ترفقوا بأحبابكم
فَقدُ الأحبة سنة كونية، قد نتناساها جميعا؛ بسبب طغيان الحياة اليومية، أو بسبب روتينية اللقاءات وتكرارها. وأكبر ألم يمكن أن يعتصر قلب الإنسان أن يستشعر مدي تقصيره مع أحبابه بعد فقدهم، أو مدى تعنته في بعض الأمور التي كان يسعه فيها التغافل عنها حفاظا على الود بينه وبين إخوانه وأحبابه.
لذلك فمن الأهمية بمكان أن تتسع صدورنا لبعضنا بعضا دائما في النقاش، وأن يترك كل واحد منا فرصة لنفسه في تفهم وجهة نظر الآخر، كما أنه يجب أن يكون لكل واحد منا رصيد كبير عند أخيه من الأفعال التى تدل على المحبة، مِن تخير للكلمات الطيبة في النقاشات، ومن التعاهد والسؤال على الأحوال، ومن إحسان الظن وقبول العذر، ومن التهادي والمشي في حاجات بعضنا بعضا...الخ.
فـالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال للرجل الذي أخبره أنه يحب اخاه: قم فأخبره، وقال أيضا: «تهادوا تحابوا»، في إشارة واضحة لأهمية ترجمة المشاعر القلبية الخفية في صورة أعمال وأفعال ظاهرة. فـالمحافظة علي قلوب بعضنا بعضا وعلى رباط المحبة قويا يخفف عنا كدر الدنيا، ويعطينا ذلك الوقود اللازم للاستمرار في حمل مشاعل الهداية، وتبليغ الرسالة في خضم كل هذه العوائق والتحديات والعقبات، كما أنه يخفف أيضا من ذلك الألم الذي ينتاب أحدنا حينما يختطف الموت منه أخيه.
لذا أدعو نفسي وإخواني بألا ينسى أحدنا أن يخص إخوانه الذين يحبهم في الله في دعائه وقيامه بالاسم، سواء من كان منهم حيا أم من رحل عنا. فـرب أخٍ مجتهد قائم يغفِر الله بدعائه لأخيه المعذور النائم أو أخيه الميت الراحل.
- قالَ كعبُ الأحبار: «رُبَّ قائِمٍ مَشكورٌ لَهُ، وَنائِمٍ مَغفورٌ لَهُ، وذلكَ أنَّ الرَّجُلَين يَتَحَابَّانِ فِي الله، فَقَامَ أحَدُهُما يُصَلِّي فَرَضِيَ اللهُ صَلاتَهُ وَدُعاءَه، فَلَم يَرُدَّ عليهِ من دُعائِهِ شيئًا، فَذَكَرَ أخاهُ في دُعائِه مِنَ الليل، فَقَال: يا ربُّ، أخِي فُلان اغفِر لَه؛ فَغَفَرَ اللهُ لَهُ وَهُوَ نائِم!.
فـيا أُخي، ينام أحدنا باكياً يائساً منقبض القلب، فيستيقظ منشرح الصدر قرير العين لا يدري ما السبب !
ويموت أحدنا فيتسع عليه قبره، أو ترفع درجته وهو لا يدري ما السبب! إنها دعوةٌ بظهر الغيب صعدت باسمه في قيامِ أخٍ محب أو ابن صالح.
فـاللهم اجعل لنا صُحبةً وأخوة نعلو بها، وتشد أزرنا بدعواتٍ قبلتها.
- فـليدع بعضنا لبعض؛ فلا ندري من أي منا يُتقبل؟
- وليترفق بعضنا ببعض؛ فلا ندري من منا يقبض قبل الأخر؟
- وليخص كلُ أخٍ أخاه - ولا سيما من سعي الشيطان في التحريش بينهما - بالدعاء بظهر الغيب؛ فإن ذلك مما يرغم الشيطان، ويديم المحبة والألفة، فما فُرق بين متحابين إلا بذنب أحدثه أحدهما، والدعاء من أعظم الحسنات التي تمحو الذنوب والسيئات.
فـالأخوة الإيمانية والحُبُّ في اللهِ من أعظم نعيم الدنيا الذي تهون بسببه المشاق؛ فـهي اجتماع لطاعة الرب في رفق ولين واحتواء، وليست اجتماعا لدنيا بانتصار نفسٍ أو قسوة قولٍ أو تنازع على مكان.
لاتوجد تعليقات