رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبوبكر القاضي 15 يوليو، 2019 0 تعليق

تجديد المنطلقات الربانية للدعوة الإسلامية


ثمة أزمة تعيشها الدعوة  الإسلامية والإسلاميون في مجتمعاتهم في هذه الأيام، وهي أزمة تواصل حقيقية بينهم وبين فئام الشعب وطبقات المجتمع المتفاوتة، وحتى ما كان يميز الصحوة من تواصلها مع الشباب باتت هذه الميزة باهتة بعد الانفتاح المعلوماتي المهول الذي اقتضته ثورة الاتصالات الحديثة وعصر السماوات المفتوحة، وبات الخطاب الدعوي المعاصر، ولاسيما السلفي بعيدا تماما عن مفاهيم المجتمع واهتماماته؛ حيث بات هنالك جفوة واضحة بين أبناء الفكر الإصلاحي السلفي وبين الشباب والكهول والشيوخ، وبين المثقفين والنخب وبين من يرتاد مسالك الإعلام والفن والأدب حتى ولو في طريق فج في المخالفات الشرعية والأخطاء المنهجية؛ فهناك فجوة فكرية حتى في دعوتهم وأنهم محل دعوة وتغيير.

المنطلق الأول

أول منطلق لحل هذه الأزمة والفجوة هو فهم عالمية الدين، وأن رسالة الإسلام رسالة عالمية، قال -تعالى-: { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض}، وقال -تعالى-: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.

قضية البلاغ

     إذاً قضية البلاغ قضية ليست مقتصرة على المتدينين بل وليس حتى على المسلمين بل الأصل الانطلاق من دعوة المسلمين من التقصير إلى الالتزام للانطلاق بهم لدعوة غير المسلمين في العالم لتكون كلمة الله هي العليا من خلال جهاد الكلمة والحجة والبيان وجهاد السيف والسنان بعد تحصيل وإعداد العدة والقوة.

فهم طبيعة القرآن

     فهم طبيعة القرآن وخطابه العالمي الأممي تفتح آفاقا رحبة للعقول السليمة لاستيعاب عالمية الدعوة، قال -تعالى- {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في (الناس)}، اسم لجنس لكل الناس المؤمن والكافر والبر والفاجر لا ينبغي أن تكون دعوتنا فئوية نخبوية هذا ينافي هذا المنطلق في فكرنا وتنظيراتنا، وينبغي أن يتمثل أيضا في السلوكيات والآليات، وينافي منطلق الرحمة في فهم حاجة البشرية وحقوق الإنسانية في معرفة الله والتغذي بغذاء الروح -الوحي- الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور.

     يقول المولى -تبارك وتعالى-: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات}، قال -تعالى-: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا}.

منطلق العالمية

     فهم منطلق العالمية يجعلنا -نحن أبناء الصحوة- نفكر في وسائل ذلك والخروج من الجمود والأعراف وتطوير الأداء والآليات ومواكبة المتغيرات مع الحفاظ على الأصالة والثوابت والخروج من نطاق التقليدية التي يخيّل لبعضنا أنه خروج عن الحشمة والوقار بأعراف وعادات ما أنزل الله بها من سلطان، نحن مطالبون بمخاطبة الناس على قدر عقولهم وألا يكون حديثنا لبعضهم فتنة، وأن يكون بلسان القوم، {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}.

البيان للمنهج

     فالمقصد هو البيان للمنهج بمعانيه، مع الحفاظ على الركائز الأساسية لدعوة الرسل من التوحيد والنبوة والمعاد؛ فكل الوسائل المنضبطة مطلوبة، ولابد تتفتق أذهاننا إليها بلا تقيد بطابع فرضه علينا الجمود لا الشرع، والمطلوب منا إيجاد البديل الحقيقي كفعل لموجة ثقافية إسلامية متطورة، لا رد فعل لموجتهم المادية الملحدة التي تخدم ثقافتهم وأيدلوجياتهم المنحرفة.

     ولذلك هناك مسائل قد قفل الخلاف فيها على قول واحد ينبغي علينا من دراسة فقهية حقيقية وتطبيق فقه الخلاف والتمييز بين أنواعه والتأدب بآدابه، لا أن نحاكم الناس لقول واحد، ونقيم لهم محاكم تفتيش، وننزع عنهم الانتماء للمنهج السلفي الأصيل في ضوء ذاك القول.

المنطلق الثاني

     ثاني خطوة لحل هذه الفجوة وهو المنطلق الثاني هو التركيز على الدعوة إلى المحكمات قبل المشتبهات، ركائز الدعوة وأصولها وثوابتها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وجعل الله أدلة توحيده وصدق رسوله أكثر توفرا من الماء والهواء لحاجة البشرية إليها، وهذا الوضوح والتوفر هو الذي سيؤدي بطالب الحق ليحكم الكتاب في اعتقاده وحسه فيما اختلف فيه الناس.

الخلاف ليس حجة

     فالخلاف ليس حجة في الحقيقة على النصوص بل الكتاب حجة عليه، وجاء ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وهو في زماننا المعاصر يحتاج إلى فقه ودراسة وتمحيص لأنواعه بين المذموم وغير المذموم وبين المطلوب وجوده وبين المطلوب السعي لتقليله وإزالته.

بيان القرآن

     الدعوة إلى بيان القرآن للعقائد والتصورات والأفكار والسلوكيات والأخلاق التي تميز ثقافة الشخصية الإسلامية الأصيلة بلا مواربة ولا مجاملة ولا مداهنة مادامت رسالات القرآن في ذلك واضحة، قال -تعالى-: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا}.

الحواجز النفسية

     هو الذي سيحطم الحواجز النفسية بيننا وبين المجتمع، فمع سلطان القرآن تتسع رقعة المساحات المشتركة والتأثير العميق في الجماهير عقلا ووجدانا وهذا هو حقيقة المشروع النهضوي للأمة، ألا نصنع نخبا فقط وطوائف، وننتقي كوادر فقط؛ فهذا جزء، والجزء الثاني أن نعمل على أن يتبنى المجتمع قضايا العمل للإسلام، ويمثل هذا تيارا شعبيا فلو أريد لاستئصال الفكرة يستأصل المجتمع برمته إن أراد كما نجح الغلام في غرس القضية في حس الشعب حتى رضوا بالحرق دون التخلي عنها..!

الصدع بالحق

     الصدع بالحق فيما لا سعة فيه ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وإن كان يجوز عن وقت الخطاب الدعوي على حسب الأولويات التي تقتضيها فقه النفوس وسياسات العلم لفتح القلوب، مع التوسع فيما فيه سعة وتوسعة من الشرع والمرونة في طرحه بأمانة هو الذي يفتح قلوب الكثيرين ممن يهاجم التيار الأصولي السلفي بأنه تيار القول والرأي الواحد والتعصب له، ولا شك أن التعصب مرفوض من فاعله أيا كان ومهما كانت درجته وقدره ومكانته، حتى في بيان الحق ينبغي أن يصاحبه الرفق والحلم والصبر وعدم التشنيع، وهذا لا ينافي الصدع بالحق ومواجهة الشبهات والشهوات وتحطيم قيودها بقوة ولباقة..!، فالدعوة إلى المحكمات كفيل بتجميع القلوب، ولم شعث المجتمعات تحت مظلة واحدة، ننطلق منها لفضاء أوسع وأهدأ منها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك