رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة: دار الإعلام العربية 2 أبريل، 2012 0 تعليق

تضم أكثر من 128 ألف مخطوط ومطبوع- مكتبة الأزهر الشريف.. درة التراث الإسلامي

 

إذا أردت أن تنهل من ثمرة عقول العلماء على امتداد التاريخ الإسلامي من خلال أكثر من 128 ألف مخطوط أصلي وموثق، فما عليك إلا زيارة هذه المكتبة أو التجول عبر موقعها الإلكتروني، وستفاجأ بفيض غير نهائي من ينابيع المعرفة في شتى مجالات الحياة ولاسيما ما يرتبط منها بالإسلام.. هذه هي مكتبة الأزهر الشريف التي كانت نواتها الأولى في العام 517هـ، ومع الزمن أصبح لكل رواق في الأزهر مكتبة خاصة به، ثم أضحت مكتبة جامعة شاملة في العام 1314هـ، حتى أصبحت اليوم واحدة من كبريات المكتبات الإسلامية حول العالم.. زرنا المكتبة وجئنا بالتفاصيل الآتية.

         إذا كان داعي الدعاة «أبو الفخر صالح» هو أول من تولى الإشراف على المكتبة سنة 517هـ بقرار من الحاكم الفاطمي، فإن جولتنا اليوم تبدأ بلقاء آخر من تولى الإشراف عليها وهو الأستاذ مهدي شلتوت، رئيس الإدارة المركزية للمكتبة حاليا،والذي أوضح أن نظام الأروقة كان من النظم التقليدية في الأزهر، وقد بلغ عددها 27 رواقا.. والرواق هو عبارة عن بناء يسكنه الطلبة الذين وفدوا من بلادهم طلبا للعلم، وتيسيرا عليهم في الحصول على المعرفة جعل لكل رواق مكتبة خاصة به، كان الانتفاع بها متروكا لتقدير شيخ الرواق... أيضا كان لبعض المساجد والمدارس القديمة مكتبات تعرضت للتلف والضياع على أيدي الذين لا يعرفون قدرها، الأمر الذي جعل الشيخ محمد عبده، مفي الديار المصرية عام 1897م، يفكر في إنشاء مكتبة حديثة تجمع كل ما لدى الأزهر من أصول التراث الإسلامي.

         ويوضح رئيس الإدارة المركزية للمكتبة، أن زائرها يلمس عن قرب ما تتميز به من ثراء معرفي؛ نظرا لكونها «مكتبة العلماء» التي تضم آلافا من الكتب والمخطوطات التي رصدها «الواقفون» من أهل البر والإحسان الذين حبسوا ريع أوقافهم حتى بلغت محتوياتها أكثر من 128500 مرجع ما بين مخطوط ومطبوع.

نوادر المخطوطات

         وفي البهو الرئيس للمكتبة يشاهد الزائر قاعة أطلق عليها «نوادر مقتنيات المكتبة الأزهرية من رسائل ومصاحف» يتوسطها فاترينة مستطيلة تحوي مجموعة من أندر المخطوطات في مراحل مختلفة، منها: «غريب الحديث لابن سلام» الذي نسخ في القرن الثالث الهجري وظل مؤلفه أكثر من 36 عاما يدقق في جودة الأحاديث وصحتها. ومن اللافت لنظر زائر المكتبة أنها لا تقتصر فقط على عرض الكتب والمخطوطات الإسلامية، بل يشاهد ويقرأ مخطوطات في شتى العلوم الإنسانية مثل الطب والفلك والهندسة، ومن ذلك: «بقية المحتاج في الطب الأنطاكي»،و«تقويم الكواكب السيارة» في مجال الفلك، وكتاب: «القانون» في الطب لابن سينا، الذي لا يوجد منه سوى أربع نسخ على مستوى العالم تقتني منها مكتبة الأزهر نسختين، واحدة «مطبوع» والثانية «مخطوط».

         أيضا تحتوي إحدى نوافذ العرض على مخطوط يضم مجموعة من رسائل الإمام السيوطي كتبت بخط يده تعود إلى القرن التاسع الهجري... وبالقرب منها عدد من المخطوطات لمصاحف مختلفة الأحجام خطت ونسخت في أعوام متباينة، جاءت آية في الجمال لتسر الناظرين، ومن بينها كما يوضح أحمد كامل، مشرف العرض، مصحف كتب بماء الذهب الخالص، أيضا تضم واحدا من أندر المصاحف في العصر العثماني، و: «حبة الحنطة» مكتوب عليها إحدى سور القرآن مع البسملة، وعلى مقربة منها صندوق مصنوع من الفضة محلى بماء الذهب يعود إلى القرن السادس الهجري بداخله أجزاء منفصلة من القرآن الكريم برسم مستطيل بماء الذهب الخالص.

         ويشير أيضا إلى مصحف مذّهب كُتب على ورق بخط الثلث، دون أن يحمل تاريخ نسخه، ومصحف شريف آخر يعد من أندر وأعجب المصاحف كونه مكتوبا على رق غزال بخط كوفي غير منقوط، بالإضافة إلى مصحف آخر كتب في ثماني عشرة ورقة فقط، فواصله بماء الذهب وقد كتب على أول ورقة منه «لا إله إلا الله.. محمد رسول الله» تقرأ يمينا ويسارا.

التعاون مع المملكة

         ومن داخل فاترينة ثالثة نقرأ عن جغرافية المغرب العربي في مجموعة مخطوطات بثلاث لغات، ومجموعة أخرى من الأوامر التي صدرت في عهد أسرة الوالي محمد علي مختوم عليها بتوقيعه.. وعلى مقربة منها يقف الزائر ليشاهد بعض «الوقفيات» مثد المرصد الفلكي الذي أوقفه إسماعيل باشا الفلكي على طلبة العلم بالأزهر عام 1316هـ، ووقف آخر يخص حفيظة هانم رستم الألفي، التي أوقفت أموالا طائلة على طلبة العلم عام 1355هـ.

         ويقترب زائر المكتبة من فاترينة أخرى تضم عددا من أمهات الكتب الإسلامية القديمة أبرزها النسخة الأصلية لـ: «سيرة ابن هشام» المنسوخة عام 805هـ بقلم محمد بن أحمد القدسي.. وكتاب: «الكشاف» للزمخشري، وغيره من أندر الكتب والمخطوطات التي لا نظير لها إلا في مكتبة الأزهر الشريف.

         ولم يفت مدير عام المكتبة محمد عبدالقادر التأكيد على نقطة مهمة، وهي أن المكتبة في ثوبها الجديد إنما هي ثمرة تعاون عربي متميز بين إدارة الأزهر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، موضحا روح التعاون الطيبة التي أبداها المسؤولون في البلدين الشقيقين لميكنة العمل داخل المكتبة وتطويره؛ إسهاما في خدمة الإسلام والإنسانية وطلاب العلم في شتى فروع المعرفة، مشيرا إلى أن المكتبة بصدد إصدار طبعة جديدة من فهارس المخطوطات بالتعاون مع: «سقيفة الصفا العلمية»، وهي مؤسسة معنية بإصدار فهارس الكتب المخطوطة ومقرها جدة بالمملكة العربية السعودية، وعندما يكتمل طبع الفهارس للكتب المخطوطة سيتم توزيعها على المكتبات العالمية لتزداد معرفة العالم بقيمة تراث الإسلام.

         وأشاد أيضا بدور دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا الصدد، موضحا أن المكتبة حظيت بدعمها، ولاسيما في مشروع حفظ وميكنة وترميم مخطوطات المكتبة ونشرها على العالم عبر شبكة المعلومات الدولية، موضحا أنه تم الانتهاء بالفعل من ميكنة نحو 16 ألف مخطوط تحتوي على ما يقرب من 2.5 مليون ورقة، ويهدف هذا المشروع إلى ترقيم المخطوطات النادرة وتحويلها من الشكل الورقي إلى الرقمي، وفي ذلك فائدتان رئيستان؛ الأولى هي الحفاظ على المخطوطات الأصلية من التعرض للتلف أو الضياع، والثانية هي حصول طلاب العلم على ما تتضمنه هذه المخطوطات من معارف بطريقة يسيرة وسهلة وغير مكلفة من خلال الاطلاع الإلكتروني عبر الشبكة العنكبوتية.

ترميم المخطوطات

         وقبل أن تنتهي الجولة بخطوات قليلة داخل مكتبة الأزهر، تبادر إلى الذهن سؤال عن كيفية ترميم المخطوطات إدارة ونظاما؟ وللإجابة عن ذلك التقينا مجدي مهران، رئيس إدارة ترميم المخطوطات بالمكتبة، والذي أوضح أن الحفاظ على التراث الإنساني الذي تحتويه هذه المخطوطات واجب إنساني، مؤكدا ان للترميم قواعد وأصولا وأساليب خاصة تبدأ في المعمل المعد لذلك من خلال عملية «التعقيم»، وفيها يتم تعقيم المخطوط بمواد كيميائية مخصصة لهذا الغرض في ظروف مناسبة من حيث درجة الحرارة والرطوبة.. ثم تبدأ المرحلة الثانية لمعرفة نوعية الترميم الذي يحتاج إليه المخطوط؛ لأن هناك مخطوطات لا يمكن التعامل معها آليا خاصة المخطوطات المكتوبة بمداد ملون، فقد تتأثر هذه الألوان نتيجة المعالجة أو الترميم الآلي، وفي هذه الحالة يتم التعامل معها عن طريق الترميم اليدوي.

      ويوضح أن كل مخطوط وكل كتاب يستغرق ترميمه وقتا تحدده حالة المخطوط نفسه، لافتا إلى أن الترميم الآلي أسرع بكثير من نظيره اليدوي، وهناك مخطوطات لا تتأثر بالماء ويتم التعامل معها آليا.

      وعن كيفية تحديد أمراض الخطواط يوضح أن ذلك يتم في «قسم المعالجة الكيماوية» لتحديد أمراض الخطوط من فطريات وحشرات آكلة وسوء تخزين.. وتأتي المحطة الأخيرة في عملية ترميم المخطوطات في قسم «التجليد»، حيث يتم خياطة المخطوط وتجليده ووضع الزخارف والحليات المناسبة له والتي تتوافق مع العصر الذي ينتمي إليه، وهذا أقل ما يمكن بذله في سبيل الحفاظ على تراث   أمة الإسلام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك