رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر المحلي 13 أغسطس، 2018 0 تعليق

تراث الجهراء استضافته في دورة علمية عن أصول الفقه – الموصلي: الأمة إذا ضيعت الواجبات العينية لا تتوقع أن تنهض في الفروض الكفائية

 

استكمالا لعرض الدورة العلمية التي نظمتها جمعية إحياء التراث الإسلامي -فرع محافظة الجهراء- للشيخ: فتحي الموصلي من مملكة البحرين التي تناول فيها لمدة يومين شرح كتاب: (الورقات من أصول الفقه)، نستكمل فيها الحلقة الثانية بالتعاون مع مجلة الفرقان؛ حيث تناول فيها الواجبات الشرعية وأقسامها ومفهوم المستحبات .

 

اهتمام الصحابة -رضي الله عنهم- بالواجب

      كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتعاملون مع الواجبات الشرعية بأمور ثلاثة: أولا لا يفعلونها إلا امتثالا، ولا يفعلونها عادة، بل يفعلونها بقصد القربة والامتثال والأجر  والثواب، ثانيا: قوة مبادرتهم إلى الامتثال، عندهم سرعة في الامتثال لأمر الله، الأمر الثالث: كانوا يبحثون عن المصالح الدينية والدنيوية عند أداء الواجب، أي كانوا يدركون أن مصلحة دينهم ودنياهم في أداء الواجب .

وأضيف نقطة أخرى عن منهج الصحابة، أنهم في كل وقت اشتغلوا بالواجب في ذلك الوقت؛ ففي كل وقت يشتغلون بالواجب المتعين في ذلك الوقت، وهذه هي خصائص الصحابة .

أقسام الواجبات

     لهذا قسَّم العلماء الواجبات أقساما كثيرة: تقسيم بحسب الفعل، وتقسيم بحسب الوقت، وتقسيم بحسب الفاعل الواجب باعتبار الفعل، إما أن يكون معينا أو يكون مخيّرا، الواجب المعين: أي أن الشرع يأمرنا بواجب محدد معين واضح، يأمرنا بالصلاة والصيام والحج ، أما الواجب المخير فإن الشرع يعطينا أشياء عدة، ويُخيرنا بواحدة منها، ككفارة الصيام، يُخيرنا الله بين الإطعام وبين الصوم وبين عتق الرقبة، وهناك أمثلة كثيرة في الشريعة حدد الله لنبينا صلى الله عليه وسلم الاختيار بين أي خيار منها تسهيلا على الأمة؛ فالطفل وهو صغير ترعاه أمه، وهو واجب عليها، وعندما يبلغ سن التمييز، يكون مخيرا بين أمه وأبيه كمثال .

المخيّر في أداء الواجب

     وقد يتحول المخيّر في أداء الواجب إلى أمر متعين محدد؛ فالفقير مثلا لا يستطيع في كفارة الصيام أن يعتق رقبة لعجزه؛ وكذلك لا يستطيع دفع الكفارة؛ فيتعين عليه الصوم، وهنا تحول من مخير في أداء الواجب، إلى متعين عليه فعل ما يلزم فعله؛ ولذلك المقصود من التخيير في أداء واجب ما هو التيسير؛ فأحكام الشريعة مبنية على التيسير؛ فبعض الواجبات لا تصلح إلا مع التعيين؛ لأن التخيير ربما يفوّت مقاصد الواجبات؛ فلو خيّر العبد بين الصدقة والصلاة؛ فبدلا من أن تصلي الفريضة تتصدق لوقعت مفسدة باختيار أحدهما على الآخر؛ فتفوت مصلحة الصلاة، وتفوت مصلحة الصدقة؛ فالصلاة لا يصح معها إلا التعيين في أداء الواجبات، أما الكفارات؛ فيصلح معها التخيير؛ لأن مبناها على التيسير، هذا بالنسبة للواجب المعين على التعيين أو التخيير.

الواجب المتعين بالنسبة للوقت

     أما بالنسبة للواجب المتعين بالنسبة للوقت؛ فهو على نوعين، واجب مضيّق وواجب موسّع؛ فالواجب المضيق يعني أنه في أداء وقت الواجب لا يسع إلا أداء الواجب، مثلا في شهر رمضان، لا يمكن أن نصوم الفريضة ومعها النافلة؛ لأن الوقت المخصص لصيام الفريضة، لا يسع لصيام النافلة؛ فالوقت المعين ضيق جدا، بينما أداء الواجب في الوقت الموسع كما هو في صلاة الظهر؛ فالوقت يسع لأداء النافلة ولأداء تحية المسجد، وكذلك قضاء رمضان فوقته موسع قال -تعالى-: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}، وقد يتحول الوقت من وقت موسع إلى وقت ضيق، كما تريد قضاء فريضة اقترب وقت انتهائها؛ فيكون هنا الوقت مضيقا بعد أن كان موسّعا، وهنا فائدة، ولقد ذكرنا أن الصحابة إذا طلبوا الواجب استصحبوا المصلحة الشرعية فيه؛ لهذا بعض الطاعات الموسعة، كالعمل الإغاثي وقته موسع، لكن لابد من الالتفات إلى أن أحيانا المصلحة لا تقام إلا لوقت محدد؛ فتشتد هنا الحاجة للمال؛ فتنظر على أن الوقت صار محددا؛ فتبادر إلى أداء الواجبات بحسب أوقاتها طمعا في تحصيل المصلحة .

الواجبات العينية والكفائية

     أما في الواجبات العينية والكفائية فإن الأمة إذا ضيعت الواجبات العينية لا تتوقع أن تنهض في الفروض الكفائية، وإذا أرادت أن تقوم الأمة بالفرض الكفائي، كالبناء، والقوة، والتقدم، والاجتماع؛ فلا يكون هذا إلا بالاتقان في أداء الفروض العينية؛ ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم انتظار الصلاة إلى الصلاة، كالمرابط في سبيل الله؛ لهذا تمكن الجيل الأول من أداء الفروض الكفائية على التمام والكمال؛ لأنهم أحسنوا في أداء الفروض العينية؛ فالفروض العينية هي الأصل والكفائية هي الفرع له .

الفرض الكفائي

     الفرض الكفائي إذا أداه بعض المسلمين سقط عن الجميع؛ فإذا لم يؤد يأثم الجميع، وبعض الأئمة يقولون دائما: إن الأمة آثمة، وهذه الإطلاقات محل نظر؛ فالأصولي يختلف عن الخطيب؛ إذ أن الأصولي يضبط العبارة فلا نقول: إن الأمة آثمة؛ نحن  نقول: آثم من كان قادرا على الفعل ولم يفعل، وهذا معنى الكفائي، وإذا لم يؤده يؤاخذ من كان قادرا على الفعل؛ فطلب العلم لو قام به بعضهم سقط عن الباقي، وإذا لم يقم به أحد؛ فإنه يؤاخذ من كان قادرا على طلب العلم والتدريس؛ فلا يؤاخذ الإنسان العامي؛ لأن القاعدة الشرعية تقول: لا واجب مع العجز.

المستحبات في الشريعة الإسلامية

     ثم انتقل الشيخ الموصلي إلى المستحبات في الشريعة الإسلامية لتحصيل الثواب وتكثير الحسنات؛ لذلك يأتي الفضل في تعيينها، منها ركعتا الفجر تعدل الدنيا وما فيها؛ فذكر فضيلتها أن المستحبات تجبر يوم القيامة النقص الحاصل في أداء الواجبات، ولتكثير الطاعات والتنافس في الخيرات؛ لذلك جاء في الحديث أن المرء يوم القيامة يُسأل عن الصلاة الواجبة؛ فإذا صلحت فبها ونعمت وإن لم تصلح؛ فيسأل هل له من نافلة، وهذا في ظاهر الأمر ليس في الصلاة، بل في مطلق الواجبات .

     إن المستحبات هي خادمة للواجبات كما ذكر الشاطبي، أي تعين العبد على أدائها؛ فأنت لو تركت الصيام طوال السنة من غير نافلة، لاستصعبت صوم شهر رمضان ، وإذا ترك العبد المستحبات بالكلية، أصبح في دائرة الخطر في أداء الواجبات، وأصبح في مظنة ترك الواجب.

تابعة للواجبات

     لهذا يتوهم من ظن أن المستحبات تشريع منفصل عن الواجبات، بل هي تابعة للواجبات؛ ولهذا قال العلماء: إما أن تكون لازما من لوازمه، وإما تكون جابرًا من جَوابره، أو مكملاً من مكملاته، وضرب مثلاً للحديث القدسي: «ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه»؛ فالعبد يتقرب إلى الله بالفريضة، ويتحصل محبته بالنافلة، وهذا مصداق الحديث: «ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه».

تعريف المستحب

     وعرج الشيخ الموصلي على تعريف المستحب وقال: هو طلب الله الفعل من المكلف، لا على سبيل الحتم والإلزام، وإنما على سبيل الحث والترغيب، وجمع الله -عز وجل- في آية بين الواجب والمستحب في قوله تعالى-: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان...}؛ فالعدل في هذه الآية الكريمة واجب، والإحسان مستحب، وأن الأمر بالعدل أمر بالوجوب والإلزام، والأمر بالإحسان أمر بالاستحباب؛ لهذا يعرف العلماء المستحب بقولهم: «ما يُثاب فاعله ولا يعاقب تاركه»؛ لذلك هنا قاعدة منهجية شرعية فقهية أصولية، لا يجوز البتة من كل وجه معاقبة من لم يترك واجبا، وفي معاملات البشر اليومية أحيانا يعاقب الناس بعضهم بعضا، بالهجر مثلا وهم لم يتركوا واجبا، بل ربما لم يترك مستحبا، وربما كان مجتهدا لهذا من الانحرافات المنهجية الخطيرة، أن بعضهم يعاقب أقواما على الرغم من أنهم لم يتركوا واجبا .

ترك المستحب

     وأوضح الموصلي أن علماء الفقه شددوا على ترك المستحب بالكلية، وعلى الدوام مع إمكانية القيام بفعله قد يؤاخذ؛ وهذا مما  أشار إليه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-، وعلق الموصلي على ذلك بالإشارة للملاحظة، بأن الإمام أحمد -رحمه الله- لم يُبدّع أو يتهم من ترك المستحب، مع إمكانية القيام بفعله، ثم أوضح الموصلي أن العلماء قد تشددوا على أن الترك الكلي للمستحبات،  قد يؤدي إلى تضييع العلم بها.

الوقوع في الخطأ

     وأوضح الموصلي موقف الشريعة من الشخص الذي يقع بالخطأ؛ حيث نتعامل معه بثلاث مراتب، الأولى يعاقب، والمرتبة الثانية يؤاخذ، والمرتبة الثالثة احتراز منه، أي نتحفظ منه فيما لو صدر ما يوجب التحفظ؛ لهذا إطلاق معاقبة الناس، وإصدار الأحكام عليهم،  والهجر، والإقصاء، وأخذ الناس بالظن، هي مناهج باطلة، تخالف ما عليه العلماء قديما وحديثا؛ لأن الفقيه الأصولي يجب كما قلنا ضبط أحكامه، سواء على الفاعل، أو الفعل بالعدل في الحكم عليه؛ فمثلا قد تقول عن شخص ارتكب فعلا ما، أن ما فعله بدعة، وقد يكون إطلاقك هذا دون أن ترى حال الفاعل؛ فقد يكون جاهلا أو متأولا أو مجتهدا.

قاعدة منهجية تربوية

     وبيّن الموصلي قاعدة منهجية تربوية يحتاجها الأئمة، وطلبة العلم أنه أحيانا (من المستحب ترك المستحب) بقيود منها للتعليم، كفعل ابن عباس، حينما جهر بالفاتحة في صلاة الجنازة لتعليم الناس، الذين كان منهم أعراب وغيرهم، وكذلك مثلا يستحب في الركعة الأولى من صلاة الفجر في يوم الجمعة قراءة السجدة؛ فتترك القراءة بها أحيانا لتعليم الناس أنها مستحبة وليست بواجبة.

أسماء عدة

     كما أوضح الموصلي أن المستحب يُطلق عليه أسماء عدة في الشريعة؛ فقد يكون مندوبا ويُطلق عليه أيضا السنة، أو بالراتبة، أوبالنافلة؛ فهو كل ما زاد على حد الواجب، وهو على مراتب ودرجات؛ فهناك سنة مؤكدة أي ما داوم عليه النبي[ وهناك سنة غير مؤكدة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك