث المياه الجوفية بنسبة 90 -95% لتنهي الأمل لدى المؤسسات الفلسطينية العاملة في مجال تحلية المياه. خبراء المياه في قطاع غزة تحدثوا عن الأسباب المؤدية لذلك وأرجعوها إلى نقص الموارد المائية وعجزها عن تلبية احتياجات المواطنين، فضلاً عن نقص المياه المغذية للخزان الجوفي لأسباب كثيرة ومتنوعة تبدأ من الاحتلال ولا تنتهي عند ازدياد نسبة الاستهلاك في الآونة الأخيرة نتيجة تزايد عدد السكان وزيادة الاهتمام بالقطاع الزراعي.

     يعتقد بعضهم أن الحل الأمثل يكمن في الاتجاه إلى تحلية مياه البحر، فيما رأى فريق آخر ضرورة الإسراع بتحلية المياه الجوفية قبل حلول 2016، وأشاروا إلى أن المياه المعالجة قد تكون خيارا ناجعا لاستخدامها في الزراعة لزيادة حجم الاستفادة من المياه المنتجة من مشاريع التحلية المزمع تنفيذها.

     «الفرقان» ترصد في سياق التحقيق التالي، حالة المياه في قطاع غزة وتكشف عن بعض الحلول المقترحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تفاصيل الحياة الآسنة للمواطنين، فإلى التفاصيل:

     الفحوصات التي أُجريت على عينات المياه في مختلف المناطق في قطاع غزة أكدت على تلوثها وعدم صلاحيتها للاستخدام كونها تتنافى مع المعايير الدولية التي حددتها منظمة الصحة العالمية، ولاسيما فيما يتعلق بنسبة الكلوريد التي بلغت حوالي (3194.18 ملجم/ لتر)، ارتفعت بنسبة مذهلة عن الحد الأقصى الذي سمحت به المنظمة والمتمثل بـ(250 ملجم/لتر)، ناهيك عن ارتفاع تركيز النيترات في معظم آبار القطاع إلى 400 ملجم/لتر في حين أن المسموح به فقط 50ملجم/لتر فقط.

     خبير التحلية غسان القيشاوي أكد على أهمية التقرير الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة حول المياه في قطاع غزة، وجزم بصحة ومصداقية النتائج التي خرج بها التقرير، ولا سيما أن مؤسسات فلسطينية محلية كسلطة المياه أقرتها من قبل، يقول المهندس القيشاوي: «التقرير كان بمثابة أول جرس إنذار يطلق من مؤسسة دولية ويتناول المخاطر الفعلية التي سيتعرض لها القطاع في عام 2020 ولاسيما في ظل زيادة عدد السكان إلى 500 ألف نسمة».

     القيشاوي يلفت إلى أن الموارد المائية إذا ما استمرت على مواصفاتها التي كشف عنها التقرير من حيث الملوحة والتلوث فسيكون من المستحيل التعاطي معها مستقبلًا وستهدد حياة الإنسان والنبات، وكذلك التربية في ظل تأكيد التقرير على أن 90% من المياه الجوفية غير صالحة للشرب، وقال القيشاوي: «في ظل هذه المعطيات فإننا نتوقع أن تستحيل الحياة في غزة بحلول 2016 وليس 2020، مطالبًا الجهات المعنية بضرورة العمل على إيجاد حلول صحية آمنة لإعادة الحياة الإنسانية إلى طبيعتها في قطاع غزة.

غزة تحت البحر

     تقرير للأمم المتحدة كشف عن أن غزة بعد سبع سنوات سيكون من الصعب العيش بها بسبب تناقص كميات المياه التي هي أساس الحياة، عضو لجنة مياه بلديات الساحل المهندس نصر خضير يؤكد أن مشاريع مواجهة أزمة المياه في قطاع غزة من أهم المشاريع التي يمكن أن تضعها الحكومة على سلم أولوياتها في الوقت القريب.

     ويحذر خضير من التكاسل على أي مستوى في مواجهة تلك الأزمة، ويقول: «وصل البحر إلى معدل كيلو ونصف تحت الأرض في غزة، وإن لم تقم الحكومة بعمل محطات تحلية فسيكون الوضع خطيرا جدا»، ويبيَّن خضير أنه عند دخول البحر بمعدل أعلى مما هو عليه الآن (كيلو ونصف) يكون من المستحيل تحليتها وبالتالي تكون مكانا غير قابل للسكن والحياة، ويجعل عمليات التحلية تحتاج إلى تكنولوجيا أخرى.

     وقال: إنه من الصعوبة بمكان إنشاء محطات تحلية بشكل سريع لتفادي الأخطار التي يبرزها دخول البحر على الأراضي في قطاع غزة، مؤكداً أن عملية إنشاء محطة تحلية تستغرق ثلاث سنوات.

إشكالية واضحة

     تعد أزمة المياه في قطاع غزة إشكالية واضحة وملموسة لدى كافة شرائح المجتمع، فهي ملموسة بالنسبة لربات المنازل وللمزارعين، ولكافة متلقي الخدمة ، هذا ما يؤكده  رئيس مجموعة الهيدروجين رياض حسنية فيقول: إن مشكلة المياه في قطاع غزة هي مشكلة تراكمية زادت آثارها في الفترة الأخيرة بسبب نقص الموارد عن تلبية احتياجات المواطنين ونقص كمية المياه المغذية للخزان الجوفي .

     ويذكر حسنية أسباباً أخرى فيقول: أساليب الاحتلال في سرقة المياه والأنشطة الاستهلاكية المتزايدة في الفترة الأخيرة مع زيادة عدد السكان وزيادة الاهتمام بالنشاط الزراعي أيضا، كل ذلك زاد من مشكلة المياه.

     وفيما يتعلق بالحلول لمواجهة أزمة المياه ولاسيما ملوحتها ، تتمثل أهم  الحلول السياسية التي من المفروض أن تسعى للحصول على حقوقنا المائية في الضفة الغربية والأردن، كما أنه من ضمن الحلول تحلية مياه البحر فضلاً عن إمكانية معالجة كمية كبيرة من المياه يمكن استخدامها في مجال الزراعة وهي كميات كبيرة ومتزايدة .

أخطار قاتلة

     وأفضى تلوث المياه بنتائجه السلبية على صحة المواطن الفلسطيني في قطاع غزة، فانتشرت الأمراض المتعلقة بالجهاز التنفسي والأمراض الجلدية وكثير من أمراض العين والتهابات المعدة والأمعاء وغيرها.

     مدير عام الإدارة العامة للتعاون الدولي في وزارة الصحة بغزة د. محمد الكاشف قال: «العديد من الأمراض المنتشرة بين شرائح المواطنين المختلفة من أطفال أو نساء جميعها مرتبطة بالمياه الملوثة»، مؤكدًا أن المعطيات الإحصائية تشير إلى أن المياه التي تصل إلى المواطنين لا تتوافر فيها أي من المعايير الصحية المتعارف عليها في العالم.

     وأشار إلى أن أهم مصادر تلوث المياه تكمن في تسرب مياه البحر الملوثة بحولي 90 ألف لتر من مياه الصرف الصحي سنويًا إلى المياه الجوفية، ناهيك عن تلوث المياه بالنيترات بسبب استخدام الأسمدة في الأراضي الزراعية، وبيَّن أن مستويات النيترات تصل إلى 500 ملجم للتر الواحد في بعض المناطق، أو ما بين 100 و150 ملجم للتر الواحد في المتوسط، مقارنةً مع المعايير الدولية التي لا تتعدى 50 ملجم/لتر.

     إلى ذلك وفي إطار الحديث عن الأخطار القاتلة للمياه على صحة المواطن الفلسطيني كشف تقرير منظمة الأمم المتحدة للأطفال»اليونيسيف» أن ما يزيد على 26% من الأمراض المنتشرة في قطاع غزة ترتبط بحالة تلوث المياه، وبيَّن أن تلوث خزان المياه الجوفية بالنيترات يشكل تهديداً للأطفال الرضع والنساء الحوامل، لافتًا إلى انتشار مرض «متلازمة الطفل الأزرق» بين الأطفال، وقال: إن تزايد انتشار المرض يرتبط بالمياه الملوثة، ناهيك عن انتشار الإسهال الذي يرتبط -وفق تعبيره- بتدني معايير النظافة في المياه المستخدمة للشرب والأكل.

