تصحر المشاعر بين الزوجين.. والبادي أظلم!!
من يا ترى من المفترض أن يبادئ الآخر بالتعبير عن حبه وعاطفته.. الزوجة أم الزوج؟! في بداية أول أيام الزواج يتوقع الكل أن الزوجة تظهر حياء وتنتظر من الزوج الجرأة في مبادأتها بالملاطفة مرة تلو مرة؛ حتى تبدأ هي شيئا فشيئا بمبادلة عريسها تلك الملاطفات، حسناً هذا في بدايات الزواج مع تفتق الحب الأول، وهذا إن ظهر الحب في البدايات، وقد لا يظهر إلا بعد مضي وقت من الزمن بينهما طال أو قصر، المهم أن التعبير عن المشاعر والأحاسيس نتوقع ابتداءه من الرجل ثم تعقبه زوجته، وبعد مضي الأسابيع والشهور الأولى يتبادل الطرفان كلمات الود والحب والملاطفة ويتجاذبانها فيما بينهما، وأنا لا أدري ماذا يحدث وما الذي يطرأ من تغير على العلاقة الزوجية بعد أول الشهور، وبعد نهاية الاحتفاء بشعور العروسين بالاتقاد فيما بينهما، أنا لا أدري لماذا بعدها يبدأ الرجل في التسويغ لنفسه و"لعروسه" أن الحب يا حبيبتي بالأفعال وليس بالأقوال، لا تسأليني باستمرار: "تحبني؟! تحبني؟!" أبي أحس إنك تحبني حيل!!" يرد عليها الحبيب "إي أحبج!" تشعر هي ببرود كلمته وأنها تحصيل حاصل لإسكاتها!! وهو في المقابل يمتعض من تكرار سؤالها؛ لأنه قد يكون سؤالا محرجا بالنسبة له، هو قد لا يحبها بعد، لم ينبت حبها في قلبه بعد، وهو يرحمها، ويخاف الله فيها نعم ولكن إلى الآن لا يشعر بالحب تجاهها، هي في المقابل دوما تريد أن تتأكد أنها قد شغفته حبا وأنها تملأ قلبه انجذابا نحوها، هي قلقة؛ لأن عريسها بعد الشهور الأولى من التصاقه بها صارت ديوانيته هي محبوبته، وإن كان مدمن عمل فإن عمله هو حبه الأول، وإن كان شغوفا بأمه و بأخواته فإنه يرجع للارتباط بهم بشدة حتى تقلق "العروسة" يا ترى هل هي الحب الأول أم أنا "بالتلش!!؟" أي بالأخير! هل أنا رقم واحد في قلبه؟! تزداد قلقا على قلق، لو أنه كل يوم يجلب لها هدية، لو كل يوم يصطحبها إلى مطعم ومنتجع، لو غطاها بلحاف الماديات لكن شاعريته معها قد توقفت كلماتها، ومن ثم فإن ذلك يزعجها حقا ودوما, لو أعطاها ما أعطاها إلا أنها متحسسة من تصحره في التعبير عن حبه لها، كل تلك العطايا لا تشبع عاطفتها، والمرأة دوما تريد أن تسمع وتشبع سمعها وكذلك قلبها... تشبعهما بكلمات شاعرية عاطفية من زوجها، عندما تتصل به هاتفيا تريد أن تسمع منه " هلا عمري آمري!!"، بعدما تصنع له أي صنيع تسمع منه: "مشكورة حبيبتي" وغيرها من العسليات الأكثر سحرا للمرأة!
لكل رجل قاموسه الخاص ومفرداته الخاصة وإذا لم يكن عنده قاموسا فليصنع لنفسه ما يتدرب عليه حق الدربة! وليتأكد أن الهدية والعطية يدفع مقابلها ثمنا وقد تعجبها وقد لا تعجبها فتجامله، ولكن كلمات الحب والعشق بين الزوجين هي مجانية لن يدفع مبالغ طائلة ليشتريها، وحتما ستنجذب لك محبوبتك وستذوب في كيانك؛ فكن على يقين أن قاموس الحب وسحر تأثيره لا يعادله سحر في قلب زوجتك إن أردت أن تأخذ مقابلا شاعريا من معين لا ينضب، فاعلم أنك كلما بادلتها الحب بادلتك إياه أضعافا، أتدري لماذا؟! لأن العاطفة عندها جياشة قوية كامنة تنتظر فقط تحريكك لها، وبصراحة -عزيزي القارئ- الزوجة لا ترتوي أبدا هي دوما تبحث عن أدلة دامغة تؤكد لها حب زوجها لها، وتؤكد لها أنه لا ولن يستغني عنها، فمثلما أن الرجل يهمه في مكنونات نفسه أن زوجته تشبعه عاطفيا وتحقق له السكن النفسي والهدوء القلبي فكذلك الزوجة لا تقوى أن تعيش مع زوج متصحر فقير في مشاعره، وكلما أبدت له رغبتها في ممارسة الحب معه: " زوجي حبيبي بوعيالي آنا محتاجتلك، إنت تحبني؟! ليش ما تقولي كلام حلو؟!!" يحتج الزوج بحجة دوما يكررها الرجال: " يا أم فلان الحب بالفعايل ما هي بالأقوال! احنا ما نبيع كلام!! "" تزعل أم عياله وتاخذ على خاطرها، يرجع يضمها ضمة التحصيل الحاصل!! "يالله ها، زين لا تزعلين، ما نخلص من زعلج، يالله يا حبيبتي يا عمري!! ارتحتي ألحين! "، انسدل الستار على الحب المصطنع المفبرك! فقد انتهى مشهد الحب وانتهت لحظاته بينهما، هو يظن أنه أشبعها وأنها ارتوت!!
عجب -عزيزي القارئ-، تخرج كلماته من طرف لسانه ثقيلة جدا، لسانه المربوط عن المدح لزوجته هو هو نفسه المنطلق في الذم وللذم أيضا لأم عياله! يغادرالزوج البيت وهي تعيش الحب على نغمة تلك اللحظات التي تمنّي نفسها - بضم التاء - أن تصدقها إنها لحظات حب مفعم بينها وبين زوجها وتقول في نفسها بائسة "" أشوة الحمدلله يحبني!! تتراجع لحظة " ها لأ لأ ما أظن! تراه يجاملني! يقص علي! ياخذني على قد عقلي! بلى بلى والله العظيم يحبني!! قال لي يا حبيبتي!!".
عزيزي القارئ، تصحر في تصحر في تصحر!! عجيب والله، أول أيام الزواج الحب في الأقوال وباقي عمر دنيا الزواج الحب يتوقف عن الكلام ويتحول إلى أفعال!على من تنطلي هذه الحيلة؟!، نحن قد نؤمن بها وأدري يقينا أنها حقيقة علمية نعم ولا ننكر ذلك، ولكنها مبالغ فيها إن قلنا إنها ديدن الحياة فيما بين الأزواج حتى صارت شمّاعة يسندون تصحرهم إليها ويتقوون بها كلما طالبتهم حبيبة العمر بالكلام المعسول، أنا أعتقد جازمة أن كلمات الحب و«عسلياته» تحتاج الزوجة إلى أن يدغدغ بها زوجها مشاعرها أكثر بكثير من حاجة الزوج لأن يسمعها من زوجته؛لأن الرجال على الرغم من حاجتهم للسكن النفسي إلا أن الشاعرية عندهم ينشدونها في مواضع وأحوال محددة، في حال ضعفهم وحزنهم، في حال مرضهم، في حال خوفهم وقلقهم، في لحظات أنسهم مع زوجاتهم، في لحظات قضاء وطرهم، ولكن المرأة عطشى دوما ولولا حياؤها وحساسيتها المفرطة لأباحت بوحا لزوجها ولأفصحت عن حدة الحاجة في نفسها، هي قد تعبر له عن فقر عاطفتها، قد تلمّح، قد تلوّح، ولكن يدب اليأس في نفسها حينما تتعايش معه وتجده أنانيا يطالبها بإشباع جميع متطلباته ولا مانع عنده أن تظل هي عطشى، وعطشى ولا شيء في دنياها يعوضها؛ فتزداد هي يوما بعد يوم بشعور الجفاف حتى تجف مشاعرها تجاهه وينضب معين عطائها وتتوقف عجلة الحياة بينهما بعد مضي سنين زواج ربع قرن أو أكثر، والناس من حولهم يتعجبون ويستغربون: "صبرتي كل هالسنين شفيج ألحين، ما فيج عافية تكملين"!! فتنظر إليهم بعين الماضي التليد: ألا ليت قومي يعلمون ما أعاني من تصحر وجفاف توقف معه العطاء لزوج لا يشعر ولا يحس بأم عياله دنيا حياته!! عندها نقول: البادي حقا أظلم!!
لاتوجد تعليقات