رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: علي صالح طمبل 1 سبتمبر، 2014 0 تعليق

تدابــير واقـيـة ضـد الفـواحش

في زمن شاعت فيه الفتن، وتفشت فيه المنكرات، وبات شياطين الإنس والجن يؤزون الناس أزاً للوقوع في الفواحش، عبر أساليب الإغواء المتنوعة في الشوارع والجوالات وأجهزة الإعلام وصفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي؛ حينئذٍ يصبح المسلمون – ولا سيما الشباب منهم – أحوج ما يكونون إلى اتخاذ التدابير الواقية لحماية أنفسهم من هذا الأتون المشتعل، مستحضرين ما في الحشمة والعفاف والحياء من الثواب والنفع، ومتذكرين ما في الخنا والفحش والبذاء من العقاب والضر للفرد والمجتمع.

أولى هذه التدابير والإجراءات أن يتذكر المسلم مراقبة الله -جل وعلا- له في السر والعلن، وأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ فلا يجعله سبحانه أهون الناظرين إليه، فيستخفي من الناس ولا يستخفي من الله!

     وثاني هذه التدابير غض البصر الذي فيه طمأنينة النفس، وراحة البال، وطهارة القلب، وحفظ الفرج، وزيادة الإيمان؛ لقول الله جل وعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ}(النّور:30)، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}(النّور: 31)، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ}(الأحزاب: 53).

وثالث هذه التدابير أن يتذكر المسلم أن الغيرة من الدين، وأن الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أغير على أعراض المسلمين منه، ففي الحديث: «أتعجبون من غيرة سعد، فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، مِن أجل غيرة الله حرم الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله» رواه مسلم.

     ورابع هذه التدابير أن يعرف المسلم أن من اعتاد الفواحش قلَّتِ الغيرة في قلبه، وكان فيه من الدياثة بقدر ارتكابه للفواحش، وأن الدياثة التي هي أن يرضى الرجل الخبث في أهله «مثل من يرى التبرج في أهله، ومشاهدتهم لما يخدش الحياء في الفضائيات واختلاطهم بالرجال فلا يأبه لذلك»، ويستحضر أن عاقبة هذه الدياثة هي الحرمان من الجنة – عياذاً بالله – لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مُدْمِن الخمر، والعاق، والديوث الذي يُقِرّ في أهله الخبث» رواه أحمد.

ورابع تلك التدابير أن يعلم المسلم أن الزاني لا ينعم براحة البال؛ ولا يستقر له حال، فحتى لو تزوج كان كثير الشك في زوجته وبناته، و(إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه)؛ ولا يوفق في حياته الزوجية؛ لأنه استمرأ الحرام فكرّه الله له الحلال، ولا يظلم ربك أحداً.

      وخامس التدابير أنه يجب على المسلم أن يغار على أعراض المسلمين كما يغار على عرضه، فكل المسلم على المسلم حرام كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما دام لا يرضى الفاحشة لأحدٍ من أهله، فينبغي ألا يرضاها لإخوانه المسلمين، ويتذكر ذلك الشاب الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، تستعر في أعماقه الشهوة، فقال له: «يا رسول الله، ائذن لي بالزنا» كما في الحديث الذي رواه أحمد، فبالرغم من ذلك لم يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل جادله بالمنطق، وذكره بأنه ينبغي أن يجعل أعراض المسلمين جزءاً لا يتجزء من عرضه، فقال له: «ادنه، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء».

    وسادس هذه التدابير أن يتذكر أنّ من عف نفسه من الوقوع في الفواحش؛ وحفظ الله حفظه الله في نفسه وعرضه، ووفقه إلى إعفاف أهله، أما من هتك أعراض الناس، فلا يستبعد أن يعاقبه الله بأن يسلط عليه من ينتهك عرضه، جزاء وفاقاً، فـ(الجزاء من جنس العمل)، والطيبات للطيبين كما أن الخبيثات للخبيثين، قال تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}(النور: 26ِ)، وقال تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ  وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(النور: 3).

     وسابع التدابير: عليه أن يتذكر أن الفاحشة إذا شاعت في المجتمع كان ذلك سبباً في هلاكه بإصابته بأنواع الأمراض والأوجاع والطواعين، ففي الحديث: «ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا» السلسلة الصحيحة 106، وما الإيدز وما شاكله من الأمراض منا ببعيد.

استحضار الأجر

وثامن التدابير: أن يستحضر الأجر والثواب المترتبين على إعفاف النفس، ولاسيما في زمن صار فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر، وأن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «شاب نشأ بعبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله» رواه مسلم برقم 1031.    

وتاسع تلك التدابير يتذكر أن الشهوات سرعان ما تزول حلاوتها لتبقى الذنوب والحسرات، والعذاب الذي ينتظر صاحبها في القبر والآخرة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثامً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}(الفرقان: 68 -69).

والعاشر من التدابير أن يتذكر القدوات التي ضربت أروع الأمثال في العفة والحياء، وعلى رأسها النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أشد حياء من العذراء في خدرها، ويوسف عليه السلام الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}(يوسف: 23).

والحادي عشر من التدابير: ألا يجلب على نفسه وأهله ما يجعلهم يقعون فريسة للفواحش، فيختار من الفضائيات أطيبها، ومن المواقع الإلكترونية أنفعها له ولأهله، ويوجه نفسه وأهله لاستخدام الجوال والهاتف في الخير والصلاح، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حتى يُحاصر الباطل في المجتمع في نطاق ضيق.

والثاني عشر من هذه التدابير أن يسارع في التوبة النصوح قبل أن يحال بينه وبين ذلك بالموت، ويتذكر أن الله غفور رحيم لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى، وأنه شديد العقاب لمن تمادى في غيه وعصا.

والرابع عشر من التدابير ألا يستمرئ في الفواحش، ويظن أن الله يحبه ما دامت أموره تجري على ما يرومه رغم معاصيه، فربما كان ذلك استدراجاً من الله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}(الأعراف: 182)، وفي الحديث: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)، قال: ثم قرأ: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}(هود: 102) متفق عليه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك