رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالباقي خليفة 8 ديسمبر، 2014 0 تعليق

تـونــــس في الحـد الفاصـل بين الحرية والاستبداد

خيارات الأحزاب والناخبين: بين منظومة قديمة قامت عليها الثورة، ومسكونون بالثورة والإصلاح لم تسعفهم الظروف لتحقيق أهداف الثورة

المراقبون الدوليون استغربوا غياب المناظرات بين المرشحين للرئاسة. زاد الأمر غرابة رفض السبسي إجراء مناظرة مع المرزوقي

 

بدأ العد التنازلي لإجراء الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية التي سيخوضها كل من رئيس حزب نداء تونس، الباجي قايد السبسي، والرئيس الحالي، محمد منصف المرزوقي، التي لم يتحدد موعدها النهائي وإن كانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قد توقعت إجراءها قبل نهاية الشهر القادم في 14 أو 21 أم 28 ديسمبر 2014 م. وكان 70 مرشحا قد أعلنوا ترشحهم للانتخابات وتقلص العدد إلى 27 مرشحا، انسحب منهم 5 مرشحين على مراحل وخاض 22 مرشحا الانتخابات فعليا لكن القليل منهم تجاوز سقف الـ3 في المائة.

     أصوات في الميزان: انحصار السباق بين المرزوقي والسبسي، سيدفع بقية المرشحين إلى الانحياز لأحد الطرفين دون ضمان أن يأتمر جميع ناخبيهم بأمرهم. وقد بدأ الخلاف بين بعض قادة هذه الأحزاب حول المرشح الذي سيدعمونه في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. ولا سيما الجبهة الشعبية، اليسارية التي صرح بعض قادتها أنهم لن يدعموا محمد منصف المرزوقي، دون أن يؤكدوا دعمهم للسبسي، في حين قال قادة آخرون من الجبهة نفسها التي تضم 9 أحزاب، أن مجلس الأمناء سيجتمع ليقرر موقفه من مسألة دعم أحد المترشحين في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية.

     وحتى في حال قررت الجبهة الشعبية دعم الباجي قايد السبسي، فإن أغلب قواعد الجبهة قد تنتخب المرزوقي، أو تمتنع عن التصويت. بينما سيختار ناخبوا رجل الأعمال سليم الرياحي الذي حصل على أكثر من 5 في المائة من الأصوات المرزوقي على الأرجح وهو ما ينطبق أيضا على ناخبي الإعلامي الهاشمي الحامدي الذي حصد أكثر من 4 في المائة معظمهم من أهالي سيدي بوزيد. ولا يمكن تأكيد هذه القراءات؛ لأن عوامل كثيرة تتحكم في العملية الانتخابية، ونوايا التصويت التي توصف بالرمال المتحركة، من بين هذه العوامل، المال (شراء الأصوات) والتأثير المعنوي للشخصيات الاعتبارية على الناخبين، فضلا عن تأثير وسائل الإعلام. لكن المؤكد أن الذين صوتوا لكثير من المرشحين دون سقف ال3 في المائة سيصوتون للمرزوقي ولا سيما من كانت لديهم ميولات نضالية أو حقوقية أو قومية، مثل مصطفى بن جعفر، وأحمد نجيب الشابي، وقيس سعيد، وعبد الرؤوف العيادي. ويمكن أن ينحاز للسبسي من كانت لديهم خلفيات تجمعية (حزب التجمع المنحل) مثل الذين صوتوا لمنذر الزنايدي، أو كمال مرجان، أو عبدالرحيم الزواري (من الوجوه التجمعية).

     خيارات الأحزاب والناخبين: بين منظومة قديمة قامت عليها الثورة، ومسكونون بالثورة والإصلاح لم تسعفهم الظروف لتحقيق أهداف الثورة، هكذا يجد الناخبون ولا سيما الشباب أنفسهم بعد الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ولا خيار لهم سوى انتخاب الماضي الذي ثاروا عليه أو المستقبل الذي خابت آمالهم في راهنهم وإن كان لم يحظ بما يكفي من الزمن ليحقق وعوده.

نتائج الانتخابات التي منحت الباجي قايد السبسي أكثر من 39 في المائة والرئيس الحالي محمد منصف المرزوقي أكثر من 33 في المائة، تجعلنا نتساءل عن مصير ما يقرب من نسبة ال 30 في المائة من الأصوات الأخرى المتبقية في كامل البلاد.

     الجنوب المهمش، في معظمه انتخب محمد منصف المرزوقي، والشمال الغربي المهمش، انتخب في معظمه السبسي، حالتان متطابقتان أفرزتا نتيجتين مختلفتين. التهميش دفع الجنوب إلى الثورة والانتصار لأهداف الثورة رغم العثرات التي أعقبتها، ودفع الشمال الغربي (بعضهم) لمد يده للمنظومة السابقة (شراء الأصوات) وداوها بالتي كانت هي الداء. وفضل الساحل انتخاب من وجد مصالحه متطابقة مع واقعه. أو كما ردوا في إذاعة (موزاييك) التي أسستها ابنة المخلوع بن علي «أنتو شعب واحنا شعب».

     الأحزاب السياسية والمرشحون في الانتخابات الرئاسية الذين سقطوا في الانتخابات الرئاسية لزموا الصمت، وبعضهم صمت صمت القبور ما عدا الجبهة الشعبية، تقريبا، التي يرى بعض قادتها أن المنظومة السابقة العائدة باستبدادها، بقمعها، باحتكارها للسلطة والثروة أقرب إليهم من الآخرين. وغلبوا تصوراتهم الذهنية على ما يسمعون ويشاهدون في الواقع الموضوعي.

المراقبون الدوليون استغربوا غياب المناظرات بين المرشحين للرئاسة. زاد الأمر غرابة رفض السبسي إجراء مناظرة مع المرزوقي.السبسي 89 سنة لم يتعود على المناظرات في حياته السياسية وإنما على السمع والطاعة وبيت الطاعة ويبدو أنه لا يريد أن يسن سنة ديمقراطية كما هو العالم الديمقراطي.

     المناظرات بين المتنافسين السياسيين ولا سيما في الانتخابات الرئاسية من التقاليد الديمقراطية التي تتيح للناخبين معرفة قدرات المرشحين ومدى استعدادهم لتحمل المسؤولية فبأضدادها تتمايز المواقف. في فرنسا، في الولايات المتحدة الأمركية في (اسكوتلندا)، وبقية دول العالم الديمقراطية تتم المناظرات بين المتنافسين وتكون إحدى موجهات نوايا التصويت ما عدا تونس يرفض السبسي المناظرة مع المرزوقي، وعلق ذلك بأنها «ستكون نطاح كباش» وقد يستمر السبسي في رفض مقترح منافسه ويحرم بذلك التونسيين من أول مناظرة في التاريخ السياسي الحديث في تونس.

الشباب لا يزال عازفا عن الانتخابات ولا توجد مؤشرات على أنه سينخرط في الدورة الثانية، والثورة التي أشعلها الشباب تحتاج لمعجزة وإلا تحولت إلى تلة يتربع فوقها العجائز.

     أسابيع قليلة وربما أيام تفصلنا عن الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، تبدو كافية ليراجع التونسيون مواقفهم وليحددوا وجهتهم وإلى أين هم ذاهبون؟ إلى الحرية التي منحتها لهم الثورة،أم إلى سياسة التخويف وتكميم الأفواه باسم الحفاظ على الأمن، وسياسة محاكمة النوايا، والمؤاخذة القضائية على الهوية. إلى التنمية أم العيش في أحداث الإرهاب، واتهامات الإرهاب، وتهديدات الإرهاب، وحل الأحزاب والجمعيات، إلى الدولة البوليسية التي تمنعك حتى من الحديث عن غلاء الأسعار، وتمنع الصحافي من أن يسأل بالطريقة التي يريد وطرح ما يريد من أسئلة، وترهيبه ماديا ومعنويا ونفسيا.

في السابق كان المسؤول عن المظالم هو رأس النظام ومن يتعاون معه من أمنيين ومخبرين،أما في حال عادت منظومة الاستبداد عبر صناديق الاقتراع فإن من يتحمل المسؤولية مع الأطراف السابقة هم الناخبون، وقد يكونون من الأقرباء المقربين والأصدقاء والزملاء وبقية عامة من انتخبوها.

     تهديدات الحريات ليس كلاما بل تصريحات بدرت من قادة حزب نداء تونس، هناك رفض من قبل السبسي لهيئة الحقيقة والكرامة وهي هيئة دستورية يسعى لإفراغها من محتواها إذا لم يتمكن من حلها كليا كما طالب. هناك حديث عن أحزاب يجب أن تحل، وجمعيات يدعو بعض قادة نداء تونس لإغلاقها. رؤوس الاستبداد تطل بنواصيها من جديد وأمام الشعب فرصة للتفكير والتدبير وتقرير المصير، ليس مصير من ينتخب فحسب بل مصير شعب وثورة وأجيال ستعلن من خانها.

     توقعات الدورة الثانية : تتميز الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية بين المرزوقي والسبسي، بالوضوح التام أمام الناخب فهو سيختار بين متنافسين اثنين، عكس الدورة الأولى التي اتسمت بكثرة المرشحين، والتي شوشت على الكثيرين اتجاهات التصويت لديهم فحاول بعضهم الخروج من الثنائية القطبية -إن صح التعبير- ولو على المستوى المحلي؛ حيث إن هناك 30 في المائة من الناخبين صوتوا لغير السبسي والمرزوقي. وهذه النسبة التي تزيد أو تنقص عن الثلاثين في المائة سيكون لها موقف حاسم في الدورة الثانية من الانتخابات. ومن المعروف أن الذين صوتوا لليساري حمة الهمامي(7.3 في المائة) والذين صوتوا لرجل الأعمال سليم الرياحي(5.4 في المائة) والذين صوتوا للهاشمي الحامدي(3.4 في المائة) ليسوا من أنصار المنظومة السابقة التي تكتلت وراء الباجي قايد السبسي، لدرجة أن هناك مرشحين انسحبوا من السباق الرئاسي لصالحه، فإنه من المتوقع أن يصوتوا لمحمد منصف المرزوقي في الدورة الثانية،أو على الأقل الأغلبية الغالبة منهم. وبهذا يمكن الاعتقاد بأن منصف المرزوقي سيفوز في الانتخابات الرئاسية، أي في الدورة الثانية التي ستُجرى الشهر القادم، مع امكانية حدوث مفاجآت؛ حيث يشبه كثيرون عملية التصويت بالرمال المتحركة التي يصعب تحديد اتجاهها.

محمد منصف المرزوقي، قد يفوز في الدورة الثانية، نتيجة لخارطة الانتخابات في الدورة الأولى، فكثير من الناخبين أرادوا الخروج من الاستقطاب الثنائي (الواعين)، والبعد عن المتخاصمين وهذا يشمل الأميين وأشباه الأميين.

من الصعب أن ينضم أصحاب المراتب الثالثة والرابعة والخامسة إلى الباجي قايد السبسي، وهو أمر مستبعد نظرا للخلافات الجوهرية بين هذه الأطراف والباجي قايد السبسي، في الوقت الحاضر على الأقل. 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك