رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 9 مارس، 2017 0 تعليق

تحديات الدعوة السلفية: أسباب وحلول

الدعوة السلفية هي دعوة الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه- وخلاصة حقيقة هذه الدعوة هو:

 توحيد الله  في أفعاله، وفي أسمائه وصفاته، وتوحيد المرسلين في المتابعة؛ فلا ابتداع في الدين، ولا تعصب لرأي أو مذهب بل ينبغي التخلق بأخلاق السلف في إحياء الأخوة، في المعاملات الاجتماعية والمالية ونحوها، والحرص على الإخلاص والبعد عن الرياء.

التحديات وأسبابها:

التحديات على نوعين:

1- تحديات من قبل المنتمين إلى الدعوة.

2-  تحديات من قبل المناوئين.

تحديات من قبل المنتمين إلى الدعوة

 1-التخليط  في فهم الحكمة:

العجيب أن بعضهم يفهم المقصود بالحكمة والموعظة الحسنة فهمًا خطأً، يفرغون به الدعوة من جوهرها ومضمونها وغايتها، ويخلطون فيه خلطا شديدًا بين أساليب عرض الدعوة وبين جوهرها ومضمونها؛ فيعممون الأسلوب على المضمون والجوهر.

قال -تعالى-: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}(النحل: 125)، يستخدم بعضهم هذه الآية في أساليب الدعوة في اتهام دعاة

     صريحين جريئين في دعوتهم، ويحسبون هذه الصراحة والجرأة منافية للحكمة والموعظة الحسنة، ويصنفون هذه الفضائل ضمن المعوقات، ويجعلون صاحبها متصفًا بالتطرف والتزمت والتشدد والعنف والحدة والقسوة والانفعال والإساءة، أما المتصف بالحكمة والموعظة الحسنة -عند هؤلاء- فهو الذي يتغاضى عن الانحرافات، ويتسامح مع تصرفات أصحابها، ويرتاد الأماكن والمجالس والمحافل التي تجري فيها مخالفات شرعية، ويتباسط مع المخالفين فيها، ويسكت عن البيان والدعوة والنصح. أما إذا قام أحد بالنصح في هذه المجالس والمحافل، والتذكير والوعظ لأصحابها، فإنه مجانب لأساليب الدعوة الحكيمة، متصف بالغلظة والشدة والقسوة، وهذا مخالف لمنهجية الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة.

2-عدم التفريق بين أسلوب الدعوة ومضمونها: إن أساس الدعوة ومضمونها وجوهرها: الدعوة إلى توحيد الله، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم ، هذا لم يتغير في أي ظرف أو زمان أو مكان، هناك حقائق وقواعد وأسس لم يتنازل عنها الرسول صلى الله عليه وسلم أو يتراجع، ولم يفاوض حولها أو يهادن أو يساوم، إن المؤمنين هم أهل الجنة، وإن الكافرين هم أصحاب النار، إن الكافرين ليسوا على دين، وإن الحق حق والـبـاطـل بـاطـل، وإن المعروف مطلوب والمنكر مذموم متروك، إلى غير ذلك من الحقائـق الثابتة والقواعد الراسخة. لقد أزعج الكافرين ثباتُ الرسول صلى الله عليه وسلم على مضمون الدعوة وجوهرها، وعدم تراجعه عنها ومساومته عليها، ونجاحه في سلوك الأسلوب الناجح في عرض هذه الحقائق وتقديمها للناس، أزعجهم تفريقه بين الأسلوب والمضمون، وفصله بين ما يجب أن يقال وكيفية وطريقة أن يقال؛ ولهذا أرادوا أن يساوموه ويداهنوه، أرادوا منه أن يتراجع عن موقفه، ويتنازل عن خصائصه.

     {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}(القلم: 9)، أرادوا أن يضيعوا ا لمضمون، ويميعوا الحق، فعرضوا عليه الالتقاء في منتصف الطريق، نعبد إلهك يومًا وتعبد آلهتنا يوما!؛ فجاء الحسم من الله في عدم المساوة على الحقائق: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (}(الكافرون: 1-6).

وخلاصة هذه المسألة أن على الداعية أن يفرق بين الأسـلوب والـمـضـمون، فيطور في الأول وينوع ويجتهد، أما الثاني فإنه ملتزم فيه بالأصول وقّاف عند النصوص.

3- القصور عن تصور شمولية الدعوة؛ إذ هناك نفر من الدعاة يظنون أن الدعوة إلى التوحيد مجرد عمل تثقيفي أوتعليمي، تصحح به تصورات الناس تجاه مفهوم عقيدة أهل السنة ومنهجهم في أقسام التوحيد المتعلقة بالبار -سبحانه وتعالى-؛ فحسب، دون  بيان شاف كاف عن آثار هذه العقيدة في واقع الناس وسلوكهم ونظمهم الاجتماعية والقيمية والتشريعية، ومشاعرهم وولائهم وجهودهم وغير ذلك، ودون عناية بتربية شباب الصحوة المتحمس تربية حسنة، تُقوِّم من سلوكياتهم ولاسيما في أوجه تعاملهم مع من فوقهم في السن والعلم، وفي سبل التعامل مع الآخرين، وهذا الاتجاه المشاهد الآن، لو تعززت وجهته في الدعوة السلفية، فستنتهى بنا حتمًا إلى حصر الدعوة الإسلامية في نوع من الجدل الكلامي الذي يكثر فيه تشقيق المعاني وتهويم الخواطر، وتناطح الأمثلة التجريدية، وإتاحة الفرصة تمامًا أمام التيارات المنحرفة لصياغة واقع الأمة وفق مناهجهم الفاسدة.

     لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يـدعـــو قومه إلى التوحيد الخالص في مكة، طوال ثلاث عشرة سنة، ليخرج قومه من ظلمات الجاهـلـيـــة والوثنية والإشراك بالله، إلى نور التوحيد، ومع ذلك الحرص الشديد على دعوة التوحيد فــإن الـرســول صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في تصحيح الانحرافات الاجتماعية كلها في الواقــع الذي يعـيـشـه، ويقرن ذلك كله بالتوحيد، حتى لكأنهما بناء واحد لايمكن فصل بعضه عن بعض في دعوة الحق، وحسبنا في ذلك القرآن المتلو في مكة.

4- القصور في مجال توجيه ردود الأفعال: إن إثارة ردود الأفعال غير المدروسة تعد من أخبث الوسائل المستخدمة اليوم للتأثير على المسلمين جماعات وأفرادا، وتحويل مسار أعمالهم ومناهجهم الدعوية، ومن ثم القدرة على إيجاد مسوغات لشن حملات تشويهية أو تخريربية على عملهم.

5- القصور في مجال فقه المكان والزمان

     والوعي العميق بالواقع الاجـتـمـاعــي الذي تتحرك فيه، ودون هذا الفقه للواقع لا يمكن لمسلم تنزيل قاعدة المصالح والمفاسد، ولا أصل: لا ضرر ولا ضرار، ولا أصل: ارتكاب أخف الضررين، ولا باب: سد الذرائع، ولا باب : الضرورات العامة وما تعم به البلوى، وغير ذلك من مقتضيات الدعوة وأصول الأحكام، ومن دخل في شيء من هذا كـلــه دون معرفة بالزمان والمكان ، وبصيرة بأحوال المسلمين وفقه لواقعهم فهو مغامر ولا شـك، وضــارب في عماية، ولا يؤمن جانب دعوته وفتواه أن تودي بالمسلمين إلى موارد الهلكة والفساد.

     ولقد كــان مـن هـــدي النبي صلى الله عليه وسلم ، مراعاة أحوال الناس، والبصيرة بواقعهم وظروف الــزمـان، وموازين السلوك الاجتماعي، وكان يوجه دعوته صلى الله عليه وسلم وفق ذلك الاعتبار، فيقدم ويؤخر، ويوجه ويرشد. روى الشيخان وغيرهما واللفظ لمسلم عن أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم؟ قالت: فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ قال رسول الله: ولولا حدثان قومك بالكفر لفعلت».

لقد وعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واقـع الـنــاس، وحساسـيات ذلك الواقع، ووضع ذلك كله في اعتباره وتقديره، فأخر ما كان يحب فـعـلـه مراعاة لذلك الواقع.

6- القصور في مجال الإدارة والتخطيط:  أما التخطيط –وقد أصبح فنا مستقلا بعد أن كان جزءاً من الإدارة- فلا يقل أهمية عن الإدارة نفسها، وحاجة العمل الإسلامي إليه غير قابل للنقاش، وحتى تتجلى لنا أهمية التخطيط-ومعناه التنظيم ورسم الأهداف وخطوات العمل في المستقبل، وتقسيم مراحل تنفيذه إلى أقسام- ألم تعان الدعوة من عدم وضوح الهدف؟ ألم تعان الدعوة من الارتجالية والفوضى؟ ألم تعان الدعوة من الحزبية والانفرادية في اتخاذ القرار؟

     ألم تعان الدعوة من فقدان القيادة القادرة على الاستفادة من المصادر المتاحة؟ ألم تعان من ضعف قدرة القيادات على مراقبة نفسها ومحاسبتها عندما تحيد عن الطريق؟ ألم تعان من الترف الفكري وكثرة النقاش والجدل والمراء المكرر في مسائل هي ذاتها؟ ألم تعان من كثرة المجاملة والتقليد الأعمى والتعصب للأحزاب والجماعات.

ألم تعان من حب الرئاسة والزعامة والتنافس عليها؟

لاشك أن العمل المنظم المخطط له بدقة إذا وجد مع العامل المخلص استطعنا التخلص من جزء كيبر من هذه المعاناة التي تعود إلى العاملين أنفسهم، ونلخص هنا مزايا التخطيط:

1 - انتظام العمل وانسيابه بسهولة ويسر؛ حيث يتم تحديد الأعمال والمراحل التي تمر بها، والأشخاص الذين يؤدونها.

2 - تحديد الاختصاصات والصلاحيات والمسؤوليات؛ بحيث يعرف كل فرد واجباته الأساسية والفرعية والإضافية، وعلاقة وظيفته بالوظائف الأخرى ، ويبين لكل قسم وإدارة حدود صلاحـيـاتـها وعـلاقـاتـها بالأقـسام والإدارات الأخــرى؛ فــلا يحدث تنازع في الاختصاصات أو تضارب في السلطات.

3 - الاستغلال الكفء للإمكانات المتاحة خبرات وطاقات العاملين، والحصول على أقصى طـاقـة إنـتـاجيـة منها، وتحقيق التنسيق والتكامل بين الموارد البشرية والخـبـرات والمهارات المتاحة، وبين الإدارات والأقسام؛ فيزيد احتمال الوصول إلى الأهداف المحددة بقدر كبير من الفعالية.

4- بذلك يـتـحـقـق الـتـعـاون والانـسـجـام بين الأفراد والجماعات؛ فتسير العلاقات الوظيفية والاجتماعية بأقل قدر ممكن من التنافر والتضاد.

وللحديث بقية إن شاء الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك