تعامل الطفل مع الأقارب
بعد الحديث عن دور الأب التربوي مع الإخوة والأخوات الذين يعدون من الرحم الواجب صلتها، فإن للأقارب حقاً من حقوق صلة الرحم أيضاً، والإحسان إليهم حق واجب على المسلم، فالأب يُنمِّيه في نفوس أولاده ويربيهم عليه، والأمر بذلك في القرآن الكريم واضح، قال الله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1)، وقال في موضع آخر: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي القُرْبى} (النحل:90)، فهذا أمر واضح من الله عز وجل بالإحسان للقرابة، ومراقبة الله فيهم، والحذر من إيقاع الأذى بهم عن طريق مقاطعتهم أو هجرهم.
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله» وقال أيضاً: «لا يدخل الجنة قاطع»، وفي هذا تحريم واضح، وزجر وترهيب لقاطع الرحم المسيء للأقارب، الصادّ عنهم والمجافي لهم، وفيه أيضاً بيان فضل المحسن إليهم، والموصل خيره إليهم، وصلة الله للواصل وتأييده وتوفيقه له.
وهذه المعاني المباركة يجب أن تقدم للأولاد في قوالب عملية بجانب التوجيهات النظرية؛ لتكون أكثر رسوخاً وتمكناً في نفوس الأولاد، فإن الولد في طفولته المتأخرة تزيد عنده القدرة على التكيُّف الاجتماعي، ومشاركة الآخرين في مسرَّاتهم وآلامهم مشاركة وجدانية، فلو استغل الوالد هذه القدرة في الولد لينمي فيه جوانب صلة الرحم المختلفة، فإنه لا يبلغ مبلغ الرجال إلا وقد تأصل هذا المبدأ العظيم في نفسه وضميره، فلا ينفك عنه أبداً، ولن يصدر منه في الغالب ما ينافي المعاني التي تربى عليها من الإحسان للأقارب والأرحام والبر بهم.
ويمكن للأب المسلم في هذا المجال أن ينتهج مع أولاده أساليب شتى وطرقًا متنوعة، تؤصل مبدأ صلة الرحم، ومن أهم هذه الأساليب والوسائل: الزيارات بين الأقارب، فيتخيَّر الأب الوقت المناسب لزيارة الجد والجدة -إذا لم يكونا معه في السكن نفسه- ويصطحب معه الأولاد، ولاسيما المميزين منهم، ويحاول أن تكون زيارات الجد والجدة زيارة دائمة متكررة، لا تفصل بينها فواصل زمنية طويلة؛ إذ إن حقهما كبير، وشأنهما عند الله عظيم خاصة بالنسبة للأب نفسه.
ويحاول الأب أن يشوق الأولاد لزيارة الجد والجدة بالآيات والأحاديث والآثار، ويذكرهم بفضل هذه الزيارات، وأجرها عند الله، ولا يغفل مكافأتهم إن أحسنوا التأدب في الزيارة، فإن كبار السن لا يحتملون عادة إزعاج الأطفال، وكثرة حركاتهم.
ولو أحس الأب بملل الأولاد من الزيارة، وخشي أن يتبرموا من الجلوس مع الكبار، والاستماع إلى حديثهم الذي لا يفهمونه، فإن الأب يأمر الأولاد باصطحاب بعض ألعابهم الصغيرة المسلية ليلتهوا بها حتى نهاية الزيارة، أو يؤمن الأب بعض الألعاب في بيت الجد والجدة ليتسلى بها الأولاد أثناء الزيارة، وهذا إذا كان الأولاد لا يستمتعون بحديث الجد والجدة، أما إن كانوا يرغبون في حديثهما ويتشوقون إليهما وللزيارة، فإنه من العبث وقلَّة الحياء أن يُلْتَهى عنهما بالألعاب أو غيرها.
ولا يقسو الأب على أولاده ويجبرهم على هذه الزيارة، ولاسيما إن كانت مملة؛ بل يحاول أن يأخذ بعضهم دون بعض بالترتيب، ويكثر مكافأتهم وترغيبهم بالأجر والمثوبة، ويلحق هذه الزيارة ببرنامج ممتع مثل الخروج إلى النزهة، أو الذهاب إلى حديقة الحيوان، أو غير ذلك من المرغبات التي تسهل على الطفل القيام بهذه الزيارة المملة في نظره وموازينه.
أما زيارة الأعمام والعمات والأخوال والخالات وباقي الأقارب فهي دون منزلة زيارة الجد والجدة.
وهذا النوع من الزيارات يرغب فيه الأولاد عادة، وذلك لأنه في المعتاد يكون لدى العم والعمة، أو الخال أو الخالة، أطفال في سنهم وعمرهم يتشوقون لرؤيتهم واللعب معهم، فلا يحتاج الأب في هذا النوع من الزيارات إلى كثير جهد في ترغيب الأولاد.
كما أن هذا النوع من الزيارات لا يكون عادة متكرراً، منتظماً في أوقات معينة؛ بل يحتاج إلى تنسيق مسبق مع المضيف قبل الزيارة. ويحاول الأب أن يوجه الأولاد إلى إحسان النية والقصد قبل القيام بالزيارة والخروج لها؛ بأن تكون نيتهم لله خالصة, فيسألهم: لماذا نزور العم فلاناً؟ فيقولون: لأن الله أمرنا بذلك، ويركز الأب على هذا الجانب ليقوي صلتهم بالله عز وجل، ويدربهم في نفس الوقت على تحسين القصد والنية، خاصة أن مقصد الولد في هذه الزيارة يكون للعب مع ابن عمه فلان، أو لركوب دراجته الجديدة، أو للعب بالكرة، أو لغير ذلك من المقاصد.
وليتجنب الأب وقوع شغب من أولاده، أو إزعاج للمضيف يفضل أن يأخذ على الأولاد المواثيق والعهود، بأن يلتزموا الأدب والاحترام، وأن يتجنبوا الإزعاج والمشاغبات، ويذكرهم بأن ما يجدونه عند أبناء عمهم من الألعاب هو ملكهم وخاص بهم, فإن سمحوا لهم باللعب لعبوا معهم، وإن منعوهم لم يصروا عليهم، ولم يجبروهم.
فإن صدر من أحد الأولاد مخالفة ومشاغبة مع أولاد العم، عاقبه الأب بما يستحق، ومنعه من الزيارة المقبلة؛ ليعتبر بذلك هو وبقية إخوته.
وللزيارات الرسمية بين الأقارب مثل الولائم، والدعوات، والعقيقة، وغيرها من الدعوات الرسمية دورها في تقوية أواصر المحبة بين الأقارب، لهذا فإن الوالد يجتهد في حضورها، وأخذ الأولاد إليها، وذلك لإجابة الدعوة، وصلة الرحم والتقاء الأولاد مع الأقارب من الصغار والكبار، وليتعرفوا عليهم، ويعتادوا رؤيتهم, فقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الزيارات وحث عليها، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «أبصر النبي[ نساء وصبياناً مقبلين من عرس، فقام ممتناً، فقال: اللهم أنتم من أحب الناس إلي»، فهذا إقرار منه عليه الصلاة والسلام بمشروعية اصطحاب الأطفال إلى الأعراس، وحضورهم اجتماع الناس والأقارب.
ويُقترح أن يتولى الأب إقناع الأقارب وعلى رأسهم الجد والجدة بأن يكون لهما لقاء في كل شهر، أو كل شهرين، أو أكثر، يجتمع فيه جميع الأقارب من نسل الجد والجدة، يلتقون على عشاء أو غداء في بيت الجد، فيحصل من هذا اللقاء زيادة ألفة بين الأقارب، وتعارف الصغار فيما بينهم، وقضاء وقت ممتع.
ويراعي الأب تنبيه أولاده على الأخطاء التي يمكن أن يشاهدوها عند أقاربهم من الذين لا يعتمدون منهج التربية الإسلامية الصحيح، فإن سألوه عن بعض الممارسات التي شاهدوها، فإنه لا بد من إقرار الحق، وبيان الخطأ إن وجد.
ولا تقتصر صلة الأرحام على الزيارات فقط؛ بل يدخل فيها كل خير يمكن إيصاله إليهم من مال، أو هدية، أو معروف، أو كلمة طيبة، أو غير ذلك من البر حتى السلام، فقد ورد في الحديث: «بلُّوا أرحامكم ولو بالسلام».
ومن الأساليب التي يستخدمها الأب لتحقيق مبدأ صلة الرحم عند الأولاد قضية استخدام جهاز الهاتف، فيُعلم الولد كيف يستخدم هذا الجهاز، ثم يكلِّفه الاتصال بالأقارب والأرحام والسؤال عنهم، وعن أحوالهم، ولاسيما المقيمين منهم خارج المدينة. وهذا الأسلوب يمكن أن يكون ناجحاً هذه الأيام، وذلك لأن أكثر الناس قد انشغل بنفسه، وأصبح اجتماع الأقارب وزيارتهم من الصعوبة بمكان، فلو تدرب الولد على الاتصال بالأقارب، ولاسيما في المناسبات للسؤال عنهم وإبلاغهم السلام فإن في ذلك نفعاً كبيراً، وتدريباً عملياً للولد على صلة الرحم.
كما يمكن للأب استخدام أسلوب تدريب الولد على كتابة الرسائل، وهذا يكون مع الولد الكبير القادر على الكتابة، فيشجعه الأب على كتابة الرسائل الحاملة للتهاني في المناسبات الشرعية المختلفة، ويكافئه على ذلك، ويثني عليه.
لاتوجد تعليقات