رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أبوبكر القاضي 25 يوليو، 2019 0 تعليق

تجديد المنطلقات الربانية للدعوة الإسلامية(2)


استكمالا للحديث عن المنطلقات الربانية للصحوة الإسلامية؛ حيث ذكرنا أن ثمة أزمة يعيشها الإسلاميون في مجتمعاتهم، وهي أزمة تواصل حقيقية بينهم وبين فئام الشعب وطبقات المجتمع المتفاوتة؛ حيث بات الخطاب الدعوي المعاصر ولاسيما السلفي بعيدًا تمامًا عن مفاهيم المجتمع واهتماماته، وبات هنالك جفوة واضحة بين أبناء الفكر الإصلاحي السلفي وبين الشباب والكهول والشيوخ، وبين المثقفين والنخب وبين من يرتاد مسالك الإعلام والفن والأدب حتى ولو في طريق فج في المخالفات الشرعية والأخطاء المنهجية فهناك فجوة فكرية حتى في دعوتهم وأنهم محل دعوة وتغيير، وقد ذكرنا منطلقين من هذه المنطلقات واليوم مع المنطلق الثالث.

     يتمثل المنطلق الثالث في كسر الحواجز بيننا وبين المجتمع، وتحطيم تلك القوقعة التي فرضناها على أنفسنا بالقصور العلمي والفكري والثقافي، والانسحاب من حياة الناس، واختزال الدعوة في محاضرة وخطبة وكتاب ومقال فرضها علينا الإعلام المفتري الممول من قبل قوى دولية وإقليمية ومحلية الذي يصورنا في قالب معين من الإرهاب والتطرف.

المنطلق الأهم

     هذه الحواجز تتهاوى مع ذلك المنطلق الأهم في تلك السلسلة وهو منطلق سلوكنا بين الناس، ومع الأسف كثير من أبناء التيار الإسلامي يصدق فيهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:«سبحان عباد الله، إن منكم منفرين»، بوجوههم الكالحة والحشمة المتكلفة والسلام المنحصر في فئته..!

العزلة الشعورية

ننقد نظريا العزلة الشعورية التي في أدبيات بعض الجماعات الإسلامية المنحرفة التي عدت نفسها الإسلام نفسه وليست جماعة من المسلمين، وطبقت أحاديث البيعة والجماعة والإمامة السياسية على قادتهم ورؤسائهم، وشطوا في ذلك شططا بعيدا.

اختزال الالتزام

     ومن حيث لا نشعر يتسرب إلينا -بلسان الحال- تلك العزلة الشعورية باختزال الالتزام في لحية وقميص مخالفين قيم الدعوة الفردية والجماعية وحقيقة التواصل مع الفئات كلها للتدرج في دعوتها لإنتاج الشخصية المسلمة المتكاملة في تصوراتها وسلوكياتها، ونحت عقائدها وقيمها من خلال ذلك التواصل المتمثل في ابتسامة عذبة وكلمة حانية وحرارة اللقاء والتزاور.

التقهقر في هذا الأمر

     وقد يرجع التقهقر في هذا الأمر لطباع شخصية، ولكن يجب أن تُقوَّم، وقد ترجع إلى أمراض قلبية من كبر وعجب ورؤية للنفس، وتعالج بتربية إيمانية حقيقية، وقد ترجع إلى لوثات فكرية تقوم على تكفير المجتمعات دون جماعته وحزبه وطريقته والصدام المعنوي، فضلا عن المسلح للتغيير يسميه حتمية المواجهة؛ مما أدى إلى نتائج مأساوية عبر تاريخ الصحوة، يرجعها إلى مرحلة ما قبل الصفر في إنجازاتها الدعوية المجتمعية..!

انتماء على الولاء والبراء

     وكل ذلك أدى إلى أن أصبح الانتماء إلى تلك الجماعات وبالا؛ لأنه انتماء يعقد عليه الولاء والبراء، وتوزع صكوك الغفران تبعا لكارنيهات الاشتراك والبيعة لأمير الجماعة لقبا حقيقيا أو معنويا، وإنما الذي يشرع من الانتماء ماليس فيه عقد ولاء وبراء على المسمى وأنه ليس بديلا عن مسمى الإسلام، وما هو إلا تعاون على البر والتقوى للقيام بواجبات وفروض كفائية لا يطيقها الفرد بنفسه؛ فوجب التعاون للاضطلاع بها بغيره وبأمر القادرين لا أن يكون الانتماء مسوغا للاستعلاء والانغلاق والتحوصل..!

كسر العزلة

كسر تلك العزلة الشعورية نظريا ومعنويا مهم وعنصر حاسم في إيصال الحق للخلق ومنهج أهل السنة والجماعة لأطياف المجتمع كافة مع المرونة في وسائل الدعوة وآلياتها ما لم تخالف البينات من النصوص والإجماع والقياس.

مسؤوليتنا في البلاغ

     هذه مسؤوليتنا في البلاغ المبين بالحكمة والرفق والموعظة الحسنة والصبر قال - صلى الله عليه وسلم -: «من خالط الناس وصبر على أذاهم، خير ممن لم يخالط الناس ولم يصبر على أذاهم»، ومن ثم لا تتوقف دعوتنا وتنحصر دون جدران المسجد، وننتظر دخول الناس ثم إذا دخلوا لا نلتفت إليهم، بل نخرج إليهم ونتحرك، ونكون نحن المساجد المتحركة بين الناس، بحيث نذكر الناس بربهم وبقضيتهم ونأخذ بأيديهم لطريق الله..!

طبيعة دعوة الأنبياء

     لابد من فهم لطبيعة دعوة الأنبياء -صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين- من الحركة والخلطة والجهاد والمدافعة والمناظرة وهذا مطرد في القرآن {اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري}، ودعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواسم الحج والطائف وهجرته للمدينة وانطلاقه في دعوة الملوك في بلاد العجم حوله - صلى الله عليه وسلم .

تقويم السلوك

     فهذا المنطلق وهو تقويم السلوك المنبثق من خلل في الخلفيات إما البيئية أو التربوية أو الفكرية الذي يؤدي بدوره لتقويم الحركة والانتشار المجتمعي، وكل هذا يصب في التوسع الأفقي للدعوة والبلاغ والدلالة على الفهم الصحيح للمنهج في زمن غربة الإسلام بين الملل وغربة مذهب أهل السنة والجماعة الملتزم بفهم السلف بين الفرق والمذاهب المعاصرة مع مراعاة اختلاف الذائقة الثقافية لكل فئة من فئات المجتمع، والعمل على مراعاة ذلك في خطابها الدعوي في إيصال ما لا يسع المسلم جهله على مستوى العقائد والعبادات والمعاملات كل على حسبه.

الأصل الجامع

     والأصل الجامع لهذه المنطلقات الثلاث وهي العالمية والدعوة إلى المحكمات قبل المشتبهات وتقويم السلوك الحركي في المجتمع هو الرحمة والإخلاص والرفق، وهذا جميعه يقضي على تلك الحواجز الوهمية والواقعية بين الناس وبين الحق، ويجفف منابع تلك الجفوة والفجوة بيننا وبين المجتمعات لكي نصل إلى الهدف المنشود من استنقاذ الناس من سخط الله وعقابه في الدنيا والآخرة، وإيجاد جيل التمكين لتكون كلمة الله هي العليا، ولا يكون ذلك إلا بالقضاء على نخبوية الخطاب الدعوي وتجرده الرباني من الأسماء والشعارات والانتماءات والتنظيمات (حفظ تلك الأشياء في حيز الوسائل لا الغايات) حتى تحقق عالميته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك