رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إيهاب شاهين 22 مارس، 2018 0 تعليق

تغريب المجتمعات المسلمة

 

التغريب مصطلح يعنى به صبغ المجتمعات الإسلامية بالصبغة الغربية في مجالات الحياة كلها - التعليم - الاقتصاد - الأسرة - اللباس والطعام.. وغيرها، ومن يطالع تاريخ الإسلام منذ أن بعث الله -عزوجل- به محمدا صلى الله عليه وسلم يرى ظاهرة واضحة كل الوضوح, وهى أن الإسلام ما برح يخوض معارك متعددة النواحي, وهذه المعارك تستهدف القضاء عليه أو تشويهه أو صرف المسلمين عنه, وتتسم هذه المعارك من جهة أعداء الإسلام بالتنظيم والدقة والكيد المحكم، بينما تتسم هذه المعارك من جهة المسلمين بالغفلة والبراءة والرد العفوي الذي لم يسبقه تنظيم أو هجوم مضاد, ولولا أن الله -عز وجل- تكفل بحفظ هذا الدين لكانت بعض مؤامرات أعدائه كافية في القضاء علي هذا الدين ومحو أثره.

     ومن الواضح أن هذه المؤامرات تلبس في كل عصر اللباس الذي يناسبها؛ فإذا كان المسلمون أقوياء ترى المؤامرات تأخذ طريق التهديم الفكري والأخلاقي والاجتماعي، وإذا كان المسلمون ضعفاء تراها تأخذ طريق الحرب والتجمع وتستهدف القضاء والإبادة، وإذا فشلت طريق الحرب انقلبت إلى التهديم الفكري والعمل علي تغريب مجتمعات المسلمين، وينطلي ذلك على عقول بعض المسلمين فيحدث الانحراف شيئا فشيئا عن أصول الدين وعقائده ومبادئه فينبت داخل سور الإسلام نابتة تحارب الإسلام في أصوله، ويحدث صراعا داخليا هدفه القضاء على الأصول والثوابت, وتظهر الصورة وكأن أعداء الإسلام لا علاقة لهم بهذا التهديم والتخريب, وإن كانوا هم في الأساس من يدير دفة هذا الصراع. فكان العمل علي تغريب المجتمعات الإسلامية من أهدافهم الأساسية.

حرب التهديم والتخريب

     بعد أن أيقن الغرب أن حرب التهديم والتخريب- الخاسر فيها في المقام الأول هو الغرب نفسه - حتى لو حقق مكاسب وقتيه - فمآلها إلى الهزيمة- لأنها حرب عقدية يضحي فيها المسلم بكل غال ونفيس وممكن ومستطاع، وتعود به في أثناء هذه الحرب ونهايتها إلى دينه والتمسك بمبادئه؛ ولذلك لجأ الغرب في محاولات دامية لإسقاط هذه العقيدة من قلوب المسلمين فلجؤوا إلى الحرب الفكرية، ولها صور وأنماط شتى، من هذه الحروب السعي إلى هذا الموضوع الذي نحن بصدده «تغريب المجتمعات الإسلامية».

     والغرض منها إخراج المسلمين من مقومات فكرهم وأهمها مقومات الإسلام، ثم إخراج الإسلام من مقوماته، ومن باب تسمية الأمور بغير مسمياتها لخداع عامة الناس بالمصطلحات البراقة - أطلقوا على مصطلح التغريب مسميات أخرى، حتى يلقى قبولا عند أغلب المجتمعات الإسلامية، مثل (التطور والتقدم - المدنية الحديثة - التنوير - الحياة الجديدة).

عراقة الإسلام وقيمه

      وحتى تصبغ المجتمعات بهذه الصبغة كان لابد أولا من إيجاد قناعة ذهنية لدى المجتمع الإسلامي بهذه الأفكار حتى يتم قبولها ويدافع عنها, ولا يتأتي ذلك إلا بهدم عراقة الإسلام وقيمه ومبادئه وهدم رموزه في القلوب والعقول، وبدأ هذا الأمر بتشويه التاريخ الإسلامى وانتقاص الدور الذي قامت به الحضارة الإسلامية بقصد إيجاد شعور بالنقص في نفوس المسلمين، والشعور بأنهم بحاجة للخروج من عقدة النقص أو كما يسمونها عقدة الخواجة، والنظر إلى الغرب دائما بعين الإكبار والانبهار، وكانت هذه هي بدايات تغريب المجتمعات الإسلامية.

الإسلاميون الجدد

      ويتمثل هذا التغريب في صور شتى منها: الإسلاميون الجدد الذين يظهر في خطابهم وإنتاجهم الفكري سمة واضحة: هى خلو الخطاب الإعلامي والإنتاح الفكري من التصدي للتيارات الليبرالية والعلمانية (التنويرية) وفي الوقت ذاته نقد السلفية الأصيلة، ثم يركز في خطابه على التنوير ووسطية الإسلام بفهمه هو،الخالية من التمسك بالعقائد والأحكام؛ لكي يظهر المنهج السلفي الأصيل وأتباعه المتمسكين بمبادئه وأسسه والحفاظ علي هويتهم في صورة المتطرف البدائي والرجعى العقيم في فهمه للتمسك بالدين يظهره في صورة المعوق عن التقدم المجتمعي والسياسي والتكنولوجي وغير ذلك من أساليب التشويه.

التنويريون

      بينما يظهر التنويريون في صورة المتسامح المثقف المطلع على الثقافة الغربية، الذي يريد لوطنه التقدم والانفتاح والتطور مع كونه مستعدا لتقديم تنازلات دينية وغض الطرف عن مبادئ وثوابت أساسية؛ فلا عجب عندئذ أن ترى الفنانة الفلانية أو الراقصة العلانية تتكلم عن وسطية الإسلام وسماحته وهي لم تلتزم في شكلها ومظهرها بمبادئ الإسلام وأصوله، وتجد من يدافع عن رؤيتها هذه وينميها ويحميها, وتجد العبارات الرنانة التي أصبح يرددها بعضهم دون الوعي الكامل لمعانيها، (المهم الجوهر)، (المهم هو ما بين العبد وبين الرب)، في عبارات كثيرة يتضح فيها فصل الإسلام عن مجالات الحياة فصلا تاما.

      ولا عجب أن ترى الأستاذ الفلاني الذي لا يعرف له تاريخ في طلب العلم ولا دراسة له يتكلم في كبار علماء الإسلام، ويقع فيهم بالهمز واللمز حتى يسقط هيبتهم المستقرة في قلوب الناس, بل ويتهمهم بالفهم العقيم البدوي القديم الجامد الذي يقف على ظاهر النصوص وينسى روح النص «وهي تعني التفسخ من القيم والأحكام الإسلامية بكل معانيها» وعدم الانفتاح على الحضارات ومواكبة التقدم والمدنية, وهذه حيلة غربية خبيثة لإظهار أصحاب المنهج السلفي في صورة سيئة منفرة.

حقيقة المنهج السلفي

      ومن يعرف حقيقة المنهج السلفي الذي هو الفهم الصحيح للإسلام يعي جيدا كذب هؤلاء وخبثهم, فهذه الحرب الضروس على الإسلام بمنهجه الصافي؛ لأن الغرب وأذنابهم أخوف ما يكون من هذا المنهج المبارك الذي لا يقبل الاحتواء أو التفريط أو التحوصل في مكان ما بعيدا عن الحياة، وهذا يمثل خطرا داهما عليهم؛ لأنه يقود الناس في قطار سريع يصلهم مباشرة بين الواقع ومصادر التشريع وفى هذا إسقاط لإمبراطوريتهم، وهذا ما يخشونه أشد الخشية؛ فكان الخيار مع فشل الاحتواء الإقصاء والاستبدال بالتيارات التنويرية الجديدة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك