رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أميرة ترنكا أوزونوفيتش 18 فبراير، 2014 0 تعليق

تعليم العربية في البوسنة عبر التاريخ- اللغة العربية ومكانتها في النظام التعليمي في البوسنة والهرسك (1-2)



العربية كانت تدرس كوسيلة لقراءة القرآن الكريم وفهمه ودراسة بعض المواد الأخرى ولم تكن تُدرس بوصفها مادة في حد ذاتها

النظام التعليمي عموما يمثل مرآة للدولة؛ فنرى في هذه المرآة الخصوصيات السياسية والتاريخية والاقتصادية والعلمية والثقافية لهذه الدولة، ومن المعلوم أن البوسنة والهرسك قد مرت بعدة مراحل تاريخية وظروف سياسية خاصة، كان لها انعكاسات سلبية عدة على مختلف مناحي الحياة، ومن بينها النظام التعليمي التربوي الذي كان عبارة عن نظام مستورد بطريقة إجبارية من بلغراد، طيلة المرحلة الاشتراكية التي امتدت طوال 45 سنة.

ونشير إلى أن البوسنة قد مرت بمراحل تاريخية عدة قبل المرحلة الاشتراكية؛ حيث كانت دولة مستقلة من القرن 12 إلى القرن 15، ثم أدمجت تحت لواء السلطة العثمانية في الفترة الممتدة من القرن 15 إلى القرن 19.

بعد ذلك انضمت إلى الإمبراطورية النمساوية الهنغارية لسنوات عديدة تقدر بأربعين سنة، ثم تحولت إلى جمهورية في إطار الاتحاد الفيدرالي اليوغسلافي، لتصبح بعد ذلك دولة مستقلة ذات سيادة.

ويمكن القول: إن النظام التعليمي الحالي في البوسنة والهرسك عبارة عن مزيج من الخصوصيات التاريخية المميزة لكل مرحلة مرت بها، فضلا عما تركته هذه الخصوصيات من آثار على التربية والتعليم عموما.

     لا بد من ذكر أن البوسنة الحالية منقسمة إلى قسمين، فيديرالية البوسنة والهرسك، وجمهورية صرب البوسنة. وهذا المقال عن مكانة اللغة العربية بوصفها مادة دراسية في النظام التعليمي في فيديرالية البوسنة والهرسك، وجدير بالذكر أن النظام التعليمي في جمهورية صرب البوسنة لا يتضمن هذه اللغة بوصفها مادة دراسية لأسباب سياسية.

وبالرغم من كل هذا فكان للغة العربية مكانة خاصة في النظام التعليمي الذي كان يتابعه المسلمون في البوسنة في الكتاتيب والمدارس الدينية الثانوية، بل وحتى كانت تدرس من حين إلى حين في المدارس الحكومية بوصفها لغة أجنبية أولى أو ثانية.

ونضيف إلى ذلك أنه يوجد في سراييفو قسم خاص باللغة العربية في كلية الآداب(1) أنشئ في الفترة الاشتراكية وتكوّن فيه أساتذة ومدرسو اللغة العربية.

     وقبل أن نقدم خصوصيات تعليم مادة اللغة العربية في البوسنة والهرسك نود تقديم صورة موجزة عن مراحل تطور النظام التعليمي؛ حيث سنستعرض نبذة تاريخية عن كل مرحلة وما صاحبها من تغيرات، كما سينصب تركيزنا على المدة ما بين 1990 و1995، نظرا للتغيرات الجذرية التي عرفتها هذه المرحلة وما سادها من ممارسات كانت لها انعكاسات إيجابية وسلبية على التربية والتعليم.

تعليم العربية في مرحلة الحكم العثماني (1463-1878م)

أصبحت دولة البوسنة والهرسك تحت لواء السلطنة العثمانية سنة 1463م التي كانت تستهدف تحقيق تطور حضاري حقيقي.

     في هذه الفترة، التي استمرت أربعة قرون، حاولت الحكومة وضع أسس للنظام التعليمي في جميع المراحل الابتدائية والثانوية، كما سعت إلى تأسيس مدارس عليا وجامعات تدرس فيها اللغة العربية والمواد الدينية. هنا نجد هذه اللغة مادة دراسية لأول مرة في هذه البلاد، وقُيد لها أن تظل كذلك حتى أيامنا هذه.

ورغم أننا لا يتوفر على برامج مكتوبة بالطريقة التي نعرفها اليوم، فلدينا وثيقة (واقف نامه) التي تشتمل على شروط تأسيس المدارس الابتدائية، التي وضعها المؤسس أو (الواقف)، وسنقدم نسخة منها.

أما شروط اختيار المعلمين فوضعها مؤسسو هذه المدارس كما حددوا المبالغ المخصصة لأجورهم أثناء الخدمة، وكذلك الأسس الخاصة بوضع البرامج التعليمية، فضلا عن المواد التي ستدرس في هذه المدارس الابتدائية الأولية.

كانت هذه المدارس في البداية على هيئة كتاتيب تلقن فيها المواد الدراسية. وقد أعطيت الأولوية في هذه المواد للتربية الإسلامية والقرآن الكريم والتجويد، ثم الأبجدية العربية، فضلا عن مادة الرياضيات التي كانت تعرف باسم (أربع عمليات حسابية).

     واشتملت أيضا هذه الوثائق على مواصفات اختيار المعلم وشروطه؛ إذ روعي الجانب الأخلاقي أساسا لهذا الانتقاء، فضلا عن المستوى العلمي، و«الهيئة»؛ حيث يوجد شرط يقر بأنه: «على المعلم أن يكون وسيما ومبتسما كي لا يخيف التلاميذ». ونشير إلى أن هذه الوثائق قد تم إصدارها في القرن 16.

     هكذا بدأ تعليم وتعلم هذه اللغة في بلادنا وأقبل البوسنويون على تعلم هذه اللغة بقلوب مفتوحة. وأثر ذلك نجده اليوم عند المسلمين في البوسنة، فنلمس حبهم للعربية حتى عند الذين لا يعرفون كتابتها وقراءتها؛ إذ يحترمون الأوراق المكتوبة بهذه الحروف إلى درجة ألّا يسمحوا بسقوطها على الأرض لكونها مكتوبة بخط قرآني مقدس.

ولقد وضعت أهداف التعليم ومقاصده والبرامج المطبقة عموما.

ومن بين الأهداف العامة نجد:

- نشر الدين الإسلامي.

- تثبيت العقيدة الإسلامية لدى التلاميذ.

- تنمية الصفات الخلقية والقدرات العقلية عند التلاميذ.

ومن بين الأهداف الخاصة يمكن أن نذكر على سبيل المثال:

- تعريف التلاميذ أركان الإسلام والمعاملات الإسلامية الأساسية.

- تنمية قدراتهم على قراءة القرآن الكريم قراءة سليمة.

كما كانت تنظم هذه الوثائق أوضاع المفتشين التربويين والمسؤولين عن مراقبة أداء المعلمين. وقد وضعت وظيفة (المراقبة) من طرف مؤسسي المدارس الذين كانوا يختارون أحيانا لجنة يمكن أن يكون أعضاؤها من ممثلي الحكومة.

     ومن بين أهم الكتب المدرسية التي كانت مستعملة خلال هذه الفترة في الكتاتيب: (مُنْيَاتُ المصلِّي وغُنْيَاتُ المبتدي) لصدر الدين الكشغاري، و(مِزْرَكل علم الحال) باللغة التركية. وفي القرن 16 استعمل الكتاب المشهور (رسالة برغيفي)  للفقيه محمد بن بير، والكتاب المشهور اليوم باسم (وصيت نامه).

وفيما يتعلق بمنهجية تقديم مضمون الكتاب فقد ورد على طريقة أسئلة وأجوبة تتضمن المعلومات الأساسية عن الدين الإسلامي وفق الشروط الإسلامية.

وقد كان هناك كتاب خاص بالمعلم تحت اسم (تعليم المتعلم)، ويتضمن الأسس التربوية والأخلاقية لإنجاز الدروس.

     وحسبما وجدناه في هذه الوثائق ووثائق تاريخية أخرى صدرت قبل خمسة قرون نرى أن التعليم الابتدائي كان منظما تنظيما جديا، ونلاحظ أن هذه الوثائق مازالت تستجيب لمعايير وقتنا الحاضر. ومن أهمها: وجود برامج تعليمية، ووضع شروط خاصة لاختيار المعلمين، وتوفير الإمكانيات المادية لهم وللمفتشين، وإلزامهم بإلقاء الدروس يوميا.