 حلول مستعجلة

     تتضافر الجهود الفلسطينية بالتعاون مع المنظمات الدولية لتنفيذ مشاريع تحلية المياه بأقصى درجة ممكنة للتخفيف من مأساة الفلسطينيين في قطاع غزة جراء تلوث المياه وعدم قابليتها للاستخدام الآدمي.

     وبحسب ما أفاد منذر شبلاق المسؤول في مصلحة مياه بلديات الساحل فإن الهيئات الرسمية المعنية تزمع عبر برنامج التحلية قصير الأمد تحلية 13 مليون لتر مكعب بحلول عام 2015، ويبيَّن أن البرنامج يستهدف المناطق الأكثر تلوثًا، وشدد على ضرورة أن يتم إنتاج ما لا يقل عن 100 مليون لتر من المياه العذبة بحلول عام 2020.

     ولم يكن بوسع الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة أن تنفذ المشروع بإمكانياتها المادية البسيطة؛ مما دعاها إلى التعاون مع البنك الإسلامي للتنمية والاتحاد الأوروبي اللذين وفرا جزءاً من التمويل المطلوب لتحقيق الهدف القصير الأمد، وبيَّن أن الاتحاد الأوروبي سيعمد إلى توسيع رقعة دعمه لتحقيق الهدف المتوسط المدى بإقامة محطة لتحلية المياه بسعة 55 مليون متر مكعب سنوياً في المرحلة الأولى، و110 ملايين متر مكعب في المرحلة الثانية.

     المهندس غسان القيشاوي يطالب بضرورة الاتجاه إلى تحلية مياه البحر في ظل المعطيات الخطيرة حول ملوحة المياه الجوفية وتلوثها، قائلًا: مياه البحر متجددة لا تنضب ناهيك عن أنها سهلة ممكنة، والتطور التكنولوجي في مجال تقنيات التحلية جعل تكلفتها منخفضة مقارنة بما سبق، وعقب: إن تكلفة تحلية لتر مكعب من مياه البحر باتت 0.4 من الدولار، ويبيَّن أن التكلفة مناسبة جدًا غير أنه قلل من إمكانية تطبيقها في قطاع غزة دون دعم دولي، والسبب وفق تقديره الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، ناهيك عن الوضع السياسي، لافتًا إلى أن تطبيق مشروع كهذا يحتاج إلى سياسات دولة.

     وحول آليات جديدة لحل الأزمة أكد القيشاوي أن الحل يكمن فقط في تحلية المياه، وقال: يمكن أن يكون حلولا دولية ولكنها تحتاج كما أسلفت إلى سياسات دولة، وكشف أن أحد الحلول تحدث عن عقد شراكة مع مصر لتوريد مياه سواء عن طريق مياه النيل أم من محطة تحلية ضخمة تخدم الطرفين تسمى محطات إقليمية، فيما تحدث حل آخر عن استيراد مياه من تركيا عبر أكياس عائمة، لكن الحلول وفق القيشاوي تحتاج إلى تكاليف باهظة وتحتاج إلى وضع اقتصادي مستقر.

     الحلول السابقة على الرغم من أنها تزرع الأمل في نفوس الفلسطينيين بإمكانية تحسين الوضع المائي في قطاع غزة إلا أنها لا تكفل علاج الأزمة جذريًا ولاسيما في ظل التوصية التي أكد عليها التقرير بتلوث نسبة 90% من المياه الجوفية، فمسألة معالجة المياه الجوفية ستستغرق عقودًا طويلة مما يجعل استمرار تأثير الوضع المائي في قطاع غزة على حياة السكان أكثر خطرًا، فبحلول 2020 من الممكن أن يفقد 500 ألف نسمة المصدر الرئيس للمياه العذبة المتمثل في خزان المياه الجوفية تحت المنطقة الساحلية ودخول حياتهم في مرحلة خطرة قد لا يمكن إصلاحها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك