رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ناظم المسباح 24 يونيو، 2015 0 تعليق

تفسير آيات الصيام (3) جواز الفطر حال المشقة من سفر ومرض وعليه القضاء في أيام أخر

يجوز الفطر حال المشقة من سفر ومرض وعليه القضاء في أيام أخر إذا زال المرض وانقضى السفر، قال الله تعالى:{أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة:184).

 

معاني المفردات:

(     أياماً معدودات): أي مؤقَّتات، أو قليلة العدد، غاية في السهولة، وهو أسلوب عربي يستعمل للتقليل من الشيء وتهوينه، مثل قولهم: «دراهم معدودة»، وجاء لفظ (أياماً) بصيغة النكرة، والنكرة تفيد القلة، وتفيد الكثرة، وتفيد العظمة، وتفيد الهون - بحسب السياق؛ ولما قرنت هنا بقوله تعالى: {معدودات} أفادت القلة. و{معدودات} من صيغ جمع القلة؛ لأن جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم من صيغ جمع القلة؛ يعني: فهي أيام قليلة(1).

- (فَعِدَّة): والعِدَّة فعلة من العدد، وهو بمعنى المعدود؛ لأن العدد والمعدود واحد، والمعنى: فعليه عدة، أو فالحكم عدة، أو فالواجب عدة، من غير أيام مرضه وسفره(2)

 (يطيقونه): يُطِيقُونَهُ يقدرون عليه ويتحملونه بمشقة وتعب؛ لأن الطاقة اسم للقدرة على الشيء مع الشدة والمشقة، والوسع اسم للقدرة على الشيء على جهة السهولة.

قال الراغب: والطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقة، وذلك تشبيه بالطوق المحيط بالشيء، ومنه: {رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ}. أي ما يصعب علينا مزاولته، وليس معناه: لا تحملنا ما لا قدرة لنا به.

- (فدية) جمعها (فِدَى) وهو بذل المال لتخليص النفس، ومنه: فداء الاسير(3)، ثم أطلق على ما يُقدَّم لله تعالى جزاءً لتقصير في عبادة.

وهي في الاصطلاح: ما يجب لفعل محظورٍ أو ترك واجب، وقيل: الفدية الجزاء وهو القدر الذي يبذله الإنسان، يقي به نفسه من تقصير وقع منه في عبادة ونحوها(4).

- (مسكين): المسكين، معناه في كلام العرب: الذي سكَّنه الفقر، أي قلل حركته. واشتقاقه من السكون؛ يقال: قد تمسكن الرجل، وتسكن إذا صار مسكيناً، وتمدرع، وتدرع: إذا لبس المدرعة أي الجبة وغالبا تكون من الصوف(5)

- (تطوع) التطوع تَفَعُّلٌ من الطاعة، وتَطَوَّعَ كذا: تَحَمَّلَه طَوْعًا، وتَكَلَّفَ استطاعته، وهو في اصطلاح العلماء ما تَبَرَّعَ به الإنسان من ذات نفسه مـما لا يلزمه وغير مفروض عليه(6).

المعنى الإجمالي:

      لما أخبر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أنه قد فرض عليهم الصوم وهو أعلم بما في نفوسهم من الضعف، أراد أن يخفف عنهم ويسليهم فقال إنما هي أيام قليلة غاية في السهولة يستطيع أن يتحملها الإنسان العادي، ثم جاء لهم بتيسير آخر وهو جواز الفطر حال المشقة من سفر ومرض، لكن لما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض، وانقضى السفر، وحصلت الراحة.

أما الذين يشق عليهم الصيام كالكبير والمريض مرضًا مزمنًا فعليهم فدية عن كل يوم طعام مسكين عوضًا عن فوات الصوم في وقته، وتحصيلا للحكمة من الصيام وهي تحقيق التقوى التي تتأتى من امتثال لأمر الله تعالى، وتحقيقًا لمبدأ العبودية لله تعالى.

مسائل وأحكام:

 المسألة الأولى: المراد بالأيام المعدودات

 في قوله:{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}.

ذهب العلماء في بيان المراد بها إلى مذهبين:

المذهب الأول: أنها غير رمضان، قيل هي ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء وذلك  لوجوه عدة:

أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ صَوْمَ رَمَضَان نَسَخَ كُلَّ صَوْمٍ»(7)؛ فدلّ هذا على أنَّ قبل رمضان كان صوماً آخر واجباً.