 وفي إطار هذه البرامج نلاحظ أنّ العربية كانت تدرس كوسيلة لقراءة القرآن الكريم وفهمه ودراسة بعض المواد الأخرى ولم تكن تُدرس بوصفها مادة في حد ذاتها.

وقد تعلم في هذه الكتاتيب، التي تُعد أساس نشوء المدارس الابتدائية كما نعرفها اليوم، العديد من كبار المؤلفين البوسنيين الذين كتبوا باللغة العربية وأثروا الثقافة البوسنية وأسهموا في نشأة الفلسفة الإسلامية وإثراء الأدب عموما.

ويمكن القول: بأن المحاولات المتعلقة بمسألة إدخال اللغة العربية إلى المدارس الابتدائية والثانوية في بداية التسعينات، تؤكد استمرارية التراث الحضاري العربي إلى اليوم، لكن لا يزال يتطلب منا بذل المزيد من الجهود لصيانته والمحافظة عليه.

وهكذا تم عن طريق الإسلام نشر اللغات الشرقية التي من بينها اللغة العربية، بحيث أصبحت لغة ديننا وثقافتنا التي بها كتبت الكتب التاريخية والعلمية والأدبية. فاهتمامنا بهذه اللغة واجب علينا نحن المسلمين البوسنيين من أجل تاريخنا وإثبات وجودنا السياسي والحضاري.

 

مرحلة الحكم النمساوي الهنغاري (1878-1918م)

     تميزت مدة سيطرة الحكم النمساوي الهنغاري التي استغرقت 40 سنة، بوضع قانون للنظام التعليمي الأساسي الإجباري كما نعرفه في وقتنا الحاضر، فشُيدت المدارس الحكومية حتى بلغ عددها 320 مدرسة ابتدائية. وكان يوجد في الوقت نفسه النظام التعليمي الديني غير الحكومي، وهو عبارة عن نظام تعليم إسلامي وأرثودكسي وكاثوليكي.

قي هذه المدة بدأ تناقص السكان المسلمين نسبيا بالمقارنة مع عدد السكان الكاثوليكيين انطلاقا من سنة 1851 حتى 1910 وسبب هذا التناقص هو الهجرة والتطهير العرقي.

وكان عدد الكتاتيب في سنة 1910 يقدر بـ2064 كتابا، منها كتاتيب مشتركة، وكتاتيب خاصة بالذكور، وكتاتيب خاصة بالإناث. في حين أن عدد المدارس التي أسستها الكنيسة الأرثودوكسية هي 116، في مقابل 28 من المدارس التي أسستها الكنيسة الكاثوليكية.

     وفي سنة 1912 أصدرت الحكومة المشروع الأول الذي جعل التعليم الابتدائي الحكومي إجباريا، فأنشأت 331 مدرسة ابتدائية حكومية. تحول المكتب القديم إلى المكتب الجديد لتعليم الأطفال ما قبل دخولهم إلى المدارس الابتدائية، كان المكتب الجديد مجهّزا بالأثاث الجديد. أما المناهج والبرامج فكانت مجدَّدة بالطرائق العصرية التي كانت تستطيع أن تتماشى مع المطلوب في الزمن الجديد. سنة 1914 تم إصدار القانون الرسمي وبتطبيقه أصبح المكتب خطوة أولى لذهاب الطالب إلى المدرسة الحكومية، وكان ذلك اعترفا بأهميته في عملية التعليم.

     منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا يحاول المكتب (وهو عبارة عن النظام التعليم الديني للأطفال المسلمين) أن يحافظ على هوية المسلمين في البوسنة والهرسك وفي الوقت ذاته هو بداية في تعلمنا اللغة العربية. اللقاء الأول لمعظم التلاميذ في بلدنا مع لغة القرآن الكريم يحدث في المكتب، فيبدأ التلميذ في قراءة الحروف العربية وكتابتها، ثم من يجتهد يحفظ بعض الآيات القرآنية ويحاول أن يفهمها بمساعدة ترجمتها.

واجه المكتب، وهو مهد العربية في البوسنة، مشكلات عديدة بعد هذه المدة ونذكر بعضها لنشير إلى ما نجده اليوم فيما يخص تعليم اللغة العربية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك