رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 3 أبريل، 2011 0 تعليق

تداعيات موجة الاضطرابات العربية تتواصل-عدم فهم الأنظمة لمطالب شعوبها صادر أي مساع للحلول

 


كان لافتا خلال عدد من الموجات الاحتجاجية التي ضربت دول عربية عدة أن سقف مطالب هذه الموجات لم يكن يتجاوز حزمة من المطالب الخاصة بالغلاء والبطالة وتحسين الأحوال المعيشية وربما إجراء بعض الإصلاحات السياسية المحدودة التي داومت القوى السياسية في أغلب بلداننا على المناداة بتحقيقها، أي إن المطالب لم تتجاوز في البداية إصلاح النظام الحاكم من الداخل.

      إلا أن بطء أكبر الدول العربية بدءًا من تونس ومروًا بمصر وانتهاءً بسوريا وليبيا واليمن في التعامل مع هذه الأحداث من جهة عدم إقرار إصلاحات شاملة واستخدام يد الأمن الغليظة، قد رفع من سقف مطالب عدد من الشعوب العربية فلم تعد هذه الشعوب تقبل بأقل من تغيير الأنظمة القائمة وإنهاء عقود مما يسمونه بالفساد والاستبداد وانهيار جميع مؤسسات البلاد في الدول التي ضربتها هذه الأحداث.

      وقد كانت المطالب من قبل الشعوب العربية تتراوح بين التصدي لارتفاع الأسعار والبطالة التي وصلت لأرقام قياسية تجاوزت 25% بحسب أحدث تقارير صادرة عن منظمة العمل العربية وتحسين الأوضاع الاجتماعية وما خلفته من تداعيات تمثلت في ارتفاع معدلات العنوسة والطلاق والعنف داخل الأسرة المسلمة وغيرها، ووصولاً إلى المطالبة بالإصلاح السياسي وفض التحالف بين رجال الأعمال والسلطة والذي تسبب في تفشي الفقر والبطالة والقضاء على الطبقة الوسطى بمعنى أن يزداد الغني غنى والفقير فقرًا أو بشكل أوضح انهيار الطبقة الوسطى التي تشكل عامل استقرار في أكثر المجتمعات العربية.

صعوبات جمة

       وإذا استعرضنا مثل هذه المطالب نجدها تعبر عن تطلعات مشروعة وشرعية للشعوب العربية، فليس من المستساغ عقلاً وشرعًا أن ترفرف رايات الحرية في معظم دول العام وتتطور أغلب الدول في منظومتها السياسية لتصير أكبر ديمقراطية فيما تغيب مفردات الشورى الإسلامية من عدد لا بأس به من دولنا العربية ويجد مواطنونا صعوبات جمة في الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ويفتقدون الخدمات التعليمية والصحية  وغيرها، فيما تتمتع بلدانهم بقدر كبير من الثروات من الله تعالى لها على شعوبها استخدمت في غير وجهها الصحيح بل تم نهبها من قبل الحاشية والمسؤولين التنفيذيين، فالشعب الليبي مثلاً يعيش حوالي 40% منه تحت خط الفقر رغم أن البلاد تتمتع بخير وفير وثروة نفطية كانت قادرة على تحويل البلاد إلى سويسرا العرب، إلا أن مغامرات العقيد وضعت هذه الأموال تحت إمرة جماعات راديكالية ومتطرفة في أغلب قارات العالم من أجل تحقيق تجسد سياسي لحاكم ليبيا لدرجة أنه قام قبل أشهر عدة بإلغاء الدعم المقدم للسلع الغذائية لشعبه ورفع أسعار هذه السلع بنسبة تتجاوز 300% مما أشعل الأوضاع في ليبيا بشكل غير متوقع.

        ولا يجد أي مراقب صعوبة في تفسير تأخر أنظمة عربية عديدة في التعاطي مع مطالب شعوبها المشروعة» حيث ترى هذه الأنظمة أن الاستجابة السريعة لمطالب شعوبها سيظهرها في مظهر الضعيف بل ستغري شعوبها برفع سقف طموحاتهم وهو الأمر غير الصحيح، حيث أثبتت حاليًا مصر و تونس أن تأخر أنظمة مبارك وبن علي في الاستجابة لمطالب شعبيهما هو الذي جعل شعبيهما يطالبان بإسقاطهما ويرفعان السقف إلى حد ضرورة مغادرتهما السلطة رغم أن الاستجابة السريعة لهذه المطالب كانت كفيلة بتوفير طوق النجاة لهذه الأنظمة.

         وكان لافتًا لذلك خلال موجات الاحتجاجات حالة التمرد والانشقاق التي ضربت النظامين الليبي واليمني من جهة إعلان عدد كبير من السياسيين والوزراء والدبلوماسيين والسفراء وحتى أقرب المقربين من الحكام ومنهم أشقاؤهم وأصهارهم الاحتجاج على عمليات القمع الدموية التي خلفت مئات الضحايا في اليمن وآلاف الأثرياء في ليبيا نتيجة قصف طائرات القذافي وما تلاها من تدخل القوى الكبرى على خط الأزمة وقصفها للمدن الليبية مما رفع حصيلة الضحايا.

 مرحلة اللاعودة

        والواقع أن حركة التمرد الكبرى التي شهدتها هذه الدول من جانب مسؤولين ضد أنظمتها تشير إلى أن هذه الأنظمة وصلت إلى مرحلة النهاية ولم تعد تمتلك أي فرص للاستمرار في السلطة وهو ما يطرح أمرين أساسيين وراء هذه الانشقاقات بحسب ما يؤكد السفير سعد عزام مساعد وزير الخارجية المصري السابق حيث يرى أن حالة القمع الشديدة التي تعاملت بها الأجهزة الأمنية للنظامين اليمني والليبي هي التي حدت بهؤلاء المسؤولون لتقديم استقالاتهم أو الانضمام للمحتجين، فالنظام حين يقدم على مثل هذه الإجراءات يعد مؤشرًا على أنه لم يعد يسيطر على الأحداث وأنه فقد شرعيته تمامًا فقد وصل للسلطة للحفاظ على أرواح شعبه وليس إزهاقها.

          وتابع: يمكن أن يكون هناك يقين من جانب هؤلاء المسؤولين بأن أيام هذا النظام أصبحت معدودة في السلطة من ثم فلا يجوز الرهان عليه ويجب البحث عن موطئ قدم مع النظام القادم، فالأمر بحسب عزام قد يعود لاعتبارات وطنية وجزء منها قد يكون لانتهازية سياسية.

        ولا شك أن حركة الاضطرابات والانشقاقات وسقوط نظامين عربيين حتى الآن في كل من مصر وتونس، والأمر مرشح للتكرار في دولتين على الأقل هما اليمن وليبيا، قد أوجدت أجواء غير مستقرة أسهمت في تراجع الأوضاع الاقتصادية وانهيار الأسواق المالية في عدد من الدول العربية، ولنا أن نعرف أن البورصة المصرية خسرت في الساعات الأولى لاستئناف نشاطها بعد أكثر من 55 يومًا من الإغلاق ما يقرب من 37 مليار جنيه ناهيك عن ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية ووجود نقص حاد في عدد من السلع الاستراتيجية، إلا أن الأمر لا يخلو من إيجابيات على مجمل الأوضاع في العالم العربي، فمثلاً الميزانيات الرهيبة التي كانت مخصصة للأجهزة الأمنية سيتم توجيهها لمجالات تنموية أخرى مثل التعليم والصحة حيث دأبت دولنا العربية على استيراد أحدث آلات التعذيب من الغرب وتضخمت أعداد العاملين في الأجهزة الأمنية لدرجة أن دولاً مثل مصر وتونس حققت أرقامًا قياسية في أعداد أفراد الشرطة بالنسبة للمواطنين.

 تراجع واضح

        وكذلك سيتراجع كل من دور أجهزة الأمن في اختيار العاملين في القطاعات الحكومية أيًا كانت سواء كانت مهمة أم عادية بدءًا من عامل دورة المياه لأساتذة الجامعات، حيث لعبت هذه الأجهزة دورًا كبيرًا في إبعاد أي معارضين عن دوائر الدولة والعمل على ضمان وجود الموالين للنظام الحاكم في هذه الدوائر وهو ما يفتح الباب أمام جميع المواطنين بالتساوي للحصول على فرص للعمل مما يعيد الانتماء والهوية الوطنية المفتقد بشدة في عدد من الدول العربية خلال السنوات الأخيرة.

        ومن المجالات التي سيطولها التغيير خلال المرحلة جملة التحالفات المبرمة بين عدد من الأنظمة العربية والقوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث قدمت الأنظمة السابقة تسهيلات لواشنطن تتيح لها امتيازات قد تضر بأمن هذه الدول الوطني والقومي حيث قدمتها هذه الأنظمة لخطب ود واشنطن والقوى الغربية لتلوذ بالصمت على تجاوزات هذه الأنظمة وعدم احترامها لحقوق الإنسان.

        ومن البديهي أن بعض دول المنطقة ستحترم المعاهدات الدولية التي أبرمتها في السابق مع إسرائيل مثلاً وفي مقدمتها مصر والأردن؛ حيث قدمت هذه الدول تنازلات تضر بسيادتها على مناطق مثل سيناء ومناطق حدودية بين إسرائيل والأردن، فضلاً عن بنود سرية تضمنتها أجبرت هذه الدول على ممارسة حصار على الفلسطينيين وإغلاق معابر مثل رفح الذي يعد المنفذ الوحيد لقطاع غزة على العالم.

        فمصر مثلاً لن تخرق اتفاقية السلام ولكنها لن تتماهى مع السياسات الإسرائيلية في عهد مبارك الذي عده مسؤولون إسرائيليون كنزا استراتيجيا ولاسيما أن حالة الدفء التي سادت العلاقات المصرية الإسرائيلية كانت لها تداعيات سلبية على علاقات مصر العربية بل أجبرت القاهرة على تقديم تنازلات مذلة لتل أبيب وهو وضع مرشح للتغيير لاسيما أن المجلس العسكري الحاكم في مصر قد أبلغ إسرائيل رفضه لأي عملية عسكرية ضد قطاع غزة، بل إنه لا يضمن ردود الفعل الشعبية ضد الدولة العبرية وهو أمر أجبر حكومة نتنياهو على مراجعة خياراتها وهو ما يوضح أن مصر ستعود رصيدًا استراتيجيًا للأمة العربية وليس خصمًا منها وهو وضع قد ينطبق على دول أخرى مثل تونس وليبيا وغيرهما.

      ومن الأمور الإيجابية الأخرى أن سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ونظام حكم مبارك في مصر لم يترك تداعيات أمنية خطيرة بالقدر الذي توقعه البعض، فحالة الفلتان الأمني التي سادت البلاد بعد أيام من سقوط مبارك وبن علي لم تستمر طويلاً بل كانت محاولة فقط من يتامى النظامين للزعم بوجودهما بل إن استقرار الأوضاع الأمنية كان له تأثيرات إيجابية على استعادة الأسواق لعافيتها وحديث بعض الدوائر الاقتصادية الدولية عن أن التطورات السياسية في الدول العربية تصب في صالح جذب قدر أكبر من الاستثمارات مما سيكون له دور إيجابي على الأوضاع الاقتصادية في بلداننا العربية خلال المرحلة القادمة.

        وفي الإطار نفسه  تواكب سقوط نظامي مبارك وبن علي في مصر وتونس مع اندلاع اضطرابات في مملكة البحرين وهي اضطرابات أدت فيها الأيدي الطائفية دورًا كبيرًا في إشعالها حيث عملت أجهزة استخبارات مشبوهة على استغلال هذه التطورات لإسقاط النظام البحريني ودعم وصول جماعات طائفية للسلطة تضييقًا لنهج تصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار.

 فشل ذريع

         ولكن هذا المخطط لاقى فشلاً ذريعًا حيث سعت المملكة العربية السعودية للتدخل للحفاظ على الأهداف الاستراتيجية في مملكة البحرين تطبيقًا لاتفاقيات دولية وقعتها دول الخليج العربي وهو الدور الذي استطاع وأد الفتنة في مهدها، بل أماط اللثام عن وجود جهات طائفية تسعى لتنفي أجندتها مهما كان لهذه الأجهزة من إضرار على أمن بلدان المنطقة واستقرارها، غير أن الأمر الإيجابي أنها كشفت ذلك عن ضرورة توحد الصفوف لوقف العبث فيما يتعلق بأمن منطقنا من قبل أطراف  لاستخدام الأحداث الأخيرة لاكتساب أرضية جديدة دون أن تضع في الاعتبار حتى أواصر الجوار وعدم التدخل في شؤون دولة ذات سيادة والعمل على إنشاء ميليشيات موالية لها وهو أمر كان محل إدانة ورفض من أغلب شعوب وأنظمة المنطقة أو العالم.

        ولا تتوقف إيجابيات موجة الاحتجاجات التي سادت دولنا عند هذا الحد بل مجال الدعوة الإسلامية سيكون من أبرز المجالات التي ستستفيد من هذه الثورة ومجالات التضييق التي عاناها الدعاة والدعوة على حد سواء ستتلاشى بشكل كبير حيث ستتراجع سطوة الأجهزة الأمنية على المؤسسات الدينية والمساجد لتقوم بدورها في تنمية الوعي الديني والتصدي للهجمة الشرسة التي تشن على أمتنا وحملات التغريب المتتالية حيث كانت هذه المهام موحدة في وجه الدعاة بل كانوا يلاقون الأمرين إذا حاولوا الخروج عن الخط المرسوم لهم  أو إذا ارتأوا التعاطي الإيجابي مع هموم مواطنيهم بل إن الضغوط الأمنية قد لعبت الدور الأهم في تعاطي الدعاة مع مطالب المحتجين بشكل يتسم بالبطء رغم أن أغلبها شرعية حتى لا تستخدم مواقفهم للتنكيل بهم وحتى حرمانهم من صعود منابرهم حيث اكتفوا بإشارات تظهر مواقفهم دون البوح بها بصراحة.

 زمام المبادرة

       ولا شك أن هذه المرحلة ستنتهي حيث سيمتلك العلماء زمام المبادرة ويعودوا إلى صدارة المشهد بعد سنوات من تراجع دورهم خصوصًا أن تحركاتهم ستتم بحرية وبدون أي قيود تضعف قدرتهم على أداء دور يوازي الدور الذي ينبغي أن يمارسوه في مجتمعاتنا.

         ويوافق على هذا الطرح د. محمود مزروعة أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر بالتأكيد على أن دور العلماء قد عانى طوال العقود الماضية من مجموعة من القيود أقضت مضاجعهم وجعلت دورهم يتراجع بشكل كبير وهو الوضع المرشح للتغيير خلال المرحلة القادمة بعد رفع كافة القيود الأمنية والسياسية.

         وتابع العلماء لن يعطوا أحدا الفرصة لتقليص دورهم، بل سيكونون في مقدمة الصفوف للدفاع عن دينهم وعقيدتهم ومواطنيهم، مشيرًا إلى أن أول مهام العلماء ستكون التواصل مع مواطنيهم وإزالة كافة العقبات أمامهم لتنمية وعيهم الديني وإمدادهم بالثقافة الإسلامية القادرة على تحصينهم من الفتن ومن الفكر الضال والمضل.

وأشار إلى أن العلماء سيعملون على إسداء النصح لمواطنيهم ومعاونة أولي الأمر عبر إرشادهم إلى لأوجه القصور بشكل يتفق مع قيم الإسلام ويصب في النهاية في خدمة ديننا ووطننا وأمتنا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك