تركمان ســـوريا عمق استراتيجي للثورة السورية تحت القصف الروسي
منذ انطلاق الحراك الشعبي ضد النظام السوري، انحاز التركمان إلى المعارضة السورية، وانخرطوا في المظاهرات السلمية الداعمة لها، وذلك بحكم الاضطهاد والتمييز الذي عانوا منه خلال سنوات حكم (البعث) للبلاد. وفي 21 أبريل2015، عقد المجلس التركماني السوري لقاءً شعبيًا في مدينة إسطنبول، أكد فيه (عبد الرحمن مصطفى) رئيس المجلس، أن (التركمان يشكلون العنصر الأصيل الثاني في المجتمع السوري)، وأن تركمان سوريا (يسعون لإسقاط النظام وإعادة سوريا إلى مكانتها الطبيعية عربيًا وإقليميًا وعالميًا).
وشدّد مصطفى، على (الدور التركي في دعم التركمان مطالبًا بالمزيد من الدعم).
وفي السياق ذاته، فقد قامت القوات التركية، في فبرايرالماضي، بعملية توغل داخل الأراضي السورية، لنقل ضريح (سليمان شاه) الجد الأكبر لمؤسس الدولة العثمانية عثمان الأول، من موقعه في حلب، إلى مكان جديد يبعد 200 متر عن الحدود التركية في الداخل السوري، بعدما حوصر أربعون جنديًا تركيًا يحرسون الضريح -بموجب اتفاقية تركية سورية-، من قبل مقاتلين تابعين لتنظيم داعش الإرهابي.
روسيا تستهدف التركمان
وبعد التدخل الروسي في سوريا، زادت شدة الضربات الجوية على القرى التركمانية في سوريا، وشهدت منطقة (بايربوجاق)، المعروفة بجبل التركمان في ريف اللاذقية، شمال غربي سوريا، حركة نزوح كبيرة باتجاه القرى القريبة من الحدود مع تركيا، جراء هجمات قوات النظام السوري، المدعومة بغطاء جوي روسي.
وصرح العقيد أحمد أرناؤوط، أحد ضباط الجيش السوري الحر، أن «الوحدات التركمانية، تدافع عن نفسها، بكل ما أوتيت من قوة، ضد الهجمات الروسية السورية المزدوجة، مشيرًا أن النظام، يستهدف منطقة (بايربوجاق)، التي تعرف بجبل تركمان، بدعم من القوات الروسية، برًا وبحرًا وجوًا، في محاولة منه للاستيلاء على تلة استراتيجية».
وأضاف أرناؤوط «من شدة القصف الجوي، يمكن أن تشهدوا سقوط 100 صاروخ في لحظة، وسقطت مؤخرا قنابل في يوم واحد تعادل قنابل سقطت لعامين، واستشهد منا الكثيرون، جراء القصف الشديد، ونزحت غالبية المدنيين، إلى مناطق أكثر أمنًا».
تركيا.. تحذير رسمي واحتجاجات شعبية
وتعليقًا على الهجمات التي تتعرض لها القرى التركمانية، جدّد رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، تحذيره للنظام السوري مرة أخرى، قائلًا «لقد أبدينا ردود أفعالٍ فوريّة، على جميع الهجمات التي استهدفت المدنيين بالقرب من حدودنا، سواء كانوا تركمان أم عرباً أم كرداً».
فيما أكّد داود أوغلو أن «تركمان بايربوجاق هم إخوتنا الذين يعيشون منذ قرون في تلك المناطق شأنهم شأن بقية السوريين. ندين بكل شدة الهجمات الوحشية التي يتعرضون لها، وندعو الجميع مرة أخرى للتعامل بحساسية في هذا الموضوع. لا يمكن لأحد أن يشرعن المذابح التي يتعرض لها إخوتنا التركمان والعرب والكرد بذريعة مكافحة الإرهاب». وصرّح رئيس الوزراء، أن تركيا استدعت السفير الروسي احتجاجًا على قيام طائرات روسية بقصف «شديد» لقرى التركمان فى شمال سوريا.
وأعلنت الخارجية التركية فى بيان منفصل أن الهجمات التي استهدفت قرى للتركمان يمكن أن تكون لها «عواقب وخيمة»، ودعت إلى وقف العملية فورًا.
فيما دعا سياسيون وصحفيون ونشطاء أتراك حكومة بلادهم إلى التدخل السريع لوقف حملة الإبادة التي تشنها قوات الأسد، والبوراج والطائرات الروسية على قرى جبل التركمان بريف اللاذقية.
فقد دعا حزب الحركة القومية التركية المعارضة، الحكومة إلى التحرك الفعلي والفوري؛ لوقف الغارات الجوية الروسية المكثفة، والهجوم البري لقوات النظام السوري بشار الأسد، على منطقة جبل التركمان، ذات الغالبية التركمانية.
وحذر الحزب من مجازر تطهير عرقي يرتكبها النظام السوري بحق التركمان، فيما لو سقطت المنطقة بيد قوات الأسد، الساعية للتقدم نحو الحدود التركية.
وكانت مجموعات من القوميين الأتراك، قد تظاهروا أمام القنصيلة الروسية في مدينة إسطنبول، احتجاجًا على الغارات الجوية الروسية المكثفة، على القرى التركمانية.
تركمان سوريا.. جذور تاريخية
احتوت سوريا على مر التاريخ، على العديد من الأعراق والتركيبات الديموغرافية المتنوعة، نظرًا لكونها تقع في قلب أكثر المناطق حيوية في تاريخ الإنسان القديم، وتعدّ منشأً لأقدم الحضارات التي قامت قبل آلاف السنين، فضلا عن كونها وسطًا رئيسا لمواجهات كبرى لم تنقطع لقرون كثيرة بين الإمبراطوريات القديمة الكبرى، بدءًا من السومريين والفينيقيين ومرورًا بالإغريق والفرس والرومان وانتهاءً بالفتح الإسلامي لها.
وبفعل حركات الهجرة التي قام بها الإنسان قديمًا، استوطن العديد من الطوائف أرض سوريا، من بينهم التركمان أو ما يُعرف بأتراك سوريا، وهم مواطنون سوريون من أصل تركي، ينحدرون من سلالة الأوغوز، أصل الشعوب التركية، الذين يعيشون في تركمانستان وتركيا وأذربيجان وأفغانستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن وليبيا، ويتكلمون اللغة التركمانية، وهو فرع من مجموعة اللغات التركية.
أما عن الوجود الأول للتركمان في سوريا، فيرجع منذ بداية عهد الدولة السلجوقية، إحدى الدول الكبرى في تاريخ الإسلام، أواخر القرن الحادي عشر التي تأسست على يد إحدى قبائل الأويغور، وحكمت الأناضول والعراق والشام وغيرها من الدول.
وتركمان سوريا، وهم مسلمون سنة، يتوزعون بين القرى والمدن، خصوصًا حلب واللاذقية، وحمص؛ حيث يوجد فيها باب اسمه باب التركمان، وفي دمشق يوجد (حي ساروجة) نسبة للقائد المملوكي التركي (صارم الدين صاروجة).
ويُقسم وجودهم في سوريا إلى قسمين؛ تركمان المدن؛ حيث يعدهم السوريون أتراكًا، وهم في الواقع أسر تركية أصيلة، قدمت بوصفها موظفين في عهد الدولة العثمانية أو عاملين في الجيش العثماني، ومن ثم استعربت معظمها؛ بسبب التزاوج والاندماج والانصهار مع العرب. ولا ينتمون جميعهم إلى قبائل الأوغوز، فبعضهم يُعدّون أتراكًا من التتر أو الأيغور أو الأوزبك.
والقسم الثاني هم تركمان القرى، وهم خليط من عشائر تركمانية تعود بأصلها جميعًا إلى قبائل الأوغوز فقط.
يشكل التركمان نحو 3.5 مليون من تعداد سكان سوريا، نصفهم يتكلم اللغة التركية إلى جانب العربية، ونصفهم الثاني يتحدث العربية فقط، وتأثير التركمان في الحياة الاجتماعية السورية واضح وجلي، من خلال تشارك المفردات اللغوية في اللهجة العامية بينهم وبين العرب، وتأثر الفلكلور التركماني بالثقافة والتراث العربي والتأثير به، فضلا عن بعض العادات والتقاليد التركية التي أصبحت جزءًا من الحياة اليومية في البلاد
لاتوجد تعليقات