وثانيها: أنَّه تعالى ذكر حُكم المريض والمُسافر في هذه الآية، ثم ذكر حكمهما أيضاً في الآيَة الَّتي بعدها الدالَّة على صوم رمضان، فلو كان هذا الصَّوم هو صومَ رمضان، لكان ذلك تكريراً محضاً مِنْ غير فائدة، وهو لا يجوز.

وثالثها: قوله تعالى هنا: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}(البقرة: 184)، تدلُّ على أنَّ هذا واجبٌ على التخيير، إن شاء صام، وَإِنْ شاء أعطى الفدية، وأَما صوم رمضان، فواجبٌ على التعيين؛ فوجبَ أن يكون صَومُ هذه الأيام غير صوم رمضان.

والمذهب الثاني وهو اختيارُ جمهور المحقِّقين، وبه قال ابن عباس رضي الله عنه  من أن المراد بهذه الأيَّام المعدُوداتِ هو صومُ رمضان، لأَنَّهُ قال في أوَّل الآية الكريمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وهذا محتملٌ ليوم ويومين، وأيَّام، ثم بينه بقوله: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} فزال بعض الاحتمال، ثم بَيَّنه بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيْ أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ}(البقرة: 185)، فعلى هذا التَّرتيب يمكنُ أَنْ نجعل الأيَّام المعدوداتٍ بعينها صومَ رمضان، وإذا أمكن ذلك، فلا وجه لحمله على غيره وإثبات النَّسخ فيه؛ لأنَّ كل ذلك زيادةٌ لا يدلُّ عليها اللَّفظُ(8).

وقالوا: أما حديث: «إِنَّ صَوْمَ رَمَضَان نَسَخَ كُلَّ صَوْمٍ»، ضعيف لا يحتج به، وإن صح فإنه لا يدل على أن الصوم المنسوخ ليس رمضان بل يحتمل رمضان أو غيره وإذا تطرق الاحتمال إلى الدليل بطل الاستدلال به.

وأما تكرار ذكر المسافر والمريض في الآية الثانية؛ فحتى يبين أن حال المريض والمسافر ثابت في رخصة الإفطار ووجوب القضاء كحالها أولا، فإن حكم الصوم لما انتقل من التخيير إلا الإيجاب، قد يظن أن الإيجاب ينطبق أيضاً على المريض والمسافر مثل الصحيح والمقيم، فأعاد الله ذكر حال المريض والمسافر حتى يقطع هذا الظن ويبين أنهما على حالهما في الرخصة سواء في مرحلة التخيير أو الإيجاب والله أعلم(9).

- المسألة الثانية: صيام أهل الأعذار.

من قوله تعالى: {فمن كان مريضا أو على سفر}.

بعد أن ذكر الله فرضية الصيام في الآية الأولى، جاءت الآية الثانية كالاستثناء من قوله تعالى: {كتب عليكم}؛ لأن قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم}، يشمل المريض، والمسافر، والقادر، والعاجز.

ولقد قسمت الآية الأعذار إلى قسمين: عذر المرض، وعذر السفر.

وصنفت أهل الأعذار إلى صنفين: صنف يرجى زوال عذره، وصنف لا يرجى زوال عذره.

أما الصنف الأول الذي يرجى زوال عذره: فهو المسافر، أو المريض مرضا خفيفا يرجى برؤه، والحكم في هذا الصنف أن يفطر ما دام العذر قائما، فإذا ذهب العذر صام وقضى عن تلك الأيام التي أفطرها لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر}، ولا تجوز في حقه الفدية.

وأما الصنف الثاني الذي لا يرجى زوال عذره، فهو المريض مرضا مزمنا، أو الكبير في السن الذي لا يقوى على الجوع والعطش لكبر سنه؛ فهذا الصنف كتب الله له الفدية بدلا من الصوم

وهناك عذر ثالث لم تذكره الآية، وهو عذر الحيض والنفاس، والحامل أو المرضع إن خافت على نفسيهما أو ولديهما، ويلحق أهل هذا العذر بالصنف الأول الذي يرجى زوال عذره؛ لأنه عذر مؤقت.

- المسألة الثالثة: ضابط المرض والسفر

من قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر}  ذكرت الآية عذرين من أعذار الفطر وهو المرض والسفر، وكلا هذين العذرين يجمعهما حصول الضرر على المكلف، لكن الضرر قد يتفاوت من حالة لأخرى ومن شخص لآخر.

- أولا: المرض المبيح للفطر:

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: فإذا قال قائل: ما مقياس الضرر؟

قلنا: إن الضرر يعلم بالحس، وقد يعلم بالخبر؛ أما بالحس: فأن يشعر المريض بنفسه أن الصوم يضره، ويثير عليه الأوجاع، ويوجب تأخر البرء، وما أشبه ذلك.

وأما الخبر: فأن يخبره طبيب عالم ثقة بذلك، أي: بأنه يضره؛ فإن أخبره عامي ليس بطبيب فلا يأخذ بقوله، وإن أخبره طبيب غير عالم، ولكنه متطبب، فلا يأخذ بقوله، وإن أخبره طبيب غير ثقة فلا يأخذ بقوله.

وهل يشترط أن يكون مسلماً لكي نثق به؛ لأن غير المسلم لا يوثق؟

     فيه قولان لأهل العلم، والصحيح أنه لا يشترط، وأننا متى وثقنا بقوله عملنا بقوله في إسقاط الصيام؛ لأن هذه الأشياء صنعته، وقد يحافظ الكافر على صنعته وسمعته، فلا يقول إلا ما كان حقاً في اعتقاده، والنبي صلى الله عليه وسلم وثق بكافر في أعظم الحالات خطراً، وذلك حين هاجر من مكة إلى المدينة استأجر رجلاً مشركاً من بني الدَيَّل، يقال له: عبد الله بن أريقط؛ ليدله على الطريق وهذه المسألة خطرة؛ لأن قريشاً كانت تبحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وجعلت مائة ناقة لمن يدل عليه، ولكن الرسولصلى الله عليه وسلم كان واثقاً منه، فدل هذا على أن المشرك إذا وثقنا منه فإننا نأخذ بقوله(10).

وقال في موضع آخر -رحمه الله-: (وللمريض حالات:

الأولى: أن لا يضره الصوم، ولا يشق عليه؛ فلا رخصة له في الفطر.

الثانية: أن يشق عليه، ولا يضره؛ فالصوم في حقه مكروه؛ لأنه لا ينبغي العدول عن رخصة الله.

الثالثة: أن يضره الصوم؛ فالصوم في حقه محرم؛ لقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً}(النساء: 29)(11).

ثانيا:السفر المبيح للفطر: مذهب جمهور العلماء أن المسافة التي يفطر فيها الصائم ثمانية وأربعون ميلاً، وتقدير ذلك بالكيلو متر نحو ثمانين كيلو متر تقريباً(12). وذهب بعض العلماء إلى أن السفر لا يحدد بمسافة معينة، بل المرجع في ذلك إلى العرف، فما عده الناس في العرف سفراً فهو السفر الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية كالجمع بين الصلاتين والقصر والفطر للمسافر(13).

وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي[ لم يحدد مسافة معينة(14).

الهوامش:

1 - التفسير الثمين لابن عثيمين 2/320.

2 - فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان 1/364.

3 - معجم لغة الفقهاء 1/80.

4 - تاج العروس 39/220.

5 - انظر الزاهر في معاني كلمات الناس1/127.

6 - انظر غريب الحديث لابن قتيبة 1/229، معجم مقاييس اللغة 3/431.

7 - رواه مالك في الموطأ برقم (662) والبيهقي في السنن الكبرى برقم (19020)، قال عنه الألباني (ضعيف جدا) انظر السلسلة الضعيفة (904).

8 - انظر اللباب في علوم الكتاب لسراج الدين النعماني الحنبلي 3/256 (بتصرف).

9 - انظر تفسير الرازي 5/242.

10 - الشرح الممتع على زاد المستقنع 6/330.

11 - التفسير الثمين 2/95.

12 - وقيل 85 كيلومتراً، وقيل 86.6 كيلوا متراً.

13- الموسوعة الفقهية الكويتية 25/28.

14 - انظر مجموع الفتاوى 24/109.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك