رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبدالله بن همام 17 مايو، 2011 0 تعليق

تطاولوا على العلماء ورفعوا السلاح على الأمة والأئمة- بعض منظريهم يتحدثون عن الأخطاء والأخطار التي ينطوي عليها منهج القاعدة

 

 يرى العديد من الباحثين أن القاعدة لم تكن ذات منهجية واضحة منذ تأسيسها كما أن أعضاءها كانوا يعادون المنهج السلفي وأعلنوا الحرب على علمائه بسبب ضعف حصيلتهم العلمية وانتماء بعضهم إلى أفكار ومناهج مخالفة للمنهج السلفي، وفي هذا الصدد يقول الباحث أسامة شحادة: ويتضح أكثر من ملاحظة خلو قيادات القاعدة من السلفيين واقتصارها على شخصيات مصرية ليست معروفة بالعلم الشرعي... وهكذا يتبين أن فكر القاعدة تكون من لقاء ابن لادن والظواهري خاصة وغيره من الجماعات الإسلامية الوافدة التي لا تعرفها الجزيرة العربية مع غياب وجود لعلماء ومفكرين سلفيين في بيشاور في وقت كانت تعج بكل الأفكار والاتجاهات؛ مما سهل لها استقطاب العديد من الشباب وتحويله إلى فكر ثوري، ويضيف شحادة بعد ذكره انتماءات الظواهري للأفكار الثورية التي ظهرت في السبعينيات: وهكذا يتضح لنا البعد التحريري وحتى فكرة الانقلاب العسكري وتكفير النظام، ويضيف أيضا قوله: وبهذا يتضح عدم صحة نسبة فكر القاعدة للدعوة السلفية بل هو ينتسب إلى حزب التحرير!

       وإذا فهمنا أن هذا الفكر بعيد كل البعد عن المنهج السلفي يمكننا أن نستعرض الردود العلمية التي وجه إليها بعض من كان انتمى إلى هذا الفكر في مرحلة من المراحل، وعليه فقد أوضح العديد ممن تراجعوا عن منهج التكفير والتفجيرات التي تنتهجها القاعدة المخالفات الشرعية التي ينطوي عليها منهج القاعدة، وفي كتاب: (تفجيرات القاعدة الأخطاء والأخطار) الذي ألفه كل من كرم محمد زهدي ومحمد علي الشريف، وحمدي عبدالرحمن عبدالعظيم، وعاصم عبدالماجد محمد، وناجح إبراهيم عبدالله، وأسامة إبراهيم حافظ، وفؤاد محمد الدواليبي، ومحمد عاصم الدين دربالة الذين كانوا من أعلام الجماعة الإسلامية بمصر وتراجعوا عن آرائهم مؤكدين أن مفردات خطابات القاعدة مسكونة بهاجس (العداء) العمومي أولا، والاندفاع في مقابل العجز السياسي ثانيًا وأنها تصدر عن معرفة فقهية منقوصة ومغلقة في آن واحد، وكأنها مسائل اعتقاديه يقينية؛ فتستباح بها دماء المسلمين، وبذلك يتم تجاهل الفارق بين القضايا التعبدية الشعائرية الدينية الخالصة وقضايا (الجهاد) والشأن العام التي تجمع الديني إلى السياسي، الأمر الذي يؤكد غياب البعد السياسي عن منطق (القاعدة) وفعلها وما شاكلها فضلا عن خطاباتها التي تؤكد الإصرار على ذات الفعل دون الاكتراث لعواقبه، حتى وإن جاءت معاكسة بعيدا عن نظر المصالح والمفاسد الشرعية المترتبة عليها وتحقيق المناط الشرعي!

       ويشهد على ذلك أن عمليات القاعدة لم تشكل أي مكسب سياسي أو استراتيجي أو تكتيكي، أو ديني سواء لصالح قضايانا العالقة، أم لصالح ممارسة (الجهاد) نفسه بوصفه مفهوماً له ضوابطه وأحكامه، ومفهوم (النكاية) الذي انقلب علينا الآن.

       في المقابل نجد أن النتائج السلبية متعددة، بدءًا من استهداف التنظيم الذي يقف خلفها، وتاليًا - وهو الأهم والأخطر - أنها تضرُّ على المستوى الإعلامي والمفهومي بمفهوم (الإسلام) وصورته كدين.

       فعلى المستوى السياسي والعسكري تم استثمار ذلك الفيض التواصلي السلبي (للإرهاب) في مناطق متعددة في كل من فلسطين لحساب الكيان اليهودي لمزيد من ممارسة القمع والإجرام، وفي الشيشان لحساب روسيا، وفي كشمير لحساب الهند، وفي أمريكا نفسها التي استطاعت تمرير (قوانين الإرهاب) المصادمة لكل حقوق الإنسان من دون اعتراض يذكر، وهو ما قدمته أحداث سبتمبر.

فرضيات وأوهامها

       وحول ما سمي البحث بفرضيات القاعدة وأوهامها يبين المؤلفون أن القاعدة بنت استراتيجيتها ومواقفها على مجموعة من الافتراضات المجانبة للصواب، ومن ذلك ما يلي:

       أن أمريكا يمكن أن تتخلى عن وجودها في الخليج تحت وطأة العمليات الانتحارية التي تقوم بها القاعدة ضد رعاياها ومصالحها! والقدرة على التحدي والاستنزاف العسكري لأمريكا وحلفائها بالضربات الموجعة! وتوحيد الأمة تحت راية الجبهة العالمية لقتال اليهود والنصارى بعد نكوص الحكومات عن المواجهة! والقول بأن أمريكا لن تتحمل في صراعها مع القاعدة حدوث خسائر بشرية في جنودها! والاعتقاد بأن معية الله دون الأخذ بالأسباب كفيلة بتحقيق النصر على الأعداء! ودفع أمريكا لتبني مطالب القاعدة والعمل على تحقيقها في كافة القضايا الإسلامية تحت وطأة التفجيرات!

       ومع هذا فقد تسببت مثل تلك الفرضيات في حدوث أخطاء جسيمة ولا سيما ما ترتب منها على تفجيرات الرياض، ومن ذلك: خطأ التقييم والاختيار: حيث استهدفت التفجيرات بلدا إسلاميا يطبق الشريعة الإسلامية ويرعى الحجيج ومشاعر الحج، وكذلك الخطأ في حساب الجدوى: حيث ظنوا أن التفجيرات ستعمل على طرد الأمريكان في حين حصل العكس وتضاعف الوجود الأمريكي في المنطقة، فضلاً عن أخطاء شرعية فادحة: حيث تشهد الإحصاءات والتقارير أن معظم الضحايا والمصابين كانوا من المسلمين ومن جنسيات غير مستهدفة، أي أن التفجيرات استهدفت عددا من المسلمين من معصومي الدم بغير وجه حق، ومن الأخطاء الشرعية أيضا تنـزيل أحكام التبييت والضرب بالمنجنيق على الواقع لتسويغ قتل هؤلاء المسلمين، واستهداف هؤلاء المسلمين استنادا إلى جواز انعماس المسلم في صف الأعداء طلبا للشهادة في حين نجده في تفجيرات الرياض انغماسا في صف غالبيته من المسلمين، كما أدت تلك التفجيرات إلى مقتل عدد من الأجانب الذين دخلوا المملكة بأمان معتبر.

الخلل في الاستراتيجية

       وحول تقييمهم للخلل الاستراتيجي لأعمال القاعدة جاء في الكتاب: وبنظرة فاحصة يتبين لنا العديد من مواطن الخلل والخطأ في تلك المنهجية التي اتخذتها القاعدة، ومن ذلك ما يلي:

       خلل في فهم الجهاد بوصفه شريعة، فالجهاد عندهم مقصود لذاته وهو الوسيلة الوحيدة الفعالة للمواجهة، وخلل في معرفة الأحكام الشرعية وضوابطها، وخلل في قراءة الواقع وتنزيل الأحكام الشرعية عليه، وخلل في ترتيب الأولويات وضبابية في تحديد الأهداف والاستراتيجيات، والترويج للحرب على أساس ديني بحت بين أمة الإسلام واليهود والصليبيين، والاستخفاف بمعطيات السياسة الدولية، وفي قراءة قدرات الأمة والذات وقدرات الخصوم، وكذلك في اغتنام الفرص الذهبية؛ حيث عرضت عليهم أمريكا دعم النظام الإسلامي الوليد في أفغانستان ولم يستجيبوا له، والتحرك بعقلية التنظيم السري بدلا من دعم بناء الدولة الإسلامية وتقويتها، والخطأ في تنـزيل الحكم الشرعي الخاص بإباحة انغماس المسلم في صف العدو لتبرير تفجير الطائرات المدنية والشحنات الملغومة، وفي تنـزيل أحكام الإغارة لتبرير استخدام التفجيرات العشوائية، والخطأ في تنـزيل الأحكام الخاصة برمي الترس وجواز الرمي بالمنجنيق لتبرير التفجيرات العشوائية، وكذلك في استهداف الأجانب والسياح بدعوى عدم انطباق أحكام الأمان عليهم، فضلا عن استحداث نوع جديد من القتال رغما عن أنف الحاكم ضد رعايا دول أخرى كافرة من قبيل إجبار دولهم على تغيير سياساتها ونهج تعاملها مع القاعدة كما حدث في تفجيرات الرياض والدار البيضاء، والاجتزاء الواضح لبعض النصوص الدينية من دون استكمال الرؤية الكلية في إطار كليات الوحي ومقاصده.

أسباب المعارضة لمنهجهم وسلوكهم

وعن سبب معارضتهم لفكر القاعدة ومنهجها لخصوا لنا النقاط الآتية:

       إهدارها للمصالح الشرعية المعتبرة، ووقوعها في مفاسد عدة جراء ممارساتها، وقراءتها غير السليمة للواقع وفهمها القاصر للأحداث، وتبنيها لإستراتيجية الصراع مع العالم كله في آن واحد، وإثارتها لحرب دينية ضد الأمة الإسلامية وزج المسلمين فيها، وقصرها الاستجابة على الأحداث وواقع الأمة المزري على منطق الصدام والصراع بذريعة الجهاد، واعتقادها أن فارق القدرات بين الأمة وأعدائها يمكن تعويضه بتقديم الشهداء جيلا بعد جيل، واعتقادها أن استنفار الأمة المتواصل ضد خصومها كفيل بالمحافظة على جذوة الجهاد مشتعلة، واعتقادها أن منطق التعاون والصلح مع الأعداء قرين الاستسلام والخيانة والعمالة، وأنها لا ترى الصلح أو التفاوض أو السلام ممكنا مع العدو وإنما الصراع والتضحية والجهاد فحسب، واقتصارها في مواجهة العدو على تحقيق النكاية والإيلام دون النظر إلى المصالح الشرعية والمفاسد المترتبة، وإقحامها الأمة في صراع غير متكافئ وغير مستعدة له أو راغبة فيه، وممارستها فن جلب الأعداء على خلاف هدي الرسول [ في تحييد الأعداء وإدارة الصراع، وإغفالها الهدي النبوي في المرونة في التعامل مع الواقع واستخدام الصلح والعهد والموادعة والتحالف والتعاون أحيانا بدائل شرعية للجهاد، وتسبب إستراتيجيتها من خلال ضرب الأمريكان في نمو التيارات المعادية للإسلام والمسلمين، وحثها أفرادها على استهداف كل غربي نصراني أو يهودي بالقتل في طول الأرض وعرضها، وأن معظم تفجيراتها تنطوي على أخطاء شرعية واضحة مثل قتل معصوم الدم من المسلمين بلا مسوغ شرعي وقتل من لا يجيز الشرع قتله ابتداء من النساء والصبيان فضلاً عن قتل من له نوع أمان، وتسببها في تسلط الأعداء على الأمة الإسلامية من كل جانب وتوفير الذرائع لإذلالهم واستغلال خيرات المسلمين واحتلال أرضهم، وأن عملياتها لم تشكل أي مكسب سياسي أو إستراتيجي أو ديني سواء لصالح قضايانا العالقة أو لصالح ممارسة الجهاد كمفهوم له ضوابطه وأحكامه، وأن ممارسات القاعدة أدت إلى تزاحم الغايات ومن ثم أرادت القاعدة تحقيقها دفعة واحدة وأقدمت على ذلك مغفلة أهم غاية فيها وهي الدفاع عن دولة الإسلام الوليدة في أفغانستان آنذاك، واعتمادها الجهاد والقتال خيارا أثيرا بعد إعلان تشكيل جبهة قتال اليهود والصليبيين بمعزل عن الوسائل الشرعية الأخرى، وجنوحها إلى تضخيم الواقع وإلى التفسيرات التآمرية والتفسير الحتمي لمسار الأحداث وكأن الحياة مختبر كيميائي.

النتائج السلبية

       ويؤكد البحث أن استراتيجية القاعدة وتصرفات أفرادها أدت إلى جملة من المفاسد والنتائج السلبية، ومن ذلك: انهيار الدولة الإسلامية الوليدة في أفغانستان وإعادة رسم شكل الحكم هناك وفق الرؤية الأمريكية، ومطاردة القاعدة والحركات الإسلامية في إطار العولمة الأمنية التي انتهجتها أمريكا وحلفاؤها، والإضرار بقضايا الأقليات الإسلامية بالخلط المتعمد بين الحركات المقاومة للاحتلال والإرهاب، وإفساح المجال أمام تحقيق الأهداف الإسرائيلية ومقارنة ما تعانيه إسرائيل من المقاومة الإسلامية بما شهدته أمريكا في 11 سبتمبر من هجمات القاعدة، والاندفاع الأمريكي نحو صراع الحضارات والاستجابة لأجندة اليمين المتطرف وإعلان محور الشر، وتعرض الجاليات الإسلامية في الغرب لمضايقات عنصرية وتشديد قوانين الهجرة واللجوء السياسي فيها، والإسهام في الترويج لصورة نمطية للإسلام بأنه الخطر القادم والعدو البديل ووصفه بالعنف والإرهاب، وولدت استراتيجية القاعدة مفهوما للجهاد يفتقر إلى الشرعية والعقلانية عندما طبق بمعزل عن حساب القدرة والمصالح والمفاسد المترتبة عليه، وتعريض الهوية الإسلامية إلى عملية تغيير لصالح القيم والهوية الغربية ومحاولات تغيير المناهج..إلخ، فضلا عن أن استراتيجية القاعدة أدت إلى إحداث تقارب بين أمريكا وأوروبا حول العديد من القضايا على عكس ما كانت تتصور.

مواطن الخلل في بعض الممارسات الجهادية اليوم

       وعن الخلل في بعض الممارسات التي تمس الجهاد في العصر الحديث يؤكد الباحثون أن أكثر الأخطاء شيوعا بين الذين يمارسون الجهاد اليوم هي تلك الناجمة عن الخلل في تنـزيل الأحكام الشرعية بشكل غير صحيح على الواقع المعيش، وممارسات القاعدة خير دليل على ذلك، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى أمرين: أحدهما إسناد تنـزيل أحكام الجهاد إلى غير العلماء والمجتهدين، والآخر ناجم عن إهمال العلاقة الوثيقة بين الحكم الشرعي والواقع الذي سيتم تنـزيل الحكم عليه، أي إن الإخلال بالقواعد الشرعية المنظمة والضابطة لتنـزيل الأحكام الشرعية على الواقع يمثل السبب الجوهري المولد لتلك الأخطاء.

       وفي الختام يتأكد لنا عدم وضوح الرؤية لأصحاب هذا الفكر التكفيري وعدم انتمائهم إلى المنهج السلفي؛ حيث إنهم لا يتبعون أقوال العلماء، بل يعادون كبار العلماء، مع أنه لا يوجد في صفوفهم علماء كبار يمكن أن تؤخذ منهم الفتوى، وعليه فإننا نستطيع أن نفهم أن من يصفون هؤلاء بأنهم تأثروا بالفكر السلفي أو أنهم ينتمون إلى السلفية، ليس لديهم ما يكفيهم من العلم في ماهية الفكر السلفي الذي هو اتباع الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين والقرون الثلاثة التي وصفها الرسول [ بالخيرية، ويكفي المرء أن يتساءل: هل كان أهل القرون المفضلة يؤيدون مثل هذا النهج؟! وكيف كان موقفهم بالحركات الخارجية التي حملت السيف على الأمة؟ وبعد ذلك نفهم الفرق بين المنهج السلفي وغيره من المناهج الخارجية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك