تصحيح المفاهيم (2) شبهات حول قاعدة: قول الحق وإن كان مُـرًّا
قال العلامة ابن الوزير -رحمه الله-: «ولو أن العلماء - رضي الله عنهم - تركوا الذب عن الحق، خوفا من كلام الخلق؛ لكانوا قد أضاعوا كثيرا، وخافوا حقيرا» انتهى من (العواصم والقواصم) (223/1)، وهذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخشيةَ أن يُفهم كلام ابن الوزير -رحمه الله- على غير منهج العلماء؛ نورد هذا تفصيلاً له في هذا المقال.
معلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له مراتب: فيكون باليد، أو باللسان، أو بالقلب؛ فالذي يتولى ذلك باليد من له سلطة نافذة على من يأمره وينهاه، كولي الأمر في دولته، أو الوالد في أسرته، أو العالم المشهور الذي له قبول عند الحاكم والمحكوم، كما فعل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بعض الحالات والأوقات، فكأنه بمنزلة المأذون له من الحاكم في زمانه، وليس التغيير باليد كلأً مباحًا لكل أحد؛ لأن ذلك يُفضي في الغالب إلى مفسدة أكبر، ويفتح باب الفوضى والرد بالمثل وزيادة، وغير ذلك من المفاسد.
وأما التغيير باللسان فيكون لأهل العلم والمعرفة الشرعية التامة بحكم الأمر الذي يتكلمون به أمرا أو نهيا.
وأما التغيير بالقلب -وهو أدنى مراتب التغيير- هو: كراهية المخالفة الشرعية فعلا كانت أم تركا بالقلب، واعتزال مكانها إن أمكن، فهذا يستطيعه كل أحد، ولا يجوز تركه، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
العلم بالحكم الشرعي
ويلزم الآمر الناهي أن يكون عالما بالحكم الشرعي، رفيقًا حليما في أمره ونهيه، وليس في إقامة الحدود الشرعية مخالفة للرفق والرحمة؛ لأن الله أمر بها، ولا يأمر -سبحانه وتعالى- إلا بما فيه رحمة لخلقه، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله.
الإخلاص لله -تعالى
ويُشترط في الآمر الناهي أن تكون غيرته خالصة لله -عز وجل-، لاعن عصبية، أو هوى، أو لشيء دفين في نفسه، حتى يظفر بالأجر، ولا يكون متشبّعًا بما لم يُعْطَ.
مآلات الأمور
كما يُشترط أن يراعي الآمر الناهي مآلات أمره ونهيه، فإن كان أمره أو نهيه سيؤول إلى مفسدة أكبر دينًا أو دنيا فلا يُقْدِم على ذلك، وله عذره عند الله، لكن تقدير المصلحة والمفسدة يرجع إلى أهل العلم والاختصاص بالمسألة وملابساتها، والظروف العامة والخاصة المحيطة بها.
وعلى ذلك: إذا كان تغيير المنكر يترتب عليه منكر أكبر؛ فمن المنكَر أن يُنْهَى عن المنكر.
تهديد ووعيد
(تنبيه) قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: «وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» أي في هذه المسألة، وفي هذا تهديد ووعيد لمن ترك الأمر والنهي، ولا يلزم من ذلك كفره وخروجه من دائرة الإسلام، إذا لم يقم بذلك؛ فمن المعلوم عند أهل السنة أن فاعل الكبيرة لا يلزم من ذلك كفره، فكيف يُكَفَّر من لم يُنكِر عليه وقوعه في المعصية، نعم إذا استحل هذا أو ذاك فعل المعصية؛ فهذا كُفر، ويُنَزَّل هذا الحكم على المعين بضوابطه المعروفة عند أهل السنة.
لاتوجد تعليقات