رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أسامة شحادة 27 مايو، 2017 0 تعليق

تزييف الصيام وتفريغ رمضان من مضمونه

 

صوم رمضان هو أحد أركان الإسلام الخمسة التي تربط المسلم بربه دومًا ودون حاجة لواسطة من بشر، ويحقق الصوم وبقية أركان الإسلام للمسلم والمسلمة الكثير من المصالح على صعيد الدنيا والآخرة؛ فالصيام الصادق يربي النفس على تفهّم حالة الفقراء والمساكين، ويدرّب أصحابه على الصبر والحرمان، ويرسّخ في القلب مراقبة الرب المطلع على مكنون الضمائر، كما أنه ينفع البدن ويقوي الصحة.

     وأركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة أيضاً، تضمن للمسلم الاستقامة على طريق التوحيد والعبودية لله -عزوجل- مهما كانت الظروف، إيجابية أو سلبية؛ فالإيمان بالله -عز وجل- واليوم الآخر يشكل له الوقاية من التنكّب عن سبيل الحق والعدل، ويلزمه برفض الباطل والظلم بكل أنواعه، وهكذا بقية أركان الإيمان تورث في قلوب المؤمنين ما يثبّتهم في مقابلة التحديات والمصاعب، ويدفعهم للعطاء والبذل في سبيل الأمن والإيمان والسلامة والإسلام.

تحريف مفهوم أركان الإيمان

     من هنا حرص الشيطان على تحريف مفهوم أركان الإيمان بالزيادة والنقص، والتحريف والتأويل الباطل لمعانيها؛ لتتخلف آثارها العظيمة في حياة المسلمين فتشيع فيهم المنكرات والفواحش، والبدع، والخرافات، والشركيات، والعودة للكفر، والردة عن الإسلام، وبذلك تنحلّ قوتهم، وتتفرق وحدتهم وتضيع شوكتهم.

     أما أركان الإسلام فلجأ الشيطان إلى التهوين من أمرها والتقصير في أدائها، والعمل على صرفها عن مقصدها الرباني بالإخلاص في العبودية لله لتصبح رياء وسمعة، أو خلطها بما يعطل غاياتها، وسنأخذ صيام رمضان نموذجا لذلك.

     فريضة الصيام فريضة عظيمة عرفتها الأمم المسلمة طيلة تاريخ البشرية، قال -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون} (البقرة: 183)؛ وذلك لما للصيام من آثار إيجابية عظيمة على البشرية، خصوصا إذا حقق الصائمون الغاية الأساسية من الصيام {لعلكم تتقون}.

تحويل مفهوم الصيام

     فالصيام الذي هو انفكاك عن عالم المادة واللذات والطعام والشراب والشهوة يتم تحويله لاحتفال ومهرجان؛ فتنتشر الزينات، وتلمّع الأضواء على الشرفات بالنجوم والأهلّة والفوانيس، وذلك استعدادا له بدلا من الاستعداد الصحيح الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قلتُ: يا رسولَ الله، لم أرَك تصوم شهرًا مِن الشهور ما تصومُ مِن شعبان! قال: «ذلك شهرٌ يغفُل الناس عنه بين رجَب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين، فأُحبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائِم» رواه أحمد والنسائي وحسّنه الألباني؛ ولذلك كان استعداد السلف الصالح من الصحابة والتابعين على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أخبر أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهلّ شهر شعبان أكبوا على المصاحف فقرؤوها، وأخذوا في زكاة أموالهم فقووا بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان».

تبديل الاستعداد الشرعي

     فتبديل الاستعداد الشرعي بالصيام في شعبان وقراءة القرآن، وإعطاء الزكاة بتعليق الزينات على الشرفات ومتابعة العروض الرمضانية لتجديد طقم السفرة وعدة الطبخ وتجديد الديكورات هي تزييف لحقيقة رمضان!

      وصيام رمضان، الذي هو إعراض عن اللذات المباحة من الطعام والشراب والإكثار منها، بفضل وسائل الإعلام يصبح موسما رسميا للتفاخر في الطعام والشراب والإكثار منهما! فتنهال عليك الوصفات الرمضانية، وتتكاثر عليك عروض المطاعم في رمضان، ويصبح الطعام والشراب هما محور رمضان في واقع كثير من الصائمين والصائمات، فهل هذا تحقيق {لعلكم تتقون}!!

     أما ليالي الصلاة وقراءة القرآن والاستغفار بالأسحار في ليالي رمضان المباركة، فقد زيفها شياطين الإنس والجن؛ فأصبح الكثير من الصائمين والصائمات في غمٍّ وهمٍّ بسبب تعارض مواعيد عرض المسلسلات والفوازير الرمضانية! التي تعرض عمداً في وقت صلاة المغرب والعشاء والتراويح والفجر!

تشجيع الفواحش

     وليت هذه المسلسلات والفوازير وما شابهها لها علاقة برمضان وقِيَمه وغايته {لعلكم تتقون}، بل العكس هي تقوم بتزييف رمضان بتشجيع انتشار الفواحش بين الصائمين والصائمات، بل يقال إن مسلسلا عن زنا المحارم سيدنس ليالي رمضان، ويشيع في أمتنا الخنا والدياثة، وبدلا من سمو الروح في رمضان نحو عبودية الرحمن الرحيم يسعى شياطين الإنس والجن إلى تدنيس أرواح الملايين في أوحال المعاصي والذنوب، من خلال قدوات سوء يتقاضون الملايين لنشر باطلهم بين الصائمين والصائمات، بينما يحتاج الفقراء والمساكين لملاليم يفطرون أو يتسحرون بها، {إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} (النور: 19).

الأمسيات الرمضانية

     ومن تزييف رمضان الأمسيات الرمضانية واجتماعات الإفطار والسحور التي بدلا من أن تعين على طاعة الله بصيام نهار رمضان، ويراعى فيها سنة الحبيب عليه الصلاة والسلام، تتحول عند كثيرين أو الغالبية لأن تكون وجبة الإفطار والسحور معصية بذاتها؛ لما فيها من معاصٍ وآثام واتباع سنة إبليس الرجيم، فالاجتماع على أنغام مزمار الشيطان بدلا من القرآن والأذان، والإفطار على سيجارة أو نفس شيشة بدلا من التمر واللبن والماء، أما الصلاة فلا وجود لها في البرنامج إلا من بعضهم، وتكون في آخر الوقت وعلى استحياء، فضلا عن العري والتبرج من الصائمات! والنظرات الجائعة من الصائمين!

تبذير وسفه

وتزييف رمضان يكون كذلك بقلْبه من كونه شهرا للاقتصاد والتضامن مع الفقراء والمحتاجين إلى موسم للتبذير السفيه والإسراف الغبي!

الاستكثار من السيئات

     وتزييف رمضان بتحويله من فرصة للخلوة بالقرآن الكريم، ومحاسبة النفس وكثرة الاستغفار والصلاة، إلى موسم للاستكثار من السيئات والذنوب والكبائر عبر اللقاءات والسهرات في المقاهي، أو أمام الشاشات.

الخروج عن الغاية الربانية

     هذا التزييف لصيام رمضان والخروج به عن غايته الربانية وأهدافه السامية هو سبب عدم تغيير سلوك كثير من الصائمين والصائمات نحو الأفضل، فحين زيّفنا مفهوم الأمانة في صيام رمضان بترك اللذة الحلال من الطعام والشراب، وأكثرنا من السيئات الأخرى بترك الصلاة أو التهاون فيها، والانكباب على المسلسلات بدلا من المصحف، لم نشعر بارتفاع أمانة الموظفين في أداء أعمالهم! ولم نرَ الصبر في قيادة السائقين لمركباتهم! ولم تنخفض المشاجرات على طوابير القطائف!

الاستعداد الصحيح

     أيها الموفّق: رمضان اقترب فاستعد الاستعداد الصحيح له، واحْذر بضاعة الشيطان المزيفة لحقيقة رمضان، وتذكّر أن معيار صحة الصيام هو في قوله صلى الله عليه وسلم : «من لم يدَع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدَع طعامه وشرابه» رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: «ربّ صائم حظّه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظّه من قيامه السهر» رواه أحمد وصحّحه الألباني.

     وحتى تصل للصيام الصحيح يجب أن يصوم قلبك عن المعاصي، وبدنك عن الطعام والشراب، وهذا يحتاج إلى استعداد لقدوم رمضان من الآن بتعلّم أحكامه وغاياته، والعزم على تغيير عاداتك وسلوكياتك المناقضة لرمضان، والتزام الأحكام الشرعية، وتبدأ بهذا اليوم حتى تصل رمضان مستعدا جاهزا لتحقيق غاية الصيام {لعلكم تتقون}.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك