رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 6 فبراير، 2019 0 تعليق

تطوير الشريعة في خطط العصرانيين الجدد

أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم وحياً لا ينسخ بعد وفاته؛ لأنه خاتم النبيين، وجعل هذا الوحي صالحاً لكل زمان ومكان، تتغير الدنيا ولا يتغير، قال -سبحانه وتعالى-: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} (الأحزاب: 40)، وأوجب على الناس استمرار التحاكم في أمورهم إلى هذه الشريعة؛ فقال -سبحانه-:  {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون}(الجاثية: 18)، وقال -سبحانه-: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}(النساء: 65)، ومع مرور الوقت يظهر تيار العصرانين، وهو أحد التيارات المنادية بتطوير هذه الشريعة حتى تتناسب مع العادات والتقاليد المستحدثة، وهي دعوى للانسلاخ من الدين؛ فماذا يقول العصرانيون؟ وكيف نرد عليهم؟ هذا ما يتبين في السطور التالية:

لماذا الدعوة إلى تطوير الشريعة

      انتشرت الدعوات إلى تطوير الشريعة في السنوات الأخيرة بعد ظهور ما يسمى (تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق)، واستغل العصرانيون الأعمال الإرهابية التي تقوم بها هذه التيارات، وركزوا حملاتهم على هذا المصطلح (التجديد - التطوير) في مقالاتهم، وبرامجهم المتلفزة، وتكثر هذه الدعوات بعد كل أحداث عنف تحدث في المجتمع، وهنا ينبغي التنبيه على أمور عدة: أولاً: يربط الداعون إلى التطوير بين أعمال العنف وبين مناهج التعليم في المؤسسات الدينية، رغم أن التعليم الأكاديمي للمؤسسات الإسلامية الرسمية يقوم على مبادئ التسامح، والتعددية، وقبول الآخر، بينما يصدر العنف، أو التطرف الفكري غالباً من الذين لم يكن لهم حظ من التعليم الشرعي الأكاديمي. ثانياً: لا تتوقف أعمال العنف على الفكر، بل قد تكون الأسباب المؤدية إليه اجتماعية، أو نفسية، أو غير ذلك؛ لذا ينبغي أن تكون هناك نظرة شاملة للأسباب التي تؤدي إلى العنف، واختزالها في مناهج المؤسسات الدينية.

فضول يثير العجب والسخرية!

     من المفترض أن يتولى الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني أهل الاختصاص؛ لأنهم الأجدر على معرفة الوقت المناسب والقضايا التي تحتاج إلى تجديد؛ إذ إن طرح أي رأي في تجديد أية حركة، مثل الشعر الكلاسيكي، أو القديم، أو في المسرح، لا يمكن أن يتم بغير أهله وذوي الاختصاص في ذاك المجال؛ إذ إنه من المستحيل، بل والمضحك المبكي أن يدعو مهندس، أو طبيب ليس له علاقة بالشعر، أو الأدب، للتجديد في حركة الشعر، أو في خطابه وموضوعاته، أو لغوياته، أو صوغ منظور جديد للمسرحيين؛ فإذا كان الأمر كذلك في شؤون دنيوية أدبية مثل الشعر والمسرح، توضع لها شروط أكاديمية أو أدبية معينة من إتقان أصول البحث والتخصص الضليع في هذا المجال بكل ما في الكلمة من معنى؛ فكيف يصبح الأمر عند تناول قضية مهمة جدا - مثل تجديد الفكر الديني - شائكة حتى على أهل الاختصاص نفسه؛ فالشريعة ليست كلأ مباحاً لكل أحد؛ فقد حرم الله القول عليه بغير علم، وأوضح أن هذا من عمل الشيطان؛ فقال -سبحانه-: {إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}.

أين يوجد التجديدفي مصادر الشريعة؟

     استخدم القرآن الكريم لفظ (الإصلاح) للدلالة على التجديد الشرعي المقبول، ومن الآيات الدالة على ذلك قوله -تعالى-: {والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين}(الأعراف: 170)، وقوله -تعالى-: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية  ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون}(هود: 126-117)؛ فالدعوة إلى الإصلاح تكررت الإشارة إليها في القرآن الكريم، كما جعل الله من صفات المؤمنين التواصي فيما بينهم بالحق والصبر، وهذه طريقة من طرائق التجديد؛ فقال -سبحانه-: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}(العصر)، وفي السنة قوله صلى الله عليه وسلم : «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» أخرجه أبو داوود والطبراني وصححه الحاكم.

المتقدمون يقومون بعمليات تجديد

     جاء الحديث عن تجديد الدين في كتب الأئمة المتقدمين في شرحهم للأحاديث التي جاء فيها المصطلح، كما مر في الأحاديث السالفة الذكر، وممن كان قد نوى جمع الأقوال المتناثرة في ذلك، الإمام ابن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى-؛ إذ قال: «لعل الله إن فسح في المهلة، أن يسهل لي جمع ذلك في جزء مفردة» وكتب الحديث التي خرجت حديث المائة، تناولت طائفة من الآراء حول موضوع التجديد، مثل سنن أبي داود وشروحه، وكتاب جامع الأصول لابن الأثير، وكتاب الجامع الصغير للسيوطي. «وأما كتب التراجم والطبقات؛ فقد كانت المجال الثاني الذي أبرز فيه السلف فكرتهم عن التجديد؛ وذلك عند تناولهم لسيرة أحد المجددين ومن ذلك: (طبقات الشافعية الكبرى) للسبكي (727 – 771)، وكتاب: (ترجمة الإمام الشافعي)، للإمام ابن حجر وعنوانه: (توالي التأسيس بمعالي ابن إدريس)، وكذلك قد ذكر أن زين الدين العراقي (725 – 806 هـ)، قد تناول هذا الموضوع في ترجمته للغزالي في أول تخريجه لأحاديث كتاب (إحياء علوم الدين).

تحديد المجدد لكل عصر

     بل كان اهتمام السلف -رضوان الله عليهم- في تناولهم لحديث رأس المائة أن يذكروا اجتهادهم في تحديد من هو المستحق للقب المجدد، والإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- ساق مروياته للحديث بالطرق المختلفة، ثم ذكر من ذكر من هو مجدد القرن الأول ومن هو مجدد القرن الثاني، مما يعني أن الحديث كان مشهوراً، وأن القضية محل اهتمام منهم -رحمهم الله تعالى- وأما تعيين المجدد؛ فقيل: إن مجدد القرن الأول سيدنا عمر بن عبد العزيز والثاني فمجدده الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى».

كيف كانوا يقومون بعمليات التجديد والتطوير؟

     لما كان التجديد مسلكاً شرعياً، والشريعة متكفلة بوضع ضوابط لعملية التفكير؛ بحيث تؤدي المقاصد العامة، ولا تتنافى مع الرسالة الإلهية، كان لابد من وجود ضوابط لهذا التجديد، وهي الحدود التي لا يتجاوزها المجدد في المنهج الإسلامي، أولاً: أن يكون المجدد أهلاً للتجديد؛ بحيث تتوفر فيه مجموعة من الشروط منها: أن يكون من أهل الديانة، بـأن يكون مسلماً؛ إذ لا يصدق أن يكون العاملون على تجديد المنهج الإسلامي غير مسلمين، كما هو الحال الآن في الدراسات الغربية المعنية بالإسلام؛ فكيف يجدد في الدين من لا يحترم مصادره أو يستهين بها، يقول الإمام المناوي -رحمه الله-: «يجدد لها دينها أي يبين السنة من البدعة». ومنها: أن يكون عالما معلوماً للأمة؛ بحيث يظهر أثره للخلق؛ فلا يكون مغموراً، وفي هذا يقول الإمام السيوطي -رحمه الله تعالى-: «أما الرجل القائم بتجديد الدين؛ فلابد أن يكون ظاهراً حتى يتبين تجديده للناس ليحصل به المقصود»، ويقول أيضاً: «وكذلك لابد أن يكون المبعوث على رأس المائة أن يكون نفعه عاماً مطلقاً في الأرض، أو فيه نوع عموم؛ فلو كان مغموراً مجتهداً لا يصل علمه لغيره؛ فلا حصول للمقصود من التجديد، ومنها: أن يكون عالماً بواقع الأمة؛ إذ لا يتصور مجدد للأمة وهو على غير علم بواقعها غائباً عنه، وأن يكون صاحب علم وبصيرة وقدرة على الاستنباط وقدرة على تمييز الصحيح من السقيم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك