رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علي صالح طمبل 15 مارس، 2016 0 تعليق

تفريغ الدعاة: هل من مجيب؟!

جاء في كتاب (البصائر والذخائر: 7/118) لأبي حيان التوحيدي أن يحيى البرمكي كان ينفق على سفيان الثوري كلّ شهرٍ ألف درهم، فسمع يحيى سفيان يقول في سجوده: «اللهم، إنّ يحيى كفاني أمر دنياي فاكفه أمر آخرته». فلما مات يحيى رآه بعض إخوانه في منامه فقال له: ما صنع الله بك؟ فقال: «غفر لي بدعوة سفيان».

فهذا سفيان الثوري العالم الجليل ما كان له أن يصل إلى ما وصل إليه من علم وفضل بعد عون الله -تعالى- لو لم يجد من يفرِّغه لطلب العلم ودعوة الناس.

     حين افتقد دعاتنا إلى من يفرِّغهم، لم يخرج فيهم علماء مجتهدون، ولا دعاة متميزون، إلا من رحم الله تعالى، ومع تعقد الحياة وزيادة احتياجاتها حاول الكثيرون التوفيق بين واجب الدعوة ومتطلبات الحياة، ولكن محاولاتهم لتوفير لقمة العيش الكريم كانت خصماً على طلب العلم ونشاط الدعوة، فكم من فقيه حاذق افتقده الناس في الدروس ليجدوه في الأسواق! وكم من خطيب مفوَّه فارق المنابر حين شغله طلب الرزق! وكم من إمام حسن الصوت ما عاد يؤم الناس حين لم يجد ما يسد رمقه!

     قد يقول قائل لماذا نفرِّغ الدعاة؟ ألا يمكن  أن يشتغلوا في مهن أخرى، ويمارسوا الدعوة إلى جانبها؟ فنقول له هذا ما يحدث فعلياً، إذ إن أغلب دعاة اليوم أصحاب مهن وحرف وصناعات، لكن ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي أن الدعوة لم تؤتِ ثمارها المنشودة؛ بحيث تحدث تغييراً جذرياً في المجتمع على مستوى العقيدة والأخلاق والسلوك.

     ثم إن الدعوة لم تعد كسابق عهدها، بل صارت مجالاً من المجالات التي تشهد حراكاً دائباً وتطوراً مستمراً من حيث الأساليب والوسائل، ومن حيث القضايا التي تعقدت بتعقد المجتمعات ونموها وظهور مشكلات ونوازل جديدة ولَّدتها العولمة والتقنيات الحديثة؛ مما يستدعي تفريغ دعاة يستطيعون التصدي لكل ما يطرأ من معضلات ومستجدات.

والمراقب لشأن الدعوة في بلادنا يلاحظ غياب التفريغ الكامل للدعاة، فليس هناك جهة تفرِّغ الداعية ليستزيد من العلم الشرعي ويرفع مقدراته، وينمِّي مواهبه، ومن ثم يوظِّف وقته ويسخِّر كل إمكاناته العلمية والعقلية للدعوة والإرشاد.

وحتى ما نجده اليوم من رواتب تقدمها -مشكورة- بعض الجهات الحكومية للدعاة، أو كفالات تمنحها بعض المنظمات والجمعيات الخيرية مأجورة، ما هي في حقيقتها سوى إعانات تغطي جانباً يسيراً من احتياجات الداعية، ولا تكفي لتفريغه وانشغاله بالدعوة.

     ولو كان هناك تخطيط استراتيجي وقراءة كلية لقُدِّمت مشروعات الدعوة على كثير من المشروعات التي تضعها الجهات الحكومية والمنظمات والجمعيات الخيرية اليوم على رأس اهتماماتها، مع أن هذه المشروعات لا تعدل في الأهمية معشار ما يشكله أمر الدعوة من أهمية؛ لأن صلاح أمر الدعوة يعني صلاح أمر الدين، وصلاح أمر الدين يعني صلاح أمر الدنيا، ولكننا حين أهملنا أمر ديننا الذي فيه الهداية والرشد، لم نفلح في دين ولا دنيا!

     إن الإنفاق على الدعوة من أفضل القربات إلى الله جل وعلا؛ لأن الدعاة هم الذين يربطون الناس بخالقهم جل وعلا، ويأخذون بأيديهم إلى ما يصلحهم في دينهم ودنياهم، يصحِّحون عقائدهم، ويقوِّمون سلوكهم، ويخرجونهم – بإذن الله تعالى – من ظلمات الجهل والضلال إلى نور الهدى والرشاد.

     ويكفي في فضل العلم والعلماء قول نبيِّنا صلى الله عليه وسلم : «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، وإن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير» رواه الترمذي (2685)، فهل من جهات وشخصيات تستجيب فتشمِّر لهذا الأمر وتتصدى لتفريغ الدعاة؛ فتفوز بأجرهم وأجر من هداهم الله بهم؟«فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» رواه البخاري (3498).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك