رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 12 مارس، 2017 0 تعليق

تحديات الدعوة السلفية: أسباب وحلول (3)

ذكرنا فيما مضى أن الدعوة السلفية  هي دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم  وأصحابه، وخلاصة حقيقة هذه الدعوة، هي توحيد الله في أفعاله وفي أسمائه وصفاته، وتوحيد المرسلين في المتابعة؛ فلا ابتداع في الدين، ولا تعصب لرأي أو مذهب، بل ينبغي التخلق بأخلاق السلف في إحياء الأخوة في المعاملات الاجتماعية والمالية ونحوها، والحرص على الإخلاص والبعد عن الرياء، واليوم نستكمل الحديث عن أهم التحديات التي تواجه هذه الدعوة المباركة.

الإغراءات المادية

     ولما لم تفلح كل تلك المحاولات مرة أخرى في قتل الدعوة، أو حتى في إيقاف انتشارها الواسع، وعندما قوي أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واشتد أمرهم بإسلام حمزة وعمر وغيرهما، لجأ الطغاة إلى محاولات لإغراء الرسول بأمور الدنيا كي يتنازل عن دعوته. ومثال تلك المحاولات مفاوضة عتبة بن ربيعة الذي أرسلته قريش مندوبًا عنها ليعرض على الرسول الملك والجاه والمال كي يكف عن دعوته.

المفاوضات الدينية والسعي وراء التنازلات:

وتمثل تلك المرحلة أخبث وأخطر ما تفتق عنه تخطيط الطغاة ومكرهم.

     إن أهل الباطل ليس لهم منهج ثابت محدد يلتزمون به، وإنما يدورون مع مصالحهم؛ حيث دارت، ومصلحتهم العظمى كما يرونها في عداء الحق والسعي لإطفاء نور الله، ومن هنا فإن أهل الباطل لا يجدون غضاضة ولا صعوبة في أن يعترفوا بشيء من الحق ويتفاوضوا مع أهله إذا كان في ذلك قضاء على الحق وأهله ولو بعد حين. وتدبروا في موقف أهل الباطل من التنازلات {َودوا لو تدهن فيدهنون} إن لديهم الاستعداد للمداهنة، ولا مانع لديهم من التنازلات عن شيء من باطلهم في مقابل تنازل أهل الحق عن شيء من حقهم. يقول ابن كثير في تفسير سورة الكافرون: «قيل إنهم، أي كفار قريش، من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة فأمر رسوله صلى الله عليه وسلم  فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية فقال: {لا أعبد ما تعبدون}. وثبت الله رسوله أمام هذا الكيد الجديد {وَلولا َأن َثبْتَناك َلَقد ِكدّت تركن ِإَلْيهْم شيئًا َقِليلا}، وعلمنا الموقف الذي نَقِفُه من هذا الكيد، وحذرنا من المداهنة في دين الله، بل جعل من أصول ديننا معاداة الكافرين وبغضهم والبراءة منهم، حتى يقطع كل سبيل للتقريب بينهم وبين المؤمنين!!

الحلول:

1- استفراغ الوسع في البحث عن الحلول العملية لا النظرية وحدها:

     ووقفة مع موقف الرسول صلى الله عليه وسلم  وهو يرى أتباعه يعذبون: لقد أصاب رسول الله أذى من المشركين، لكنهم لم يكونوا ليبلغوا منه شيئًا كثيرًا لمكانة عشيرته بينهم، ولكن العديد من أصحابه واجه فتنة لا طاقة لكثير من البشر بها، فماذا كان موقف الرسول من ذلك؟. لقد أبدى الرسول تعاطفًا شديدًا وشفقة حانية على أتباعه من المعذبين، فكان يمر بآل ياسر، ويثبتهم على مصابهم، ويعدهم الجنة، وكذلك كان حال المسلمين ممن لم يصبهم الأذى، فهذا أبو بكر ينفق ماله على إعتاق المعذبين من الرقيق، ولم ينته دور الرسول عند التعاطف والإشفاق، بل كان يبحث عن كل ما من شأنه أن يخفف المصاب عن أتباعه من حلول عملية.

فكان يأمر من أسلم من الضعفاء أو ممن يخشى عليه الفتنة أن يكتم إسلامه عن أهله، ويأمر بعض من يأتيه من قبائل العرب مسلمًا أن يعود إلى قبيلته؛ لأنه لا سند له بمكة؛ ولما علم أن في الحبشة ملكًا لا يظلم أمرهم بالهجرة إليه فرارًا بدينهم.

إذاً كان الرسول يرفع من معنوياتهم، ويذكرهم بالأجر والثواب، ويؤكد نصر الله إياهم بعد حين، وفي الوقت نفسه كان يبحث لهم عن حلول عملية تخفف من وقع الفتنة عليهم.

2- عدم الخضوع لاستفزازات المناوئين:

     ومن الضوابط الشرعية التي يجب على الداعية أن يوليها ما تستحق من عناية، الصبر وعدم التأثر بأفعال المناوئين تأثرا سلبيا، وكذلك عدم استعجال النتائج: قال -تعالى-: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}(يونس:109)، وقال -تعالى-: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}(النحل:127)، وقال -تعالى-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(لأنفال:46)، وإغفال هذا الضابط يؤدي إلى العجلة وهو باب واسع للخروج عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، فقد أخرج البخاري عن خباب بن الأرت رضي الله عنه، قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه؛ فما يصده ذلك عن دينه! والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».

     والاستعجال هو طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، وهو سير بغير بصيرة، وهجوم على الأمور بغير معرفة، ولطالما خسرت الدعوة الشيء الكثير، وتقهقرت سنين عددا بسبب أناس استعجلوا الثمار، وسلكوا طرقا غير شرعية فكان ما كان، والعجلة مذمومة في عامة القرآن، قال -تعالى-: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(طه:114)، وقال -تعالى-: {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}(الانبياء:37}، وقال -تعالى-: {وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا}(الاسراء: 11).

ومن أسباب العجلة:

أ- غياب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله لدى كثير من دعاة هذا العصر.

ب- الشهوة الخفية والدافع الذاتي في النفس الأمارة إلى حب الزعامة والرئاسة والسلطة وتولي مراكز القيادة، وقطف ثمار الدعوة، والخروج من حيز التهميش إلى حيز الظهور والتمكين! وهذا من جهل هؤلاء؛ إذ لوفقهوا لعلموا أن الإمامة في الدين إنما تنال بالصبر واليقين، قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(السجدة:24)، وأن أقرب سبيل للنجاة من كيد الأعداءهوالصبروالتقوى، قال -تعالى-: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}(آل عمران: 120).

جـ- كثرة التحديات من أعداء الدعوة وكثرة الأذى؛ مما يجر المستعجل إلى خطوات ليس هذا أوانها لا شرعا ولا عقلا؛ فيترتب عليه ما يؤخر ولا يقدم. د- عدم إدراك العمق الحقيقي للفساد في النفس البشرية، فيلغي المستعجل من حسابه حجم السنين التي تم فيها الفساد، فيريد أن يدرج الزمن جاهلا أن من السنن الإلهية انتشار الحق بتدرج. هـ- قيام الدعوة على الارتجالية أو على أسس غير صحيحة.

و- عدم معرفة ضوابط المصلحة والمفسدة في باب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ز- العاطفة الهوجاء التي لا زمام لها ولا خطام.

ومن نتائج الاستعجال:

أ- القنوط والفتور في الدعوة أوالانتكاس عياذا باالله-.

ب-الانسياق وراء الدعوات الهشة والتجمعات الجماهيرية دون النظر في العواقب ومآلات الأمور.

جـ-اللجوء إلى العنف والقوة والفظاظة وسوء الخلق وفساد الأسلوب.

د-الغرور والإعجاب بالنفس واحتقار السالكين مسلك القرآن والسنة النبوية في الدعوة وقد يترتب على ذلك وصف أسلوب التربية والتعليم بالبطء وعدم مواءمة العصر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك