رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 18 ديسمبر، 2012 0 تعليق

تصاعد الخلافات داخل الائتلاف الحاكم يضع مستقبل الثورة التونسية على المحك- تونس تتجه إلى نفق مظلم

 

عند ما أبرم الرئيس التونسي المنصف المرزوقي وحزبه التجمع من أجل الجمهورية والشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي اتفاقا بتشكيل الائتلاف الحاكم بعد أسابيع من إعلان نتائج انتخابات الجمعية الوطنية، شكل هذا الأمر مفاجأة لعدد من المراقبين؛ حيث راهنوا على أن هذا الائتلاف سيكون عمره قصيرا، غير أن المفاجأة تمثلت في سرعة اشتعال الخلافات داخله وسعي كل طرف لتحميل الآخر مسؤولية الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عانت منها تونس منذ إسقاط بن علي؛ حيث تصاعد التوتر بين طرفي الائتلاف ووصل لأوجه بعد دعوة رئيس الجمهورية لإقالة حكومة الجبالي وتشكيل حكومة كفاءات مصغرة كونها لم تفلح في تلبية طموحات الشعب التونسي ولم تحقق أهداف الثورة، وهي الدعوة التي قدمت إشارة لافتة لاقتراب حليفي الأمس من حالة طلاق بائن ينهي ما يقرب من عام من شراكة سياسية أثارت إعجاب العدو والصديق على حد سواء.

اتهامات بالهيمنة

     دعوة المرزوقي لإقالة حكومة الجبالي لم تكن الإشارة الأولى لتفاقم التوتر بين شريكي الائتلاف، بل إن هذه الخلافات بدأت منذ أشهر عدة منذ أبدى المرزوقي غضبه من قرار تسليم رئيس وزراء ليبيا الأسبق البغدادي المحمودي إلى طرابلس دون علمه وما تلا ذلك من اتهامات لحركة النهضة بأنها تعيد تكرار سيناريو هيمنة نظام بن علي على مفاصل الدولة ومؤسساتها، وهي تصريحات واجهت انتقادات شرسة من رموز «النهضة» ووزراء الجبالي حدت بالمرزوقي إلى التراجع أو التخفيف من حدتها، إلا أن هذا الموقف لم يمر مرور الكرام بل ساهم في دق أول مسمار في نعش التحالف بين الطرفين وفتح الباب أمام خيارات عديدة منها فض الطرفين لهذا التحالف والعمل على تكثيف البحث عن شركاء أو السعي على مضض لاستمراره لحين الدعوة لانتخابات تشريعية بعد الانتهاء من صياغة الدستور.

     وعززت هذه الأجواء من حالة عدم الثقة بين شريكي الائتلاف لدرجة أن قادة بارزين في حزب النهضة بدأوا يتحدثون عن حالة ضيق رهيبة من ممارسات المرزوقي التي تتنافي مع مفهوم الشراكة السياسية وأن قادة الحزب لم يعودوا قادرين على تحمل انتقاداته وسعيه لتوظيف هذه الانتقادات للنأي بنفسه عن الحكومة الحالية بل العمل على توجيه خطاب للناخبين والرأي العام بأنه غير راض عن أداء الحكومة بشكل قد يمنح حزبه فرصة للفوز بعدد من المقاعد تؤمن له دورا في الساحة السياسية خلال المرحلة القادمة.

حكومة كفاءات

     بل إن الأمر تجاوز ذلك للإشارة إلى أن المرزوقي قد تجاوز صلاحيته بحديثه عن إقالة حكومة حمادي الجبالي وتشكيل حكومة كفاءات، باعتبار أنه لا يملك الحق في إقالة الحكومة أو حتى الحديث عن ذلك باعتباره رئيسا منزوع الصلاحيات، وهي مواقف أشارت إلى اقتراب التحالف بينهما من محطة النهاية وفتح الباب أمام تدشين تحالفات سياسية جديدة، فالتجمع سيبحث عن أحزاب أقرب له من الناحية الأيديولوجية مثل (نداء تونس) و(المسار الجمهوري)، فيما لن يجد حزب النهضة خيارا سوى الانخراط في تحالف مع التيار السلفي باعتباره الأقرب إليه وهو الأمر الذي قد يضر كثيرا بمصداقية حزب النهضة أمام الدوائر الغربية ولاسيما أنه حاول تسويق نفسه كساع لشراكة إسلامية علمانية تعيد بناء الدولة التونسية في مرحلة ما بعد بن علي.

     ويرى بعض المراقبين أن تصريحات المرزوقي ضد حكومة الجبالي تأتي في إطار سعيه لتكريس نوع من الابتعاد عن مواقف حزب النهضة في ظل الاتهامات الموجهة بعدم التصدي وبقوة لمحاولات هيمنة الإسلاميين على مؤسسات الدولة وتغيير الصورة النمطية التي سادت عنه خلال المرحلة الماضية كرمز غير مؤثر سياسيا رغم اعتلائه مقعد بن علي، وهو الوضع الذي لا يستطيع المرزوقي تحمله مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستحدد واجهة الدولة التونسية خلال الأعوام القادمة خصوصا أن القوى العلمانية والليبرالية تحاول استعادة أرضيتها في الشارع التونسي بأي طريقة.

انتقادات متبادلة

     ويفسر اقتراب الاستحقاق التشريعي بحسب ما يدعو إليه المرزوقي تصاعد لهجة الانتقادات لحزب النهضة وحكومة الجبالي، حيث يحاول خصوم النهضة والمشروع الإسلامي بشكل عام توظيف تعثر حكومة الجبالي لتوجيه رسالة للأحزاب القريبة منه فكريا بأن المرزوقي لم يستخدم كحصان طروادة لتمرير مخطط سيطرة النهضة على مؤسسات الدولة التونسية لأنه يسعى لفض عرى التحالف بينه وبين حزب الأغلبية والعودة مجددا إلي حلفائه وإنهاء تجربة الائتلاف الفريد بين حزب يساري وقوة إسلامية والاستعداد لمعركة حاسمة مع الإسلاميين.

     من جانبه لم يكتف حزب النهضة بتبني مواقف رافضة لتصريحات المرزوقي بل إن الحزب أخذ يرد عليه عبر تسريب مواقف تسير في إطار السعي لسحب الثقة منه باعتباره متجاوزا لصلاحيته، وهو ما أزعج الأخير بشدة ودعاه لإجراء اتصالات بالشيخ راشد الغنوشي الذي طمأنه بعدم مضي الحزب في هذا الاتجاه والتشديد على ضرورة العمل بقوة على مواجهة المشكلات التي تعاني منها البلاد ومنها الأزمة الاقتصادية والانفلات الاجتماعي والأمني الذي يضرب عددا من المدن التونسية وكان آخرها في سليانة، فضلا عن مقتل أحد الكوادر التابعة لحزب (نداء تونس) الذي يتزعمه قايد السبسي على يد مقربين من النهضة.

خطب ود

     و لم يكتف الحزب الحاكم بهذه الطمأنة فقط بل شرع في تبني خطوات تقارب مع القوى الإسلامية الفاعلة في الساحة التونسية وفي مقدمتهم السلفيون الذين وجه إليهم الشيخ الغنوشي رسالة خطب ود تمثلت في دعوتهم للحفاظ على المكتسبات التي حققها الإسلاميون خلال المرحلة القادمة في ظل تربص القوى العلمانية التي مازالت تحكم سيطرتها على مفاصل البلاد، مشددا على أهمية التوسع في إنشاء المساجد والمدارس الإسلامية خلال المرحلة الحالية وتعزيز أرضيتهم في المجتمع التونسي، وهي لغة تسودها لهجة الاسترضاء والسعي لفتح النوافذ مع الحلفاء المحتملين في الانتخابات القادمة في ظل اقتراب انهيار الائتلاف مع المرزوقي وضرورة البدء في تدشين تحالفات جديدة في ظل الضغوط المتصاعدة على النهضة لتقريب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل حلول الصيف القادم.

الشريعة والمرأة

     وتكشف خيارات القوى المشاركة في الائتلاف الحاكم بحسب الدكتور جمال سلامة أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قناة السويس مدى المأزق السياسي الذي تعانيه تونس وحالة الاستقطاب الشديد داخل الساحة السياسية، وهو الاستقطاب الذي لم توقفه التنازلات التي قدمها حزب النهضة للتيار الليبرالي فيما يتعلق بالدستور التونسي، حيث لم يبد إصرارا على النص بأن الشريعة الإسلامية تمثل المصدر الرئيسي للتشريع، أو على نص اقترحوه في الدستور للتأكيد بأن المرأة مكملة للرجل سعيا لتسويق نفسه دوليا وتكريس صورته بوصفه حزباً سياسياً معتدلاً.

     غير أن هذه المواقف - والكلام ما زال للدكتور سلامة - ووجهت بانتقادات لاذعة من قبل التيار الإسلامي وفي مقدمتهم السلفيون الذين اتهموا الغنوشي بمجاملة الليبراليين والعلمانيين على حساب الثوابت العقدية للتيار الإسلامي؛ وهو أمر قد يجد الغنوشي صعوبة في تبريره أو قبوله من السلفيين بأي ذرائع للموافقة بل إن السلفيين قد يحاولون فرض حزمة من المطالب عليه قبل التفكير في تدشين تحالف بين الطرفين.

أوضاع معقدة

     ولا تتوقف المشكلات التي تواجه حزب النهضة عند هذا الحد، فقد أخفقت حكومة الجبالي في التعاطي مع الملفات المعقدة مثل الأوضاع الاقتصادية التي زادت تعقيدا، حيث أسهم الارتباك السياسي والأمني في إصابة الاقتصاد التونسي بحالة من الشلل انعكست على الأوضاع الاجتماعية لقطاع عريض من التونسيين، بشكل حرك اضطرابات شديدة في مدينة سليانة، وهي الأوضاع التي أعادت لأذهان التونسيين ذكرى انتفاضة سيدي أبو زيد وإطاحتها بديكتاتورية بن علي في شتاء2011 التي قدمت دليلا على عجز حكومة النهضة عن التعاطي مع مشكلات التونسيين الحيوية مما عظم الاحتمالات بدخول البلاد موجة من الاضطرابات السياسية.

اغتيال سياسي

     ومن المهم التأكيد أن حكومة الجبالي لم تستطع أن تحدث اختراقا مهما كذلك في الملف الأمني، ولاسيما بعد اغتيال أحد قادة حزب «نداء تونس» على يد منتسبين للرابطة الوطنية لحماية الثورة التي حصلت على رخصتها بموافقة من رئيس الوزراء حمادي الجبالي لتتولي مهمة تطهير مؤسسات الدولة من أنصار بن علي وفلول تجمعه الدستوري، وهي العملية التي وصفها الباجي قايد السبسي بأنها أول عملية اغتيال سياسي بعد الثورة، وكأنه يشير لعجز الحكومة عن حلحلة هذا الملف المزعج واستعادة هيبة الدولة وأجهزتها بشكل أوكل مهمة تنفيذ القانون لميلشيات وعناصر موالية للحزب الحاكم، وهي القضية التي ستتصدر مشهد السجال السياسي من جانب خصوم النهضة لتشويه صورة الحزب وانتزاع جزء كبير من أرضيته في الساحة السياسية.

     ولعل ما يثير الاستغراب أيضا أن الخلافات بين الأحزاب والقوى السياسية لم تتوقف عند هذا الحد، بل امتدت للحزب الحاكم نفسه، فهناك من يتحدث عن خلافات شديدة بين الغنوشي والجبالي على خلفية عدم رضا زعيم النهضة عن ممارسات الحكومة ومخاوفه من أن تؤدي هذه الحكومة لتراجع شعبية النهضة خلال أي استحقاق سياسي قادم؛ مما يستوجب التدخل لإصلاح مسار هذه الحكومة عله يستطيع إنقاذ شعبية النهضة من التراجع ولو نسبيا حتى ولو كانت استطلاعات الرأي وتقارير الخبراء تشير لاحتفاظها بوضعها ككتلة أولى في البرلمان ولكن بحصيلة أقل من نصف التي حققتها خلال انتخابات الجمعية الوطنية الأخيرة.

فلول بن علي

     غير أن محاولات الغنوشي للحفاظ على شعبية النهضة قد لا يكتب لها النجاح كما يؤكد السفير سعد عزام مساعد وزير الخارجية المصري السابق للشؤون العربية، ولاسيما أن الائتلاف الحاكم لم يحقق الكثير حتى الآن فهو لم ينته من إعداد الدستور ولم يشكل مفوضية عليا للانتخابات ولم يحقق اختراقا في القضايا الحيوية، فضلا عن إخفاق الشراكة الوطنية مع حزب التجمع من أجل الجمهورية أو التكتل كتجربة للتعايش بين قوى وطنية مكلفة بإعادة بناء البلاد بعد عشرات السنوات من حكم بن علي الاستبدادي.

     وتابع: الخلافات المشتعلة بين هذه القوى تهدد بدخول البلاد نفقا مظلما، وتعظم من أزمتها السياسية وتفتح المجال أمام محاولات الفلول للعودة لصدارة المشهد التونسي مجددا في ضوء ما يتردد عن تصاعد شعبية حزب «نداء تونس» الذي يهيمن عليه فلول بن علي، مشيرا إلى أن تصاعد الصراع بين حلفاء الأمس يشير لاقتراب البلاد من فوهة بركان سياسي في ظل تباعد الشقة بين الفرقاء السياسيين وحرص كل فصيل على مصالحه الفئوية وعدم نجاح الحكومة الحالية في كسب ثقة قطاع عريض من التونسيين.

     ورأى أن استمرار حكومة الجبالي بشكلها الحالي لا يصب في مصلحة حزبه، فتوابع الإخفاق على الصعيدين الأمني والاقتصادي ستؤثر بالسلب على فرصة في الانتخابات المقبلة بشكل قد يجبره على توزيع رقعة الحكومة وتخفيف حدة هيمنة حزب الأغلبية على المناصب المهمة باعتبار ذلك الخيار الوحيد للحفاظ على حظوظه في وقت يتربص فلول بن علي للعودة إلى المشهد مجددا.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك