رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 22 نوفمبر، 2011 0 تعليق

تجميد عضويته في الجامعة العربية مقدمة لتكرار السيناريو الليبي- النظام السوري يواجه الاختبارات الصعبة

لم يواجه النظام البعثي النصيري في دمشق أوقاتًا صعبة منذ وصوله للسلطة في انقلاب أسود عام 1970 مثلما يواجه حاليًا، فالخناق يضيق شيئًا فشيئًا والعزلة الإقليمية والدولية تحاصره من كل مكان، والأنصار ينفضون عنه واحدًا تلو الآخر ومن بينهم أنظمة عربية كثيرًا ما دعمت النظام ووقفت بجواره في أوقات عصيبة استطاع عبر دعمها الإفلات من اختبارات صعبة، ولكنها لم تكن تتعلق يومًا بإدارة معركة إبادة منظمة ضد شعبه.

الأوقات العصيبة التي يمر بها النظام جعلته يفقد أعصابه ولا يستطيع إدارة لعبة التوازنات والتغييرات المفصلية التي نجح في السابق في التعامل معها بشكل جعل بعضهم يشعر بأنه ما زال قادرًا على التعامل مع الثورة ضد حكمه الطائفي التي تقترب من أبواب دمشق.

       وقد فاقمت التطورات السياسية التي شهدتها جامعة الدول العربية التي شكلت دومًا الحاضنة العربية وأداة سبغ الشرعية على الأنظمة التي رفعت لواء القومية العربية ضربة قاصمة للنظام عبر تعليقها غير المتوقع لمشاركته في أنشطتها المختلفة، وهو قرار سيليه قرار بتجميد هذه العضوية وفتح الباب أمام تدخل دولي لإسقاط نظام الأسد الذي لم يجد بدًا من التركيز على سلاح المعالجة الأمنية لثورة شعب يريد أن يعيش ويتنسم الحرية بشكل خلف ما يقرب من 4 آلاف قتيل حتى الآن، وحصيلة مرشحة للتصاعد خلال المرحلة القادمة في ظل عزوف آلة النظام العسكرية عن استخدام الطيران لإخماد حدة الثورة حتى الآن على الأقل.

       ولا شك أن قرار تعليق مشاركة سوريا الأسد في الجامعة العربية وما سيليها من تجميد العضوية قد يبعثر جميع الأوراق التي اعتمدها الأسد، فقد أزالت كل شرعية عن النظام بل أقر بشرعية المعارضة له بل وفتح الباب على مصراعيه لتكرار السيناريو الليبي في مرحلة لاحقة قد لا تكون قريبة في ظل غموض الموقف الأمريكي من بقاء النظام في ظل الضغوط الإسرائيلية على صناع القرار في واشنطن لعدم تبني مواقف صارمة والاكتفاء بين لحظة وأخرى بمطالبته بالتنحي دون فرض عقوبات ضده.

غموض دولي

       ولا يتوقف الأمر على الجانب الأمريكي فهناك موقف مماثل من الأطراف الأوروبية التي لم تستطع تبني موقف مماثل من الأسد مثلما أقدمت عليه للتخلص من نظام القذافي؛ حيث لم يصدر موقف عن القادة الأوروبيين ومنهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ينبئ بمجرد اقتراب هذا السيناريو،  بل إن الأمين العام لحلف الأطلسي (فوغ راسموسين) تحدث عن فروق عديدة بين سوريا وليبيا من بينها غياب تفويض عربي لحماية الشعب السوري.

       كما أن الغموض الأمريكي حيال الأسد فضلاً عن استمرار تأمين الحليفين الروسي والصيني الدعم الدبلوماسي له داخل مجلس الأمن بشكل منع إدانته حتى الآن، وفر للنظام نوعًا من المناورة أتاحت له محاولة تفريغ الوساطة العربية من مضمونها كون الاستجابة لها وسحب الجيش من المدن والإفراج عن المعتقلين تفتح الباب أمام العد التنازلي لإسقاط النظام ولاسيما أنه لن يتحمل تنظيم مظاهرات مليونية في كافة المدن السورية.

       وفي ظل هذا الوضع المعقد حاول النظام البحث عن سبل لوقف قرار متوقع إن لم يكن قد صدر في وقت إعداد هذا التقرير بتجميد عضويته عبر الدعوة لعقد قمة عربية لبحث سبل تسوية الأزمة السورية، وهي دعوة لن تجد آذانًا مصغية لدى أحد من القادة العرب فلا أحد منهم حتى أبرز حلفاء النظام السوري يجد نفسه قادرًا على مد طوق النجاة له في وقت يتصاعد فيه عدد قتلى المطالبين بإنهاء ديكتاتورية هذا الحكم الطائفي النصيري المتطرف.

ضجيج بلا طحين

       وقد ظهر هذا جليًا في ردود الأفعال على دعوة الأسد لعقد قمة عربية، فالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عدّها غير مجدية ،فيما تحفظ وزيرا خارجيتي مصر والجزائر عن التعقيب عليها، وهو ما كشف عن عدم وجود قبول عربي لها حتى الآن في وقت لم يقدم الأسد تنازلات حقيقية بوقف شلال الدم أو الدخول في حوار مع المعارضة السورية لا أن يلتف على القرارات العربية وأن يلعب على عامل الوقت تحسبًا لأي تطور إقليمي قد يعيد خلط الأوراق ويؤمن له فرصة للبقاء في السلطة.

       ولكن يبدو أن حسابات الأسد كما كانت دائمًا كاذبة خاطئة، فهو لم يدرك حتى الآن ما كان ينفع في السابق ويسهل تسويقه قد كسر تمامًا في ظل الربيع العربي، وأن تحدي إرادة الشعوب لم يعد مجديًا، وإلا ما كان كل من بن علي ومبارك والقذافي قد واجهوا السقوط أمام شعوبهم رغم مراهنة الجميع على استخدام البطش الأمني بدرجات لاستمرار مشاركته بتلابيب السلطة وإحكام سيطرته عليها.

حسابات خاطئة

       حسابات بشار الخاطئة لم تقف عند هذا الحد فهو مازال يراهن على الدعم الروسي والصيني، رغم أن هذا الدعم قد لا يستمر طويلاً بحسب د. جمال عبد الجواد الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام الذي يرى أن موسكو وبكين بدأتا تفكران جديًا في عدم وضع البيض كله في سلة واحدة وفتح أبواب الحوار مع المعارضة السورية؛ حيث استقبل وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) وفد المعارضة الروسية في موسكو.

       وتابع: رغم أن الاجتماع لم ينجح في تغيير موقف الطرفين إلا أنه قدم إشارة إلى أن الدعم الروسي المستمر لبشار قد لا يدوم طويلاً خصوصًا أن موسكو تحدثت عن ضرورة التزام النظام السوري بمبادرة السلام العربية رغم انتقاداتها الحادة لقرار الجامعة العربية بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعاتها.

       ويرى د. عبد الجواد أن هذا القرار العربي سيمهد السبيل إن عاجلاً أو آجلاً لتدخل دولي يسدد رصاصة الرحمة ضد النظام الذي سيجد صعوبة بالغة أمام تدخل دولي لم تتبلور معالمه حتى الآن وضغوط متصاعدة من الشعب الغاضب  في ظل اتساع  دائرة التمرد وسط الجيش السوري.

       وأشار إلى أن الدائرة تضيق على النظام السوري خصوصًا أن بنيته الأمنية والاستخباراتية المعقدة تجعله غير قادر على إقرار إصلاحات أو تقديم تنازلات جادة لشعبه قد توفر له فرصة للبقاء؛ بل ستحضر جميع الخيارات في مواجهة سيناريو هروب بن علي أو تصفية القذافي باعتبارها المتاحة فقط نهاية للأزمة السورية.

ضمانات للتنحي

       ولم تتوقف الصعوبات التي يواجهها الأسد عند هذا الحد، فقد دفعت ممارسات نظامه الإجرامية ضد الشعب السوري عددا من القوى الدولية في الإعلان عن استعدادها عدم معارضتها منحه ضمانات لمغادرة البلاد وعدم محاكمته، بل إن دولاً عربية خليجية عرضت استضافة الأسد في أراضيها في حالة رغبته في التنحي حاليًا عن السلطة، ووصل الأمر إلى حد مطالبة عم الرئيس السوري رفعت الأسد بتقديم ضمانات له ولعائلته مقابل مغادرة السلطة من بينها السماح بتولي أحد أقاربه السلطة وضمان عدم اندلاع حرب أهلية في البلاد تستهدف الأقلية العلوية أو المسيحية  في البلاد.

       ويرى السفير محمد رفاعة الطهطاوي مساعد وزير الخارجية المصري السابق أن هذه التطورات تأكيد على أن استمرار النظام السوري بتركيبته الحالية خيار مشكوك فيه لدرجة كبيرة في ظل تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية عليه.

       غير أن الطهطاوي يرى أن الأمر سيستغرق أشهراً عدة في ظل عجز أي من طرفي الأزمة عن حسمها في القريب واستمرار الدعم الروسي والصيني رغم وجود بوادر عن بدء حالة تململ داخل العاصمتين الدوليتين من استمرار الأوضاع على حالها في سوريا وتوسع النظام في الرهان على الحل الأمني دون أي مسار سياسي.

       ولم يستبعد إمكانية تصاعد الأحداث وصولاً للسيناريو الليبي ولاسيما أن صدور قرار بتجميد عضوية سوريا قد يتبعه تحويل الملف للأمم المتحدة بشكل يفتح الباب أمام تدخل عسكري لحماية الشعب السوري.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك