رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود عبد الحفيظ البرتاوي 6 يوليو، 2021 0 تعليق

تعريف بكتاب: (وثيقة المدينة… ملامح ومعالِم)

 

تأتي أهمية هذا الكتاب الذي بين أيدينا: (وثيقة المدينة... ملامح ومعالم) لمؤلفه د. ياسر حسين محمود، مِن جهة كونه يتناول قضية عظيمة الأهمية، لا تزال الأمم والدساتير المعاصرة حائرة تائهة فيها، وقلَّ مَن تعرض لها بالشرح والإيضاح بعلمٍ وفقه دقيق موافق لأحكام الشريعة المطهرة، ألا وهي قضية التعايش بين المسلمين وبعضهم في أوطانهم وبين الطوائف الأخرى المفارقة لهم في دينهم، والحقوق والواجبات التي ينبغي اعتبارها. كما أن الكتاب يستعرض لنا كيف كانت السياسة الشرعية النبوية في مراحل الدعوة الإسلامية المختلفة؟ ومراعاة القضايا الشرعية المختلفة، ومنها: (قضية النسخ)، فإن التشريعات النبوية قد بلغتْ حدًّا مِن التنوع والتعدد لابد مِن فهمه، وفهم عللـه، كما يبيِّن الكتاب طريقة أهل العلم في فهم النصوص الشرعية، وكيف يتم التعامل معها؟

مميزات الكتاب

     تميَّز هذا الكتاب بكثرة الاستدلال بنصوص الوحي الشريف مِن الكتاب والسُّنة الصحيحة، والنقل عن أهل العلم المشهود لهم بالفقه والإمامة في الدين، كما تميز بسلاسة الشرح وسهولته، واستيعابه لبنود الوثيقة محل الشرح والبيان، مع الإسقاطات المعاصرة في هذا الخصوص.

عرض لمباحث الكتاب

     جاء الكتاب في تمهيد ومقدمة، تناول فيها المؤلف التحذير مِن آثار الاختلاف الواسع بين اتجاهات العمل الإسلامي المعاصر وآثاره في قضايا التغيير والإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وأثر موازين القوى في قرارات الفصائل الإسلامية في المواقف المختلفة، ونبَّه على ضرورة معرفة المسلم للطريقة الصحيحة التي ينصر مِن خلالها الإسلام ويعمل بها للتمكين له.

     كما تناولت هذه المقدمة: أهمية معرفة السياسة الشرعية النبوية، وأن التوكل عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام لا ينافي الأخذ بالأسباب، ولا يناقض دراسة موازين القوى ومآلات الأحداث؛ إذ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جامعًا بين الأمرين.

الفصل الأول

في الفصل الأول: سمات السياسة الشرعية النبوية في المرحلة المكية، وتناول المؤلف سمات المرحلة المكية، التي يمكن تلخيصها فيما يأتي:

- تجنب المواجهة المسلحة؛ ولذلك لَمَّا اسْتَأْذَنَ الْأَنْصَارُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، لَمَّا بَايَعُوهُ على الْجِهَادِ، وقالوا: والذي بعثك بالحق، لئن شئت لنميلن على أهل مِنى غدًا بأسيافنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لَمْ أُؤمَرْ بِذَلِكَ».

- الثبات التام على الدين اعتقادًا وعملاً ودعوةً، وهذا هو الجهاد في هذا الوقت، قال الله -تعالى-: {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} (الفرقان:52).

- أمرُ المسلمين بالصبر، والعمل البنائي العلمي التربوي مِن إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتحصيل التزكية.

- الحذر مِن التنازلات المنهجية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون).

- الاهتمام بتقوية الروابط بيْن المسلمين ومنع تسرُب اليأس إلى قلوبهم، وتبشيرهم بقرب الفرج.

الفصل الثاني

     وفي الفصل الثاني: سمات السياسة الشرعي النبوية بعد الهجرة، ذكر المؤلف خصائص العهد المدني، وكيف كان مرحلة تأسيس الدولة المسلمة، وبناء المجتمع المسلم، والدفاع عنه، حتى اعترف المشركون بدولة المسلمين وكيانهم المستقل، وحقوقهم في حرية الدعوة والعبادة، كما تكلم عن الطوائف الدينية التي كانت تسكن المجتمع المدني قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكيف تعامل معها النبي -عليه الصلاة والسلام؟، ثم ذكر الأسس التي أقام عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - الدولة الإسلامية الجديدة في المدينة، وهي: بناء المسجد النبوي، والمؤاخاة بين المسلمين، وميثاق التحالف (وثيقة المدينة)، ثم تناول بعد ذلك مسألة العهود وأنواعها، ومسألة الجزية.

الفصل الثالث

      وفي الفصل الثالث: جواز اختصاص الكفار بإقليم يشبه الحكم الذاتي، بيَّن المؤلف أن مِن المعالم المهمة في وثيقة المدينة: جواز اختصاص المعاهَدين بأرضٍ لهم في الدولة الإسلامية، ودلل على ذلك بالآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، والسيرة النبوية، كما تناول في هذا الفصل مسألة: (حكم دور العبادة لغير المسلمين في بلاد المسلمي)»، ومسألة: (الحكم بين غير المسلمين في بلد المسلمين).

الفصل الرابع

     وفي الفصل الرابع: ملامح اقتصادية، تناول المؤلف النواحي الاقتصادية في الدولة الإسلامية الأولى عند أول نشأتها، ومبدأ الاستقلال المالي لكل طائفة من الطوائف التي تعيش فيها، كما تناول مسألة: (مبدأ الدفاع المشترك عن المدينة) طبقًا لما جاء في وثيقة المدينة مِن بنود وشروط تعرضت لهذه المسألة.

الفصل الخامس

     وفي الفصل الخامس: ملامح قضائية وحقوقية، بيَّن المؤلف أن وثيقة المدينة تضمَّنت أهم مبادئ العدل الإسلامية التي بُنيت على قول الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء:58-59)، وأنها مثَّلت الأساس القانوني للتعامل بقواعد دين الإسلام العظيم مع رعايا الدولة المسلمة من المسلمين وغيرهم، وبالاصطلاح المعاصر: (المواطنون)، أي: الذين يشتركون في الوطن الواحد، وتحت قيادةٍ موحدة في شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك العهد، والذين يسعون إلى تحقيق مصالح مشتركة لهم مِن خلال التعايش الآمن بينهم، مع احتفاظ كلٍّ بدينه مع قيادته، وعبادته، وشخصيته المستقلة، وأنه لا يَلزم ما يحاوله بعضهم مِن فرض صورة (المواطنة) التي يُهدم فيها الدين وقواعده؛ بزعم المساواة بيْن الأديان التي لا تحصُل -شرعًا ولا قَدَرًا- بالطريقة التي يَدعون إليها ولا يطبقونها إلا بحسب الهوى، فالأديان لا يمكن أن تتساوى وهي متناقضة في الاعتقادات والعبادات، والمعاملات، والحلال والحرام، في حين أن التعايشَ يكون بالقواعد العادلة والحقوق المشتركة والقدْر الواجب شرعًا، والممكن تطبيقه واقعًا عمليًّا.

معاملة الرقيق في الإسلام

     كما عرَّج في هذا الفصل على مسألة مهمة، وهي: معاملة الرقيق في الإسلام: وبيَّن أن تشريع الرق في الإسلام بسبي النساء والذرية للناقضين للعهود الغادرين المحاربين، لا يتعارض مع المسؤولية الشخصية التي أقرَّها الإسلام؛ إذ إن ذلك في الحقيقة نجاة لهؤلاء المستضعفين مِن مصير سادتهم وكبرائهم، وليس الرق في الإسلام بالصورة التي مارسها الرومان في عبيدهم، ولا الغرب الجائر في أفريقيا السوداء، بل رفع الإسلام قيمة الإنسان حيثما كان ولو كان رقيقًا، وأوجب احترام آدميته، بل جعله أخًا لمالكه، ثم أفاض المؤلف في بيان هذه المسألة ودرء الشبهات المثارة حولها.

الفصل السادس

      وفي الفصل السادس: معالم اجتماعية، بينَّ المؤلف أن وثيقة المدينة تضمَّنت مبدأ وحدة المجتمع المسلم على آصرة الدين دون غيرها مِن روابط النسب أو القبيلة أو الجنس أو اللون، ورابطة الدين هي أعظم الروابط والأواصر ثباتًا، وأوسعها انفتاحًا على شعوب العالم؛ فبإمكان أي فرد في العالم أن يصبح عضوًا في هذا المجتمع، له ما لأفراده السابقين، وعليه ما عليهم، ورابطة الإيمان والإسلام هي رابطة الأُخُوَّةِ الحقيقيّةِ التي تقتضي المَحَبَّةَ والمُوالاة، ويُتَمَدَّحُ بها، قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات:10).

      وأَمّا رابِطَةُ الأُخُوَّةِ في الوَطَن والقَومِيَّةِ والقَبَلِيَّةِ والقَرَابَة التي دَلَّت عليها آياتُ القرآن نحو قوله -تعالى-: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} (الأعراف:65)، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} (الأعراف:73)؛ فإنها تَقْتَضِي مزيد النُّصْحِ والحِرْصِ على الخير والدعوة إلى الله -عزّ وجَلّ- مع بقاء رابطة الولاء على هذا الدين.

      فإِعْلاءُ قِيمَةِ التَّقْوى والعَمَلِ الصَّالِحِ، وإِرْسَاُء فَضْلِ العِلمِ بالقُرآن والسُنّةِ، والعمل بطاعةِ اللهِ ورسولِه - صلى الله عليه وسلم - على قِيَمِ اللون والجِنْسِ، والمَنْشَأ والمالِ والوظيفةِ، والسُّلْطَةِ والجاه، هو أساسُ بِنَاِء هذا المجتمع، بخلاف القِيَم الأُخرى التي تَشْقى بها المجتمعات المُخالِفة لشريعة الإسلام في الناحية الاجتماعية.

      وهذا لا يَنفي حقوقَ غير المسلمين مِن المُعاهَدين؛ فإن العلاقة معهم قائِمَة على البِرِّ والنُّصْحِ والنَّصيحة، ففي نص الوثيقة: «وإِنَّ على اليهودِ نَفَقَتهم، وعلى المسلمين نَفَقَتهم، وإن بينهم النصر على مَن حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبِرّ دون الإثم».

وفيها أيضًا: «وإن يَهُودَ الأَوْسِ مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البِرّ الحَسَن مِن أهل هذه الصحيفة، وإن البِرّ دون الإثم».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك