تعليم العربية في البوسنة عبر التاريخ- اللغة العربية ومكانتها في النظام التعليمي في البوسنة والهرسك (2-2)
دخلت اللغة العربية في المدارس الابتدائية في البوسنة بعد الحرب في التسعينيات لأول مرة بعد الحكم العثماني
تعد مكتبة غازي خسرو بك من أكبر وأقدم المكتبات في البلقان وفيها مجموعة كبيرة من المخطوطات
مرحلة ما بين الحربين العالميتين (1918-1941)
حينما أصبحت البوسنة والهرسك سنة 1918 جزءا من «المملكة الصربية الكرواتية السلوفينية» فقدت مواصفاتها القانونية والتاريخية، واستقلالها السياسي وحرية شعبها، لتبدأ سيطرة الحكومة المباشرة من بلغراد. ويتجلى تأثير هذه السيطرة، فيما يخص التعليم، في حذف خصوصيات البوسنة والهرسك كدولة، وخصوصيات المسلمين الذين يكونون أغلبية سكانها حذفا تدريجيا من الكتب المدرسية والبرامج التعليمية.
وفي ظل هذه الظروف أسست «منظمة المسلمين اليوغسلاف» التي قامت بدور أساسي في الدفاع عن مصالح المسلمين، وبفضلها حفظنا ديننا وتقاليدنا وثقافتنا الإسلامية. وبفضلها استمر تعليم اللغة العربية، رغم أن وجوده كان في المدارس الدينية فقطوالتي كان عددها صغيرا، واستمر هذا الحال في الفترات التالية.
وما يخص النظام التعليمي الحكومي فيمكن القول إنه كان متطورا ظاهرا وسريعا بالنسبة للمستوى الابتدائي، أما المستوى الثانوي والجامعي فلم يكن ظاهرا بالشكل وبالسرعة نفسه.
فدعما لما قلناه عن تطور نظام التعليم في المملكة الصربية الكرواتية السلوفينية سنقدم صورة موجزة عن البرنامج التعليمي الخاص بالكتاتيب الذي أصدرته إدارة الأوقاف التي أنشأتها «منظمة المسلمين اليوغسلاف» بموافقة بلغراد. فأصدر البرنامج التعليمي في سنة 1931 تحت اسم «الأساس التعليمي وتصنيف المواد الدراسية للكتاتيب لسنة أو لسنتين».
أما المحتويات التي شملها هذا البرنامج فهي عبارة عن توجيهات عامة وخاصة للمعلمين فيما يخص: تعاملهم مع التلاميذ، واختيار الكتاب المدرسي المحدد والتعامل معه فيما يتعلق بتحديد المدة الزمنية الخاصة بكل وحدة من الوحدات.
كان البرنامج التعليمي الخاص بالكتاتيب لسنة عبارة عن المواد التالية:
- الأخلاق الإسلامية.
- العقيدة.
- العبادات.
- الحفظ (تحديد الآيات القرآنية الواجب حفظها).
- الحروف العربية- قراءة وكتابة.
أما الكتاتيب التي كان يستغرق التعليم فيها مدة سنتين فقد اشتملت السنة الأولى على نفس المواد التي وجدناها في البرامج التعليمية للكتاتيب ذات نظام السنة الواحدة، وفي السنة الثانية كانت تدرس المواد التالية:
- (عَرَابِيتْسَى): تمكين التلاميذ من كتابة وقراءة نصوص باللغة البوسنية مكتوبة بالحروف العربية.
- قراءة القرآن: والمطلوب من كل تلميذ أن يختم قراءة القرآن الكريم بكامله نهاية هذه السنة.
- العقائد
- الأخلاق
- الحفظ: والمقصود به حفظ الآيات القرآنية اللازمة للقيام بالصلاة. واستعملت طريقة التكرار والإعادة وراء المعلم. أما كتاب التلاميذ فقد كان مكتوبا بـ(العربيتسى).
أما الدراسات العليا، فقد أُسست سنة 1887 في سراييفو المدرسة الإسلامية العليا للشريعة المشهورة بــ: (MEKTEBI NUVAB) والتي كان يكوّن فيها القضاة لاحتياجات «الجماعة الإسلامية» .
4- مرحلة ما بين (1941-1945)
لقد واجه المسلمون البوسنيون أثناء الحرب العالمية الثانية (1941-1945) أوضاعا عنيفة، حيث بدأت السيطرة النازية والفاشية على أراضي البوسنة. فكانت نتيجة هذا تدمير كثير من المدارس والمساجد وتوقف عملية التعليم من حين إلى آخر خاصة في القرى.
5 - مرحلة الحكم الاشتراكي (1946-1990)
من مميزات هذه الفترة «تعميم التعليم» بوصفها هدفاً من الأهداف الرئيسة الخاصة بالنظام الاشتراكي، فانخفضت نسبة الأميين في الثمانينات إلى 15% في عموم يوغوسلافيا، التي كانت البوسنة والهرسك جزءا منها.
وفيما يتعلق باللغة الثانية، فلتلاميذ حرية الاختيار بين هذه المواد (اللغات): الإنكليزية، الألمانية، الفرنسية، الروسية. والملاحظ أن اللغة الروسية كانت أكثر انتشارا وأن اللغة العربية لم تكن من بين اللغات المختارة رغم أن المسلمين كانوا يرغبون في تعلمها. وهكذا بقيت دراسة هذه اللغة بين جدران المساجد. وكانت تعد لغة الدين فقط.
إن حديثنا عن مكانة اللغة العربية في النظام التعليمي يستوجب التركيز على تأسيس كليتين لهما علاقة باللغة العربية:
الأولى كلية الأداب وأُسست سنة 1950 وأهميتها بالنسبة لموضوعنا هذا هو القسم الخاص باللغات الشرقية (التركية والفارسية والعربية) وهذه الكلية تابعة لجامعة سراييفو.
أما الثانية، فكلية الدراسات الإسلامية بسراييفو تم إنشاؤها بقرار من المجلس الأعلى ورئاسة العلماء المسلمين في يوغوسلافيا السابقة سنة 1977، فهي تابعة للجماعة الإسلامية. هذه الكلية تحاول منذ تأسيسها أن تُجيب على أسئلة الزمن المعاصر وعلى احتياجات الجماعة الإسلامية. هذه الكلية هي أقدم المؤسسات العلمية العليا ومن أهمها في جنوب أوربا الشرقية حتى اليوم، وسنقدم المعلومات عن برامجها وموادها الدراسية في الباب الخاص بها.
وكلا الكليتين تختصان بمادة اللغة العربية التي تُدرس فيهما على المستوى الجامعي بأهداف مختلفة.
المرحلة الحالية (1990-2013)
تدرس العربية حاليا في بعض المدارس الابتدائية الحكومية والخاصة وعددها تسع، وفي المدارس الثانوية الدينية وعددها ست في البوسنة، ويوجد كذلك أربع مدارس ثانوية حكومية: في سراييفو وهي المدرسة البوشناقية العامة وأُنشئت سنة 1995، وفي موستار في المدرسة الثانوية العامة- في غوراشده وفي توزلا. أما المستوى الجامعي فتدرس اللغة العربية في الكليات الإسلامية الثلاث وفي كلية الآداب في جامعة سراييفو.
من خلال هذا الباب نود أن نقدم بعض التفاصيل عن مناهج تدريس هذه اللغة في المستويات المختلفة ونذكر بعض المعلومات عن خصوصيات عملية التدريس لهذه اللغة.
أولا: المدارس الابتدائية: من المهم أن نذكر أن الحرب بوصفها أسوأ شكل لتعامل الإنسان مع الآخرين نتج عنها دخول اللغة العربية في البوسنة كمادة دراسية في هذه المدة في بعض المدارس الابتدائية لأول مرة بعد مدة حكم العثمانيين، وهو الأمر الذي لا بد من ذكره، ومنذ ذلك الوقت تدرس حتى الآن كما ذكرنا أعلاه.
والشيء الثاني هو أن العربية أُلغيت بوصفها مادة دراسية في معظم المدارس الابتدائية بعد الهجمات الإرهابية في أمريكا في سبتمبر 2001 وذلك نتيجة ضغوط سياسية.
البرامج في المدارس الابتدائية:
إن برامج ومناهج تدريس اللغة العربية في هذا المستوى كانت قد تغيرت عدة مرات منذ إدخالها في المدارس الحكومية في بداية التسعينات. فبعد أن كانت مادة إجبارية أصبحت مادة اختيارية وتدرس الآن كلغة أجنبية ثانية أو ثالثة اختيارية. مدة دراستها الآن في هذه المدارس 4 سنوات، مرتين في الأسبوع.
بجانب المدارس الحكومية هناك المدارس الخاصة التي أسست بدعم من الحكومات العربية، مثل (مدرسة الأمل) الأردنية و(مدرسة المنار) الكويتية، وتدرس اللغة العربية فيها في إطار برنامج خاص بالمدرسة.
أما الأهداف من عملية تدريس اللغة العربية فهي محددة من طرف الوزارة التعليم ومنها تتفرع الأهداف الخاصة والأهداف الإجرائية.
أ- الأهداف العامة
- تنمية قدرة التلميذ على الاتصال الشفوي في المواقف الحياتية العادية.
- إثراء معارف التلميذ الثقافية (اكتساب المعلومات التاريخية والثقافية عن هذه اللغة).
- تحقيق النمو الفكري والوجداني والنفسي لدى التلميذ.
- تمكين التلميذ من التعلم الذاتي (إعطاؤه أساسا للتقدم في التعليم والتعلم المستمر).
- تكوينه تكوينا إيجابيا نحو الحياة والعمل بصفة عامة.
ب- الأهداف الخاصة
- تطوير المهارات اللغوية (الاستماع، وفهم الكلام، والحديث، والقراءة الجهرية، وفهم النص المقروء والكتابة).
- تنمية الثروة اللغوية (تكوين رصيد من الأصوات، والمفردات، واكتساب الحد الأدنى من القواعد المساعدة على التواصل والمواقف الحياتية.
- تمكين التلميذ من القراءة الصامتة وفهم نصوص ذات كلمات معروفة ونصوص ذات مفردات وعبارات جديدة.
- تمكين التلميذ من التعبير الكتابي في إطار المواضيع المبرمجة.
ج- الأهداف الإجرائية
- أن يستوعب التلميذ الرصيد اللغوي من 1200 إلى 1400 كلمة وعبارة على الأقل مختارة حسب معايير التواتر والرواج.
- أن يستوعب الوحدات النحوية الأساسية مع إعطاء الأهمية للمحادثة.
- أن يستوعب النظام الصوتي (نظام الحروف ومخارجها وقراءتها).
في ما يخص محاور الدروس فإنها حول المواضيع التي تدل على التعارف والتحية، تقديم الأسرة وتحديد الزمان والمكان، في حين تشتمل محاور القواعد على العناصر الأساسية.
أما محاور النصوص فهي عبارة عن نصوص بسيطة ومصحوبة بصور تجذب الطفل؛ حيث يتم تقديم كل أنواع التمارين اللغوية: تمارين لفهم النص، لتطبيق القواعد، تدريبات على المهارات اللغوية: (القراءة والكتابة والفهم والمحادثة).
المستوى الثانوي - المدارس الدينية الإسلامية في إيجاز.
تدرس اللغة العربية في المدارس الدينية الإسلامية الست وأشهرها «مدرسة غازي خسرو بك» في سراييفو. أسست هذه المدرسة قبل 476 سنة وحتى الآن، تقوم بدورها كمركز للعلوم الإسلامية والثقافة في تعليم الطلاب من البوسنة والهرسك ومن البلاد المجاورة (الجبل الأسود ومقدونيا وكوسوفو). هناك نخبة من كبار المثقفين الذين تخرجوا في هذه المدرسة مثل حارث سيليجيتش، وزير الخارجية السابق في البوسنة والأستاذ أنس دوراكوفيتش، المشهور بترجماته لمؤلفات عربية كثيرة مثل (ألف ليلة وليلة) وترجمة القرآن الكريم إلى اللغة البوسنية، الذي يشرف على كرسي اللغات الشرقية في كلية الفلسفة (كلية الآداب) في سراييفو، وبجانبه الأستاذ يوسف راميتش، أستاذ الشرف في كلية الدراسات الإسلامية في سراييفو وهو من بين الأساتذة البوسنيين الذين تخرجوا في جامعة الأزهر في القاهرة، والأستاذ محمد كيتسو، وهو مشهور بترجماته العديدة والمهمة في مجال الأدب العربي، ومن بين مؤلفاته كتب خاصة بأساليب الترجمة.
تُعد مكتبة غازي خسرو بك التابعة للجماعة الإسلامية من أكبر وأقدم المكتبات في البلقان وفيها مجموعة كبيرة من المطبوعات باللغات الإسلامية وأكثرها بالعربية وهي اللغة الغالبة على مخطوطات المكتبة من العصور المختلفة في فترة حكم العثمانيين.
تدرس العربية في المدارس الدينية بوصفها مادة إجبارية في جميع الفصول الدراسية الأربعة ثلاث مرات في الأسبوع فضلاً عن حصتين في الفصل الرابع إذا اختارها التلميذ (مادة اختيارية).
تتراوح المواضيع المبرمجة في هذه المرحلة بين التعارف وتقديم المعلومات عن الأسرة والمدينة والوطن حتى النصوص عن المؤلفين المشهورين وأجزاء من روايات للمؤلفين العرب المشهورين.
في ما يخص المفردات الهدف هو اكتساب 300 كلمة على الأقل في كل فصل دراسي.
أما القواعد فيبدأ التلميذ بدراسة هذه اللغة فتعلم الكتابة والقراءة، ثم خصوصيات النطق وربط الحروف، عبر الجملة الإسمية حتى الجملة الفعلية والأفعال الصحيحة والمعتلة والمجردة والمزيدة.
ثالثا: المرحلة الجامعية بإيجاز:
في ما يخص المستوى الجامعي فتدرس العربية في كلية الآداب وكلية الدراسات الإسلامية في سراييفو وفي كليتي علوم التربية الإسلامية: في زنيتسا وفي بيهاتش. هاتان الكليتان الأخيرتان عبارة عن كليتين لتكوين الأساتذة في مجال التربية الإسلامية أسستا بعد الحرب الأخيرة، وأما كلية (زنيتسا) فتنظم الدراسة في إطار 3 سنوات لحصول على شهادة (البكالوريوس)ويمكن للطالب أن يواصل الدراسة في الكلية نفسها للحصول على درجة الماجستير في مدة سنتين والدكتوراه في ثلاث سنوات، والعربية مادة إجبارية خلال السنوات الدراسية الثلاث الأولى وهي عبارة عن مادتين: علم الصرف وعلم النحو.
بالنسبة لكلية الآداب فتدرس العربية خلال ثلاث سنوات دراسية. ويكوّن قسم اللغات الشرقية أساتذة اللغة العربية ومتخصصين في فقه اللغة العربية. يمكن للطالب أن يواصل دراسته لمدة سنتين للحصول على الماجستير وثلاث سنوات للدكتوراه.
الدورات اللغوية في مركز الملك فهد الثقافي في سراييفو
أنشئ مركز الملك فهد الثقافي في سراييفو منذ 11 سنة وهو ينظم دورات لغوية: (اللغة العربية والإنكليزية) للأطفال والكبار ودورات تدريبية لأساتذة هذه اللغات، وللطلاب الذين يدرسون هاتين اللغتين في كلية الآداب وبعض طلاب كلية الدراسات الإسلامية يحضرون هذه الدورات دعما لما يدرسون في كلياتهم.
الخلاصة
اللغة العربية هي لغة القرآن واللغة التي نمارس - نحن المسلمون - ديننا بها ولغة أجمل الأشعار المكتوبة حتى يومنا، فهل نحتاج إلى حافز آخر لتعلمها ولاسيما إذا كنا غير ناطقين بها. وهناك حوافز أخرى:
- اللغة العربية هي من بين اللغات الرسمية الست في الأمم المتحدة.
- لدينا – نحن البوسنويين – تراث مكتوب باللغة العربية.
- اللغة العربية هي لغة أقدم ثقافة وحضارة في العالم.
فهل نحتاج إلى تعلمها وهل نحتاج إلى أية حجة أخرى عدا ما قلناه... لا!
نريد تعلمها، ونحاول ذلك، ونحتاج إلى دعم ومساعدة لتحسين ظروف القيام بذلك. نحتاج إلى برامج ومناهج وكتب مقررة أفضل وأحسن تتماشى مع شخصية الطفل البوسني في القرن الحادي والعشرين لننجح بإذن الله.
لاتوجد تعليقات