تربيـة الفـرد نـواة لتغيير الأمة والرقي بها(1)
إن أولى خطوات الرقيِّ بالأمة، بعد توضيح مفهوم عقيدة التوحيد وترسيخها، هي تربية الفرد، ووصوله إلى كماله البشري، والمقصود بالكمال البشري، هو: ما يمكن تربية الإنسان المسلم عليه عن طريق غرس القيم، والمبادئ السامية، والمعارف، والمهارات، والأخلاق الفاضلة، والعادات، والتقاليد التي لا تخالف شرع الله تعالى، أما الأمور القدرية، فلا دخل للإنسان فيها؛ لأنها من عند الله تعالى، كاللون، والخلقة، من جمال، وقبح، أو طول، أو قصر، وما شابه.
إن تربية الفرد منطلق، ونواة أساسية في تغيير الأمة، والرقي بها؛ فالفرد نواة المجتمع، وبذرة تكوينها، وإن أي تقصير، وخلل في تربية الفرد، وإعداده من مراحله الأولى، سيكون له نتائج عكسية لا عد لها، ولا حصر، سواء على الفرد نفسه، أم على المجتمع، أم الأمة بأسرها.
وهذا المقوم يشمل جانبين رئيسين مكملين لبعضهما:
الجانب الأول: يتعلق بالمؤسسات التربوية الرسمية، وغير الرسمية المؤثرة في تربية الفرد.
الجانب الثاني: يتعلق بالإنسان نفسه، من حيث تعليمها، وتثقيفها.
وسوف ألقي الضوء بشيء من الاختصار على كل جانب، وفق الآتي:
الجانب الأول: يتعلق بالمؤسسات التربوية الرسمية، وغير الرسمية المؤثرة في تربية الفرد.
لا شك أن الناظر اليـوم في المؤسسات التربويـة بأنواعهـا المختلفـة: (الأسرة، المدرسة، المسجد، الإعلام، المجتمع، النادي، التعليم الجامعي، التعليم العالي)، يجد فيها شيئاً من الضعف في إعداد الفرد المسلم الإعداد المطلوب الذي يجعله قادراً على إجراء التغيير المطلوب، والرقي بالأمة إلى المكانة اللائقة بها بين الأمم اليوم.
وهذا الضعف العام يعود إلى عوامل كثيرة، وسوف ألقي الضوء باختصار على بعض المؤسسات التربوية، وهي:
أولاً: الأسرة:
إن المتأمل في واقع الأسرة اليوم يلحظ دون عناء أن فيها خللاً كبيراً، وعاجزة في الغالب الأعم عن تربية الفرد التربية الإسلامية المأمولة، لاسيما إذا علمنا أن مشكلات الطلاق في كثير من المجتمعات الإسلامية قد بلغت حداً مخيفاً؛ حيث بلغت نسبته إلى أكثر من 25% وغالبتها لأسباب تافهة، وهذا يعود إلى قصور في تصحيح مسار الأسرة من بداية تكوينها، ومن أهم عوامل ضعف إعداد الأسرة اليوم، ما يلي:
1- ضعف العناية باختيار الزوج، أو الزوجة بالشروط التي حددها الرسول صلى الله عليه وسلم .
2- ضعف تثقيف الزوجين بالعلاقة الزوجية، وما يترتب عليها من مهام، ومسؤوليات، وواجبات، وحقوق لكل طرف على الآخر.
3- تقصير الوالدين في تربية أولادهما، وعدم شعورهما بالمسؤولية الكبيرة تجاه أولادهما.
4- ضعف وجود القدوة الحسنة أمام الأولاد داخل المنزل.
5- تدخل وسائل تربوية أخرى في تربية الأولاد من خارج الأسرة، وضعف إمكانية السيطرة عليها.
ثانياً: المدرسة:
إن المدرسة اليوم ليست بأحسن حالاً من وضع الأسرة؛ فالشكوى مستمرة من ضعف مخرجات المدارس، على الرغم من كثرة عوامل الإصلاح، والتعديل في المناهج الدراسية، وللأسف أن المخرجات مازالت ضعيفة، وهذا يؤكد أن هناك مشكلة كبيرة تحتاج إلى نظر، وتأمل لمعرفة أسبابها الحقيقية، وعدم حل نتائجها فقط، حتى لا نبقى في حلقة مفرغة من الحلول المؤقتة، ولا تزال المشكلة قائمة، ولعل المشكلة تكمن في أسباب عدة، من أهمها:
1- ضعف المعايير المناسبة لمعرفة صلاحية من يرغب الالتحاق بمهنة التعليم.
2- ضعف إعداد المعلم الإعداد الذي يجعله قادراً على التأثير في سلوك الطلاب، ومع الأسف أصبحنا نشاهد معلمين، ونسمع عن معلمات في أوضاع، وسلوكيات غير حسنة.
3- ضعف الإمكانات، والبيئة التعليمية، وفي مقدمتها المباني المدرسية الصالحة للتعليم.
4- ضعف تعاون الأسرة مع المدرسة بالمنهج المؤثر في إصلاح الطلاب.
ثالثاً: المسجد:
إن هذه المؤسسة التربوية العظيمة في المجتمع المسلم أيضاً تعاني من ضعف واضح في الدور المطلوب، والمتوقع أن تقوم به، وقد أفردت لموضوع المسجد، وتطوير دور الإمام والخطيب مقوماً لوحده ضمن مقومات هذه الدارسة لشدة أهميته، وعلاقة الناس به تعلقا يومياً.
رابعاً: المجتمع:
لقد ضعف دور المجتمع، بل يكاد يكون غائباً هذه الأيام غياباً كبيراً، إلاّ فيما ندر، وقد يكون لضعف دور الأسرة، والمدرسة، والمسجد قبله تأثير تأثيرا مباشراً في ضعف دور المجتمع، ولعل بإصلاح هذه المؤسسات التربوية المهمة يعود دور المجتمع التربوي بإذن الله تعالى.
خامساً: الإعلام:
الإعلام وما أدراك ما الإعلام، فهو حديث الساعة هذه الأيام، ويحتل التلفاز المكانة الأولى في المتابعة، والتأثير، والاهتمام، ومما زاد الأمر صعوبة توسع القنوات الفضائية، وانتشارها انتشارا كبيراً جداً.
وعلى الرغم من وجود بعض القنوات الإسلامية الهادفة، التي لها دورها الجيد والمؤثر في إصلاح الفرد، والرقي به، إلا أن القنوات الفضائية التي تعج بها الأقمار الصناعية العربية، والأجنبية تبث الغث، والسمين، وتخلط الجميل بالقبيح على كافة أرجاء العالم العربي، والإسلامي؛ مما يتطلب تدخل المؤسسات التربوية في المجتمع بفاعلية للوقاية من هذه القنوات بالموضوعية، والحكمة.
وأمام هذا الضعف الكبير في أهم المؤسسات التربوية التي يعوّل عليها في إصلاح الفرد، وتهذيبه، وتربيته، نجدد الأمل، والتفاؤل في إمكانية إعادة دور هذه المؤسسات بطريقة أكثر فاعلية بإذن الله تعالى، إذا صدقت النيات، وتوحدت الجهود؛ لأن الإمكانات البشرية، والمادية، ولله الحمد في المجتمعات الإسلامية متوافرة توافرا جيداً وكبيراً.
إن التربية الإسلامية بما تحويه من مصادر ربانية متميزة، متمثلة في: القرآن الكريم، والسنة المطهرة تحوي منهجاً فريداً في إعداد الفرد بمختلف مراحل حياته، وهي قادرة بإذن الله -تعالى- على تغيير سلوكياته، وجعله فرداً إيجابياً، مؤثراً، شريطة أن تقوم المؤسسات التربوية المختلفة بدورها المطلوب منها في إعداد الفرد.
منطلقات وأسس مهمة للجانب الأول:
من المنطلقات المهمة في إعادة تفعيل المؤسسات التربوية، في تربية الفرد، ما يلي:
أولاً: العناية والاهتمام بالأسرة بطريقة أكبر في الجوانب الآتية:
1- إنشاء مكاتب للأسرة في الأحياء الرئيسة، تهتم بتثقيفها، وتوجيهها، وحل مشكلاتها، على أن يتوافر لها المتخصصون في التربية، وعلم النفس والأسرة، وكل الإمكانات التي تجعلها تقوم بدورها على أفضل وجه.
2- ضرورة تقديم دورات توجيهية، توضح واجبات، الزوج، والزوجة ومسؤولياتهما، للشباب الراغبين في الزواج، ويكون ذلك شرطاً أساساً لإتمام عملية عقد النكاح.
3- قيام الدعاة، والمصلحين، والمربين، والإعلام بوسائله المختلفة، بالتوجيه والإرشاد المستمر في توضيح أهمية العلاقة الزوجية، وقيام الزوجين بمسؤولياتهما فيما بينهما، وتجاه أولادهما.
4- أهمية تضمين المناهج الدراسية موضوعات مناسبة، وهادفة بأسلوب مشوق، وحكيم، توضح أهمية العلاقة الزوجية، وواجبات الوالدين، ومسؤولياتهما، وتأثير الأسرة بكافة أفرادها في إصلاح المجتمع.
ثانياً: تعد المدرسة، ولاسيما التعليم العام: (الروضة، الابتدائي، المتوسط، الثانوي)، المحور الأساس في تربية الفرد، ولابد من العناية، والاهتمام بالآتي:
1- وضع معايير علمية، واضحة، ومحددة لاختيار المعلمين، حتى يُختار لمهنة التعليم ممن يتمتع بمواصفات، ومميزات محددة، أهمها: الرغبة في مهنة التعليم، وصدقه، وأمانته، وحسن أخلاقه، ونضجه الفكري والثقافي.
2- العناية والاهتمام بإنشاء الكليات المتخصصة لتخريج المعلمين مع توفير كل الإمكانات المادية، والبشرية المتطورة، التي تساعد على إخراج المعلم القادر على التعليم، والتربية، والتأثير الإيجابي.
3- الاستفادة القصوى من طريقة الدول المتقدمة وأسلوبها في مراحل التعليم العام، في: المناهج، والأساليب، والوسائل، وغير ذلك؛ مما يكون معيناً في تطوير الفرد، وجودة تعليمه؛ فالحكمة ضالة المؤمن.
4- أهمية الإشراف، والمتابعة الدقيقة، وإجراء الدراسات العلمية على كافة أركان العملية التعليمية: (الطالب، والمعلم، والمنهج الدراسي)، والعمل على تلافي السلبيات أولاً بأول، وتعزيز، الإيجابيات وتطويرها.
5- أهمية التواصل المستمر، والإيجابي بين المدرسة، والأسرة، لمحاولة علاج بعض المشكلات، وتلافي بعض السلبيات التي قد تظهر من الطلاب.
ثالثاً: الإعلام بوسائله المختلفة: المرئية، والمسموعة، والمقروءة، يحتاج إلى الآتي:
1- ضرورة إنشاء هيئة، أو جمعية، تضم نخبة متميزة من المختصين في الإعلام، وطلاب العلم الشرعي، على مستوى المجتمع الواحد، والمجتمعات الإسلامية الأخرى، تستهدف: وضع الضوابط، والأطر، التي تحكم، وتنظم ما يعرض، وما يبث عبر وسائل الإعلام، وفق توجيهات الشريعة الإسلامية، ومتطلبات الواقع المعاصر في وسطية واعتدال، لا غلو ولا تقصير.
2- ضرورة تثقيف المجتمعات الإسلامية، وتقوية الرقابة، والوازع الديني في نفوس المسلمين عموماً، والناشئة، والشباب خصوصاً، حتى تتكون لديهم الحصانة التي يعرفون من خلالها الغث من السمين، والصالح من الطالح.
لاتوجد تعليقات